تحقيقات وتقارير

مستقبل غامض ينتظر الحرس القديم الشرطة و”الجميلة ومستحيلة”.. متلازمة الزيت والنار


وزير سابق: تبعية الحرس الجامعي للشرطة تشكك في استقلالية الجامعة

شرطة تأمين الجامعات: وجودنا سيكون بصورة مستديمة وبالزي الرسمي وبسلاح غير فتاك

أحد أفراد الحرس الجامعي: لابد من وجود أصحاب الخبرة ضمن القوة الجديدة

فيصل حمدان محمد، اسم قد لا يعرفه الكثيرون، فالرجل الخمسيني ليس وزيراً ولا لاعب كرة وليس فناناً، لكنه اسم لامع بكبرى جامعات البلاد وأعرقها، فالذي يزور جامعة الخرطوم أو الجميلة ومستحيلة كما يحلو لطلابها تسميتها، لابد من أن يتعرف عليه، فبشاشته وعاطفته الأبوية في التعامل مع الطلاب أوجدت له مكانة مقدرة وهو يؤدي مهمته في الحرس الجامعي.

اليوم يبدو الرجل الخسميني في حيرة من أمره بعد أن تقرر أن تؤول المهمة الى قوات شرطية خاصة، ومثل غيره لا يعرف مصيره، في جامعة الخرطوم التي ذهبنا إليها لمعرفة اتجاهات الرأي حول المستجدات الأخيرة، حيث تبدو الصورة ضبابية، وما بين رفض وتحفظ وتأييد لتولي الشرطة مهمة الحرس الجامعي لم ننس أن نجلس الى الذين كانوا يؤدون ذات المهمة، والتقينا الطلاب وأساتذتهم.

هدوء لافت
ونحن نتجول داخل جامعة الخرطوم، بدت لنا هادئة على غير عادتها، فتساءلنا هل هو الهدوء الناتج عن توقف الدراسة أم ذلك الذي يسبق العاصفة، تركنا البحث عن إجابة لتساؤلنا ويممنا ناحية الحرس الجامعي الذين وحتى وقت قريب كانوا في واجهة الأحداث، إلا أن التطورات الأخيرة جعلت معظمهم ينظرون الى المستقبل بتخوف من أن يبارحوا مهنة قضوا فيها أنضر سني عمرهم رغم ضغطها وحساسيتها ومواجهاتها المحتدمة مع من يوسمون بنصف الحاضر وكل المستقبل.

جلسنا أولاً إلى فيصل حمدان، وهو يعتبر من قدامى الحرس بالجامعة وبدا في حيرة من أمره لجهة تخطيه الخامسة والأربعين التي قال إن الشرطة وضعت سقفاً لمن يريد الالتحاق بالقوة الجديدة المنوط بها حراسة الجامعات، مبدياً تعجبه من الغموض الذي يكتنف مصيرهم، وقال “حتى الأن لا نعرف مصيرنا”، وعبر عن استيائه الشديد من موقف إدارة الجامعة التي قال إنه لم يخرج أحد منها ليوضح لهم مصيرهم ومستقبلهم، نافياً معرفتهم باتجاه الدولة إلغاء مهمتهم وتحويلها إلى وحدة شرطية مختصة، وقال إنهم علموا بهذا الأمر من الإعلام فقط، مؤكداً أن قرار حل الحرس الجامعي شأن يخص الدولة، ولكن لم تتم إحاطتهم علماً بالخطوة حتى يتمكنوا من معرفة مصيرهم، إلا أنه رجع وقال: إدارة الشرطة القائمة على أمر الحرس الجامعي الجديد لم تقصر معنا حيث جلست إلينا بعد القرار وأخبرتنا بالمستجدات وأعطتنا حق الانتساب لها لمن يستوفي الشروط من عناصر الحرس الجامعي.

ويعود مجدداً ويرمي باللائمة على إدارة الجامعة التي لم تحطهم علمًا بالقرار الأخير، مؤكدا أن الشرطة احترمتهم واستشعرت أهمية وضرورة الجلوس إليهم، كاشفًا عن أنهم عملوا مسبقاً في إدارات الحرس الجامعي المختلفة مع عدد من إدارات الشرطة بالمحليات والشرطة الأمنية، ورحب بوجود الحرس الجامعي الشُرطي، غير أنه حّذر من ترك المهمة للقوة الجديدة وذلك لعدم امتلاك أفرادها خبرة التعامل مع الطلاب، ورأى ضرورة وجود الحرس الجامعي في المرحلة المقبلة ضمن القوة الجديدة.

