سياسية

أربعة رؤساء في فاشر السلطان.. حدث يعاش ولا يحكى


فضل الله رابح
إن الذي ينظر إلى مطار الفاشر أمس وهو يشهد حركة الطيران الكثيفة وحجم الضغط الشعبي والرسمي عليه وإرادة الجميع الطاغية من الوصول إلى شرفة استقبال الضيوف، يدرك أن دارفور قادرة على العطاء بعد أن تعافت من أمراض الحرب التي أقعدتها عن التنمية والنهوض عشرات السنوات، وقد شهد الطريق المؤدي من المطار وحتى ساحة ميدان الجيش والمنزل الرئاسي إجراءات أمنية مشددة وضوابط احترازية تمت باحترافية عالية شاركت فيها كل الوحدات الأمنية والعسكرية بلا استثناء .
رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير حطت طائرته بمطار الفاشر الساعة العاشرة والنصف صباحا، وكان يرافقه عدد من الوزراء والقيادات، وسبقته طائرات رئاسية عديدة تحمل وفودا إعلامية وسياسية ورموزا برلمانية من دارفور وولاة سابقين يشاركون في الحدث الكبير وهو إنفاذ اتفاقية الدوحة للسلام بتفاصيلها وجداولها الزمنية المختلفة، وقد بقي الرئيس بمطار الفاشر يستقبل الرؤساء الآخرين، وقد سبقت وصول طائرة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أربع طائرات قطرية إحداهن عسكرية سودانية بها أجهزة رصد ومتابعة رادارات جوية وتحمل سيارات رئاسية مصفحة..
أما الطائرات القطرية كانت تحمل وفودا من الوزراء والحراسات ورجال المال والاقتصاد القطري، وقد سبقهم السفير القطري بالخرطوم قبل يوم من الزيارة إلى مدينة الفاشر ووقف على تفاصيل البرنامج المعد للرئيس التشادي إدريس ديبي.. الذي جاء إلى الفاشر قادما من دولة الصين مباشرة بعد أن شارك في قمة العشرين بصفته رئيسا للاتحاد الأفريقي، كما حضر رئيس أفريقيا الوسطى البروفيسور “فوستان ارمانج تواديدا”..
مدينة الفاشر اغتسلت من وساوسها وقلق الحرب واضطراباتها النفسية وخرجت باكرا منتشرة في كل الأمكنة والشوارع لاستقبال الرؤساء والوفود بروح وثابة نحو المستقبل، وقد مددت البصر من المطار وحتى ساحة ميدان الجيش حيث الحفل الجماهيري الرئيسي، لم أشاهد إلا الجماهير الهادرة التي تقاطرت من كل محليات الولاية ونجحت حكومة شمال دارفور في إبراز الحدث من خلال المشاركة الشعبية والتفاعل الكبير الذي كان علامة فارقة في ديناميكية العمل السياسي والتنفيذي بالولاية.. حيث فاقت مشاركة محلية الفاشر العشرة آلاف مواطن، بينما تراوحت مشاركة المحليات القريبة “مليط ..الكومة ..ام كدادة.. اللعيت.. دارالسلام وكلمندو” وتراوحت حشودها الشعبية ما بين ألف إلى ألفين واكتفت المحليات البعيدة “الطينة.. كتم ..كرنوي..امبرو..سرف عمرة ..سريف بني حسين وكبكابية” ونسبة لظروف الخريف وبعد المسافات اكتفت هذه المحليات بمشاركات رمزية بممثلين للفعاليات الشعبية والسياسية إلى جانب معارض للتراث الشعبي الخاص بمجتمع دارفور، وكان ملفتا منظر الفرق الشعبية على مداخل صالات المطار الذي أغلق تماما أمس أمام حركة العامة وخصص للحدث المهم.
