عثمان ميرغني

بعد إذن مولانا..!!


أتاح لنا القدر فرصة تاريخية لزيارة الدكتور حسن الترابي في منزله قبل حوالي ثلاثة أسابيع من انتقاله إلى جوار ربه.. بدا الترابي مقتنعاً – جداً- بأن الحوار الوطني سيخلص إلى فتح أبواب الحريات على مصراعيها.. وأن ذلك هو السبيل الوحيد لحل لا يُدمي حاضر ومستقبل السودان.. وكانت يد القدر أسرع من أن يرى ذلك يتحقق..
لكن حسب الأخبار التي رشحت في اليومين الماضيين من لجنة (7+7)، أن ورقة الدكتور حسن الترابي عن (الحريات) اجتازت النفق الأخير وأصبحت ضمن التوصيات التي يفترض أنها معتمدة مقدماً قبل المؤتمر العام في يوم عشرة عشرة (10/10/2016)..
والحقيقة لم أطلع على هذه الورقة.. ولا أعتقد أن كثيرين اطلعوا عليها.. لكني في غاية الحيرة.. كيف لورقة عن الحريات تجاز في توصيات الحوار الوطني تفعل وتحقق ما لم يفعله ويحققه الدستور الذي هو أعلى قانون في البلاد؟.
بعبارة أخرى.. دون النظر إلى محتوى ورقة الترابي.. ومهما تفاءلنا أنها حوت من الحريات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. فما جدوى ذلك في واقع لم يصلحه دستور مجاز، وتشرف على حراسته محكمة دستورية.. وقضاء كامل.. وسلطات عدلية أخرى مهمتها فرض وإنفاذ الدستور.. فالحريات المنسوجة في مواد دستورنا تحسدنا عليها دول راسخة في الديموقراطية.. لكنها معلقة مثل “التمائم” لتحرسنا من العين لا أكثر.. ولا أعلم من يملك الإجابة على هذا السؤال؟
لهذا ظللت أردد أن مشكلة السودان ليست في مزيد من المواثيق أو القوانين أو التوصيات.. بل في البحث عن (روشتة) أو وصفة تجعل القانون هو سلطان الدولة..
وعبارة (دولة القانون) نفسها منصوص عليها في كثير من أدبيات الحكومة (بما فيها برنامجها الانتخابي الأخير) لكن لا أحد ينظر بعين بصيرة إلى ما يجعل هذه العبارة فرضاً مفروضاً لا يمكن الاستدارة خلفه..
ولو انتهى الحوار الوطني من أول ساعة انعقد فيها إلى جملة واحدة فقط (نطالب بدولة القانون).. لكفى.. فليس هناك قانون سيء طالما هو مكتوب في الورق؛ وليس منحوتاً في الصخر فلا يمكن تعديله..
الأوجب التركيز في توصيات الحوار الوطني على تلك التوصيات التي رسمت الطريق لتأكيد (دولة القانون).. فالوصفة التي تبني مثل هذه الدولة سهلة ومعلومة، وكما ذكرت لكم في مناسبة سابقة أفضل من كتب عنها مولانا د. عوض الحسن النور وزير العدل نفسه.. الذي أوضح في مقالات منشورة المطلوبات الحتمية لتأسيس دولة القانون.. ولتذكيركم بها سنعيد نشرها- إن شاء الله..
بالطبع بعد إذن مولانا..

التيار