تعامل خاص
أما زميله عمر سعيد فقد أكد على أن التعامل مع الطلاب يحتاج لسياسية محددة عنوانها البارز الكياسة والحكمة والصبر وتقدير الموقف، مشيراً إلى أن القانون وحده لا يكفي للتعامل مع الطلاب، وقال: إذا أرادت إدارة الشرطة الجامعية الجديدة الحد من مشكلات الجامعات بصورة جذرية فلابد من الاستعانة بخبرات الحرس الجامعي المتراكمة، وأعرب عن أسفه لمواقف إدارة جامعة الخرطوم التي وصفها بالضبابية، وقال إنهم موظفون، وكان يجب أن تتم إحاطتهم علماً بكافة التفاصيل.

أوضاع سيئة
من ناحيته يشير خالد إسماعيل الى أن أوضاع الحرس الجامعي تعتبر سيئة بكل المقاييس خاصة بجامعة الخرطوم، نافياً تسببهم في الأحداث التي شهدتها الجامعة التي أعتبر أن إدارتها لم تعمل على توفير المعينات التي تساعدهم في أداء عملهم، وقال”عندما تقع حادثة يتم تحميلنا المسؤولية للأسف، ومضى في قوله مضيفاً: سمعنا مؤخراً أن إدارة جديدة تم إنشاؤها لتأمين الجامعات، وهي تتبع للشرطة بدلاً عن الحرس الجامعي، هذه الخطوة ربما تخفف الضغط على أفراد الحرس، ولكن لا تزال هذه الإجراءات في مرحلة الضبابية لأن إدارة الجامعة بعيدة كل البُعد عن هذه الإجراءات ولا تعرف مصير أفراد الحرس بالشرطة الجامعية الذين يتخوفون على مستقبلهم الوظيفي، علماً بأن إدارة الشرطة الجديدة لم تمنح أفراد الحرس الرتب العسكرية حسب لوائح ديوان شؤون الخدمة إذ بكل درجة وظيفية تقابلها رتبة عسكرية، والآن الوضع يحتاج لإنصاف من قبل وزارة الداخلية ووزارة التعليم العالي لترتيب أوضاع الحرس الإدارية والقانونية في ظل الإجراءات الجديدة لتكوين شرطة تعنى بتأمين الجامعات.

مخصصات منقوصة
عمر عز الدين أحد أقدم أفراد الحرس الجامعي بجامعة الخرطوم أعرب عن أسفه لحالتهم، كما أعرب عن استيائه الشديد من إدارة الجامعة لموضوع تغيير الحرس، كما بيّن أنه قد بلغ من العمر ما لا يتيح له الانتقال من وظيفة مكتبية إلى أخرى عسكرية، والمعلوم أن العمل الشرطي لابد أن يتوافر فيه جانب المرونة والمقدرة على تحمل مشاق العمل، كما بيّن أن المخصصات المادية التي كانوا يحصلون عليها من الحرس الجامعي تفوق المخصصات المعروضة من إدارات الشرطة، وأشار إلى أنه يعول أسرة لا تتحمل أي انتقاص في المصادر المادية، وتمنى توضيحاً في القريب العاجل من المسؤولين في إدارة الجامعة، كذلك قال إنه لا ينسى أن يشكر إدارة الشرطة الجامعية التي جلست إليهم وقدرتهم.

أجور متواضعة
أما جمال حسن فلم يبد اعتراضاً على فكرة الانخراط في قوات الشرطة، ولكنه امتعض من المرتبات المعروضة عليهم التي اعتبرها أقل من مرتب الحرس القديم، ورغم ذلك أبدى ارتياحه لهذه الخطوة، مشيراً إلى أن الحرس في السابق كان يعاني بشدة لاتهام أفراده من قبل المواطنين والطلاب بالتسبب في المشاكل التي تحدث بالجامعة.