السيسي ودبجو.. مشروع سياسي وطني جديد
طيلة اليوم الذي سبق يوم الحفل الرئيسي كانت هناك حركة غير طبيعية لرئيس السلطة الإقليمية الدكتور التجاني سيسي الذي يستقل أربع عربات لاندكروزر ومعها “سايرينة” خاصة بشرطة المرور، بينما أدخل علم السلطة الإقليمية في جرابه لأنه بانتهاء أجل السلطة لن يرفرف بعد اليوم، وقد تحرك السياسي في أكثر من موقع من بينها الموقع الجديد لمباني السلطة الإقليمية الفخيم الواقع على شارع المطار، وأن همسات تدور وسط مجتمع المدينة بأن المبنى سيؤول إلى حكومة شمال دارفور وسيتم تحويله إلى أمانة الحكومة الجديدة وهو الأرجح، ولكن أصوات أخرى تنادي بتحويله إلى مستشفى أطفال لكنه بحسب حديث فنيين أن المبنى تصميمه لا يصلح غير أن يكون مكاتب حكومية لأن المستشفى تصميمها يختلف عن المبنى الحالي.. في المقابل شكل بخيت دبجو حضورا مميزا ومعه عثمان نهار وآخرون من قيادات حركته.. حيث ظل دبجو يتحرك في هدوء ودون ضوضاء وحراسات مشددة.. ومن لقاءاته وابتساماته مع الكل يتضح أنه ومجموعة السيسي الذين يمثلون أقطاب مهمة في اتفاقية الدوحة قد وصلوا إلى قناعة وضرورة إدماج كل قواتهم والعمل على دعم المجهودات الوطنية وتوطيد أركان السلم والاستقرار وسط الحياة الاجتماعية وحقول العقل السياسي المستنير لأهل دارفور وبناء أجسام سياسية مفتوحة لكل أهل دارفور بجميع قبائلهم دون النظر إلى الانتماءات القبلية الضيقة، وقد قرروا الخروج من جلباب الحرب والتمردات ويصبح المعيار الأوحد هو الانتماء لدارفور ومن ثم الوطن الكبير، وبات الشاغل الوحيد كيفية الوصول إلى البقية من الحركات المتمردة التي لا تزال تراوغ ولم تنضم للسلام .
شمال دارفور ..العودة إلى العصور الذهبية
جسدت ولاية شمال دارفور معاني وقيما نبيلة ظن البعض أنها اندثرت وحلت مكانها عربة اللاندكروزر المقطوعة التي أفسدت الحياة العامة طوال السنوات الماضية.. حيث قدمت هدايا لرؤساء الدول المشاركين في المناسبة باسم حكومة السودان.. حيث كانت هدايا قيمة في معانيها المعنوية ودلالاتها الرمزية، إذ أنها تعبر عن أصالة وتاريخ الأمة العربية والإسلامية، وذلك من خلال إهداء كل رئيس اثنين من الإبل الأصيلة واثنين من الخيول العربية الحرة واثنين من الغزلان، إلى جانب إهداء خاص إلى أمير قطر عبارة عن “صقر الشاهين” المحبب عند العرب في رحلة الصيد، وتخصص له المسابقات الخاصة.
ومعلوم أن ريشه محسوب بالعدد في كل جناح وهو من أنواع الطيور النادرة التي لا توجد في الايام العادية، فهي تأتي في مواسم هجرة الطيور وعبورها للمناطق والقارات البعيدة، ومثل هذه الأيام تصادف أيام هجرة الطيور.. حيث تم اصطياد هذا الصقر النادر من بادية شمال دارفور بأسلوب وطريقة مخصصة.. بحيث يوضع الشرك في حمامات ويتم إطلاقها، ومن ثم يقوم هو بمهاجمتها ويقبض في الشرك ويتم السيطرة عليه وتبلغ قيمته بالخليج العربي (35) ألف دولار.
