منوعات

مانيكان.. ” قصة مصورة “


لم أكن أعلم أنني تمثال مصنوع من الفيبر جلاس، مخصص لعرض ملابس البشر، أي “مانيكان”، لا يجيد إلا الدور المرسوم له بدقة، والوقوف في ثبات بلا حركة، في وجهات محال الملابس، المنتشرة بالشوارع التجارية المزدحمة، المتواضعة منها والفاخرة، أو تلك المتواجدة في المولات، المضاءة بالأنوار الصاخبة، الممتلئة بالبشر التواقين للشراء والاستهلاك.

قبل اكتشاف حقيقة دوري في هذا العالم، كنت أعيش بعيدًا عن كل ذلك الصخب، بين أخوتي، في مخزن رطب، تسمع فيه حركة القوارض والهوام ليلًا، بينما تتسلل إليه الشمس نهارًا، من فتحات الباب المعدني الضخم، المتآكل من فعل الصدأ.

حياة رغم قصورها، كانت تعجبني، فقد كنت أرى الوجوه المتشابهة تهمس لبعضها البعض، في حب وغضب وبهجة وملل، قبل أن نعرف الإصابة بالكسور، والتآكل، من جراء كثرة الاستخدام، والتخزين الخاطئ.

بعد ذلك تنقلت بين جميع أنواع محال الملابس تقريبًا، من المحال الشعبية، التي لا تزيد سعر قطعة الملابس بها عن جنيهات معدودة، إلى المحالات الفخمة الواسعة، التي تباع بها القطعة الواحدة، بأرقام أعجز عن تذكرها، بسبب طولها.

وقد كانت الأقمشة في المحال الرخيصة، تسبب لى حكة، بينما كانت تزعجني الأنوار المبهرة في محال الأغنياء، وتتسبب في تآكل الطبقة الخارجية اللامعة، وخلال رحلتي بين تلك المحال، كنت نادرًا ما أقابل مانيكان يشبهني، صنع في نفس المصنع.

وان كنت ألاحظ أن البائعين، يتعاملون معنا جميعًا، وكأننا نشبه بعضنا البعض، رغم أن صانعى جعلنى أكثر تميزًا، بوضع بروز على شكل قلب صغير في عنقي، لكن لا أحد يلتفت لذلك الاختلاف.

ورش تصليح المانيكان، كانت تستقبلني بين الحين والآخر، لإعادة الطلاء، وتركيب أطراف بدل الأطراف التالفة، وهناك كنت أجد الأجيال الأقدم المصنوعة من الجبس، وتلك الأحدث، المصنوعة من البلاستك، وقد أدهشني المانيكان النصفي، التي كانت تصب بلا ملامح، وكنت أرى في ذلك إهانة لنا، نحن المانيكان الكامل.

في العام الماضي، حدث لى تلف لا يمكن إصلاحه، بسبب عامل أحمق، وضعني بعنف على الأرض، فتسبب لى في كسر مضاعف، فانقسمت إلى نصفين، هنا قرر صاحب المحل الاستغناء عني، وأعادني إلى ورشة التصليح، حيث بقيت نصفين، لا خير في لصقهما، حتى أن صاحب الورشة حاول بيعى أكثر من مرة، كنصف فقط، لعرض أغطية الرأس، والأكسسورات النسائية، ولكن المشتري رفض، وأكد أنني طراز قديم، لا يجذب نظر زبون اليوم.

فيتو