رأي ومقالات

سد مروي وجهجهة التساب


نستعير عنوان مقالنا هذا من القامة حميد «الضو وجهجهة التساب» تلك القصيدة الملحمة التي صور فيها فيضان 1988 وما خلفه من دمار لمعظم بقاع السودان ولكن اهل الشمالية كانت مصيبتهم أعظم. ففي هذا العام كادت تكرر الاحداث ويعيد التاريخ نفسه لولا الحيطة والحذر اللتين تحلى بهما الجميع وبعد عون الله وتوفيقه تمت الاستعانة بالآليات الكبيرة التي أصبحت متوفرة، ولكن ليس كل مرة تسلم الجرة كما يقولون، وبدأ السؤال التقليدي والمتكرر يطل برأسه، ما السبيل لإيقاف هذه الجهجة؟ أنظل على هذه الحالة دوما؟ هكذا تساءل الكثيرون، ولسان حالهم يقول ما المخرج من هذه الحالة التي تلتف حول أعناقنا عاماً بعد عام! آخرون نظروا للأشياء بنظرات ثاقبة فكانوا يفكرون في كيفية الاستفادة من هذه المياه وتحويلها لمنفعة الوطن والمواطن، ولأجل ذلك يجب أن يتم التحكم فيها وتوجيهها التوجيه المناسب وذلك لا يتأتى إلا ببناء السدود! ولكن السدود قد بنيت والمثال أمامنا سد مروي الذي لم يحم المناطق من خلفه بل كان اهل السد يبحثون عن حماية سدهم قبل حماية الآخرين، ففتحوا بواباته على مصراعيها وتركوا كل المياه تعبر وبذا لم يساهموا بأي جهد في حماية المناطق من خلفهم بل كان همهم الاول والاخير حماية سدهم. إذاً الحالة الماثلة أمامنا حالة سد مروي مثال واضح للمشاريع المنقوصة التي لم تستكمل وبذا لم تتم الفائدة المرجوة منها بل على العكس جلبت كثيراً من الأضرار المتمثلة في سرعة اندفاع المياه خلف بحيرة السد ما يتسبب في زيادة الانجرافات وتنامي ظاهرة الهدام وتحولات الجزر. والجانب الآخر المتمثل في زيادة الرطوبة ولما لذلك من أثر في التركيبة الزراعية بالمنطقة بجانب زيادة المحتوي المائي داخل التربة والذى انعكس في شكل ظاهرة ما يعرف «بالنز». من هنا يتعاظم الاهتمام بالترع لجبر الضرر وإزالة ما لحق بالمواطنين من آثار سالبة وأضرار، إذ الترع هي في مقام الواجب المستحق لجبر الضرر ولاستمرار الحال قريبا مما كان عليه ومن بعد ذلك يأتي التفكير في توسعة مواعينها لجلب منافع وفوائد إضافية للناس. من هذا المنطلق منطلق حتمية قيام الترع وضرورة إنشائها لجبر الضرر عن المواطنين نجد أن الترع من ناحية أخرى تشكل صمام أمان للسد نفسه وذلك كمتنفس سريع له عند الفيضانات العالية ـ كحال هذا العام ـ وفي الوقت نفسه الترع تذهب بالإطماء بعيداً عن بحيرة السد وفي ذلك تأمين لها والمحافظة على عمقها وتخزينها للمياه المنشود، إضافة لكل ذلك فإنه عند مخارج الترع توربينات للتوليد الكهربائي إذاً هي منظومة من المنافع المتداخلة والمتشابكة وكلها تصب في مصلحة الوطن والمواطن. مشروع ترعتي سد مروي مشروع مدروس ومكتمل من جميع جوانبه الهندسية والاقتصادية بل وتصدر توصيات مؤتمر نهضة الولاية الشمالية التي صادقت عليها رئاسة الجمهورية وصار في عداد المشاريع واجبة التنفيذ، بل وأكثر من ذلك صدر قرار جمهوري بتكوين لجنة عليا لمتابعة تنفيذ تلك التوصيات تضم شخصيات بارزة كل في مجاله ونحسب أنه يجمعها الهم العام هم تنفيذ ومتابعة تلك التوصيات التي أتت نتاجاً لجهد كبير بذل وعرق سكب حتى تم التوصل لتلك التوصيات. إذا مما رأينا من فيضان هذا العام وما سببه من أضرار، ومن مشاهداتنا من الآثار الجانبية التي صارت تلقي بظلالها على مناخ المنطقة والتي صار مناخها ممطرا بعد أن كانت لا تعرف لذلك سبيلا، ومن انتشار «النز» وازدياد الرطوبة التي سوف تلقي بظلالها على التركيبة المحصولية لتلك الأسباب ولغيرها يتوجب الإسراع في أمر الترع. فوائد الترع تتعدى المساحات التي سوف تزرع بمياهها إلى المياه الجوفية البعيدة إذ ستصبح مصدر تغذية دائماً بالنسبة لها ومستوى المياه سوف يكون في المتناول للاستخدامات الزراعية وبذلك تتضاعف المساحات المأمول ريها من الترع ومن المياه الجوفية حول الترع لتصبح في جملتها ثلاثة ملايين فدان وهي أكبر من أراضي مشروع الجزيرة المشروع الأول في السودان، وكما أشرنا آنفا أنه بهذه الترع نوفر كهرباء تعادل كهرباء سد الروصيرص وبالترع يتضاعف دخل الفرد بالمنطقة 500 ضعف، هنيئاً للسودان مشروع جزيرة آخر وسد روصيرص آخر وهذه هي المشاريع التي يجب أن يتكاتف الناس حولها لأن أثرها بالغ على مجمل اقتصاد السودان. إذاً على اللجنة العليا التي صدر قرار جمهوري بتكوينها شهر يوليو الماضي بالرقم 680 لسنة2016م اللجنة تضم شخصيات لها خبرات وباع طويل في العمل العام القيام بإنفاذ المشروعات إذ عليهم مسابقة الزمن لإنفاذ هذا المشروع الحيوي المهم فبقيام الترع سوف تحدث طفرة تنموية ضخمة جدا بالولاية الشمالية من سد مروي جنوباً وحتى الشلال الثالث شمالا «مناطق المحس» ويتيح ذلك رياً انسيابيا على ضفتي النيل شرقا وغربا للمشاريع القائمة حاليا نوري واللار وتنقاسي والقرير وقنتي والغابة والبرقيق…الخ وفي ذلك توفير للوقود والاسبير والكهرباء «بالري الانسيابي تصبح هذه الأشياء من الماضي» وكما هو معلوم فالري الانسيابي أرخص أنواع الري والسلع المنتجة عن طريقه تعتبر أرخص أنواع السلع وبذا نتصدر السوق بسلع ذات قيمة غذائية عالية ـ منتجة من أراضي بكر ـ ورخيصة الثمن. وفق الله الجميع لخدمة البلاد والعباد.
مهندس/ خالد محمد أحمد كبوش – مصفاة الخرطوم
٭٭ شكراً باشمهندس خالد كبوش على هذه الإفادة القيمة. والتساب باللغة النوبية يعني الفيضان.
الصحافة