ولاة دارفور ..تلاحم وفاعلية
رصدت حركة دؤوبة لولاة دارفور الخمسة وهم يؤازرون والي شمال دارفور عبدالواحد يوسف، وقد حضر كل من الشرتاي جعفر عبدالحكم والي وسط دارفور وفضل المولى الهجا والي غرب دارفور وآدم الفكي والي جنوب دارفور وأنس عمر والي شرق دارفور، حضروا قبل يوم وباتوا ليلتهم بقصر الضيافة في الفاشر.. حيث وقفوا على كل التفاصيل في الميدان والمطار والترتيبات التي وضعتها حكومة الولاية، وكانوا يتناولون وجباتهم مع بعض ويمتطون سيارة واحدة يقودها والي شمال دارفور، وركب على يمينه في الكرسي الأمامي آدم الفكي وعلى الكراسي الخلفية “أنس والهجا وجعفر”..حيث كان مشهدا كسر البرتوكول وحير الحراسات الشخصية الخاصة بهم، وقد ظل الحراس يتابعون من على البعد، وكان موقفا كشف أن دارفور أفضل من أي وقت مضى وأن عهدا جديدا قد فتح في الإصلاح والعمل المشترك وربما يكتمل بدخول عناصر جديدة من حركات دارفور إلى السلام والبناء، وهناك أحاديث في المدينة عن اقتراب عودة قيادات مؤثرة من حركة العدل والمساواة على رأسها أبوبكر حامد نور وآخرون قد يدخلون عبر بوابة تشاد بمبادرات يقودها الرئيس التشادي من جهة ومن خلال قناعات ترسخت لدى الجميع وأهل دارفور من جهة ثانية بأن منهج الفرد والأنا الجماعية قد انتهت في دارفور وأن تجربة وآفاقا جديدة قد بدأت في المنطقة وهي تتطلب أن يسهم فيها الجميع بلا استثناء إلا من أبى.
كلمة رئيس الجمهورية.. اهتمام ومضمون
كانت كلمة رئيس الجمهورية المشير البشير مبينة وشاملة لكثير من التفاصيل الخاصة بدارفور وعلاقات السودان بجواره الأفريقي وعمقه العريي، شاكرا أمير قطر لجميل صنيع بلاده ومساهمتها في بسط السلام والأمن والتنمية بدارفور، وقال البشير إننا أطلقنا اسم عبدالصبور على عبد الله آل محمود رئيس الوزراء القطري كناية عن صبره على المفاوضات، كما حملت رسائل إخاء للرؤساء الذين شاركوا في البرنامج واعترافات وتجاوز للماضي والعبور إلى المستقبل بمفهوم ينظر إلى المصالح العليا للبلاد والمنطقة بشكل عام.. وكان الرئيس التشادي إدريس ديبي مهتما ومتابعا لتفاصيل حديث الرئيس سيما حديثه الصريح عن الأزمات وسحابة الصيف التي مرت على البلدين واعترت علاقاتهما في فترة من الزمان الماضية وقد تسببت في بعض الخسائر المادية والسياسية بين البلدين..
البرنامج انتهى عند الساعة الثانية ظهرا وهو الوقت المحدد بدقة في ورقة البرنامج التي أعدتها مراسم الدولة ووزعتها على الجميع.. حيث دخل الرؤساء المنزل الرئاسي سيرا على الأقدام من البوابة الخارجية وتفقدوا المعرض الخاص بما قدم من تنمية وخدمات في فترة اتفاقية الدوحة، ثم معرض الهدايا المقدمة من النعم.
وقد حرص رئيس الجمهورية ووالي شمال دارفور على إيصال الرؤساء والضيوف إلى أجنحتهم أثناء فترة الراحة 15 دقيقة، ثم ذهب إلى حيث مقر راحته، وكان هناك حضورا طاغيا للادارات الاهلية، أبرزهم السلطان احمد حسين أيوب علي دينار سلطان الفور وقد رافق رئيس الجمهورية كل من وزير رئاسة الجمهورية الدكتور فضل عبد الله فضل ومدير جهاز الامن والمخابرات الوطني الفريق اول محمد عطا ومساعد الرئيس اللواء عبدالرحمن الصادق المهدي ووزير الاعلام دكتور احمد بلال ووزير ديوان الحكم الاتحادي دكتور فيصل حسن إبراهيم ووزير الشباب والرياضة حيدر جالكوما ومسؤول ملف دارفور الدكتور امين حسن عمر، وكان الأمير عبدالرحمن الصادق كثير المداعبات سيما مع مدير مكتب الرئيس الفريق طه عثمان الذي أضحكه ود الإمام حتى بانت نواجذه.

الانتباهة