الطلاب يرفضون
بعد ذلك جلسنا إلى عدد من الطلاب الذين تطابقت رؤيتهم التي ارتكزت على التمترس وراء حاجز رفض التعامل مع حرس جامعي من الشرطة، وفي هذا الصدد تشير الطالبة دلال صلاح الدين التي تؤكد صعوبة التعامل مع أفراد الشرطة وهم يؤدون وظيفة الحرس الجامعي، مشددة على ضرورة توفر الحرية داخل الجامعة حتى يتمكن الطالب من أداء كافة أنشطته السياسية والجامعية، وقالت إن الوضع بعد تولي الشرطة مهمة الحرس الجامعي ستزيد من تأزيم الأوضاع بالجامعة، أما الطالبة رنا محمد علي، فقد أشادت بتعامل الحرس الجامعي معهم، وتقول إنه ومن واقع وجودها في جامعة الخرطوم لأربعة أعوام قد أوضحت لها أن الشرطة تتعامل معهم على أساس أنهم مجرمون وليسوا طلاباً، كما أشارت إلى أن الأحداث التي تدور الآن في جامعة الخرطوم هي مؤامرة ضد طلاب الجامعة وجميع من يقف معهم، والشاهد على ذلك فصل الدكتور عصمت وعدد من الطلاب الذين طالبوا بحقوقهم كطلاب، مع العلم أن طلاب الجامعة في الوقت الراهن لهم حساسية في التعامل مع الشرطة، لذلك تعتقد أنه قرار غير سليم وصدر في وقت غير مناسب.

رفض قاطع
من ناحيته يؤكد مصطفى أبكر رفضه القاطع وجود الشرطة بالجامعة، كما استنكر بشدة تصريحات وكيل الإدارة بالجامعة بأنهم سيستخدمون شرطة قوية لقمع الطلاب، وأعرب عن أسفه الشديد للحالة التي آل إليها حال الطالب بالجامعات السودانية، وقال: الحكومة ترى أن الطالب أصبح عبئاً عليها، لذلك قررت أن تحد من حرياته، متناسيةً أن الطالب هو الذي تبنى على أساسه مؤسسات الدول، ويجب ألا تتم معاملته على أساس أنه مجرم.

أما الطالب إبراهيم عثمان فذهب في اتجاه زملائه، مؤكداً رفضه القاطع لوجود شرطة بالجامعة، وقال إن هذا من شأنه أن يقود الى مزيد من التعقيد والأحداث المتكررة في المواجهة بين الطرفين، وقال: الطالب والشرطي، الاثنان يتصفان بصفات السودانيين التي أهمها رفض الحقارة، وهذا يعني أن كل طرف لن يرضى التجاوز من الآخر وأن هذا الأمر من شأنه أن يقود إلى مزيد من الاحتكاكات الخشنة بين الطلاب وأفراد الشرطة.

أما الطالب أسعد أحمد فضل الله، فيقول إن العلاقة الأزلية بين الطالب والشرطي تقوم على العداء وعدم تقبل كل طرف الآخر، ورأى أن هذا سيكون حاجزاً نفسياً يحول دون التعاون بينهما، بل من شأنه تفاقم المشاكل في الجامعات عامة والخرطوم خاصة، وقال إن المسؤولين يصدرون مثل هذه القرارات بحثاً عن البقاء أطول فترة في مناصبهم، أما الطالبة ملاذ السيد محمد عمر، فقد عبرت عن تخوفها من حدوث تصادم بين الطلاب والشرطة، ورأت أن الطالب الجامعي يؤكد دومًا أنه يتعرض للظلم من الشرطة وأن هذا الإحساس سيزيد من حرائق الجامعات.

الأساتذة يتحفظون
اتجهنا بعد ذلك إلى عدد من الأساتذة، وفي هذا يشير الدكتور الأمين إبراهيم حسن إلى أن نظرة الطلاب للشرطة ستكون عدائية لجهة أن إحساس الطلاب غير سليم تجاه الشرطة، ربما للكثير من المعاناة التي واجهتهم من قبل الجهة النظامية، مبيناً ارتكاب بعض من أفراد الشرطة هنات في تعاملهم مع الطلاب، إلا أنه توقع في حالة مراعاة الشرطة لظروف الطلاب النفسية والمرحلة العمرية التي يمرون بها يمكنها أن تجسر الهوة معهم، وتوقع حدوث صدامات في الفترة الأولى، لذا شدد على تأهيل أفراد الحرس الجامعي الشرطي، وطالب أن يتم اختيارهم من خريجي الجامعات مع ضرورة الاستعانة بالحرس القديم

اما الدكتور محمد الفاتح حياتي، فقد أكد عدم تقبل الطلاب لفكرة وجود الشرطة داخل أسوار الجامعة، وقال إن طلاب جامعة الخرطوم لهم عداء مع الشرطة، والدليل على ذلك القضايا العالقة في المحاكم، مؤكداً فشل الشرطة في التعامل مع الطلاب، إلا أنه طالب بألا تتعدى صلاحيات الحرس الشرطي الحدود الممنوحة.

أما الدكتور أحمد حسين عبد الرحمن، فقد استنكر تصريحات مسؤول بإدارة الجامعة صدرت منه أخيراً، وقد أثارت استياء الكثيرين، وذلك حينما هدد باستعمال الشرطة لحسم ما يحدث بالجامعة، ورأى أن تصريحه لم يكن موفقاً، وقد أسهم في تعقيد الأوضاع أكثر، وقال إن الطلاب يعانون كثيراً من قرار إغلاق الجامعة، كما أشار إلى وجود نظرة عدائية ما بين الطالب والشرطي رأى ضرورة العمل على تخفيف حدتها، وقال إن هذا لا يتأتى بوجود مسؤولين يدلون بتصريحات.

تحذير
من ناحيته، حذر وزير الدولة السابق بوزارة العمل والأستاذ بعدد من الجامعات السودانية ومنها الخرطوم، الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى، من أن تبعية الحرس الجامعي للشرطة وقال إنها تشكك في استقلالية الجامعة، وقال إن هذا يعني أن استقلاليتها تصبح تحت رحمة الشرطة، ولفت محمد يوسف إلى إمكانية أن تقتحم الشرطة القاعات بحجة أن المحاضر يدرس مادة غير مرغوب فيها، ووصف القرار بأنه بمثابة هجمة شرسة على الجامعة وانتهاك لحريتها وخصوصيتها، واعتبر محمد يوسف قرار تبعية الحرس الجامعي للقوات النظامية التفافاً على الاتفاق الذي تم بين إدارة جامعة الخرطوم ووزارة الداخلية بألا تدخل قوات الشرطة للجامعة إلا بطلب منها، ونوه إلى أن الحرس يتبع في الأساس لإدارة الجامعة كجزء من هيكلها ومهمته الحفاظ على أمن الجامعة ممتلكاتها ومنع الغرباء من دخولها، والعمل على إغلاق أبوابها حتى يتسنى له حفظ ممتلكات الجامعة.

وجود مستديم
مدير شرطة تأمين الجامعات، اللواء شرطة المزمل محجوب، قال إن وجود الشرطة الجامعية في الفترة القادمة سوف يكون بصورة مستديمة وبالزي الرسمي وبسلاح غير فتاك داخل الجامعات، وأشار إلى استخدام أبواب إلكترونية تتبع إجراءات أمنية إجرائية بجانب أجهزة معلوماتية لكي لا تحدث اختراقات، كاشفاً عن داخليات طلاب بها أعداد لا يستهان بها من المواطنين ومن الموظفين وأفراد قوات مسلحة وشرطة، وقال المزمل: “هدفنا تأمين الطلاب ولا علاقة لنا بالرؤية السياسية للدولة، لافتاً أنهم سوف يستخدمون السلاح حسب الظروف داخل الجامعات”. وأضاف محجوب في تصريح لـ(الصيحة)، إنه تم اختيار (60) ضابطاً اختياراً دقيقاً لقيادة شرطة تأمين الجامعات بعد تلقيهم دورة في كيفية التعامل مع الطلاب وأحداث العنف بالجامعات، مشيراً إلى إصابة (13) شرطياً في أحداث جامعة الخرطوم الأخيرة بينهم 3 حالاتهم حتى الآن خطرة، وأعلن مزمل أن الخامس عشر من سبتمبر موعد استلامهم مهمة تأمين الجامعات. وتابع: “الحرس الجامعي الحالي مخير في الانضمام لنا، لا نمانع لكن وفقاً لشروط الشرطة المعروفة”، مشيراً إلى أن بداية استلامهم تأمين الجامعات سوف تكون في ديسمبر في بعض الجامعات حسب أولوية الوضع بالجامعة ومن ثم الانتقال لكل الجامعات، وأضاف محجوب: “سوف نكون في مواقع الحرس الجامعي الحالية، وحكاية دخول الحرم الجامعي إلا بإذن المدير هذا عرف وليس قانوناً، والحديث عن حرمة الجامعة حديث سياسيين، هل يعقل ترك الطالب يموت عشان أنتظر إذن الجامعة، واجب عليَّ التدخل وإلا أكون مقصراً، وحتى الآن لم يتم التصديق لنا بقطعة سلاح”.

تحقيق: أبوبكر عيسى
صحيفة الصيحة