منوعات

المهاجرون السودانيون في إيطاليا.. إنتظار بلا أمل


ألقت السلطات الإيطالية مؤخرا القبض على أكثر من 40 مهاجرا سودانيا في فينتيميليا الواقعة على الحدود الايطالية الفرنسية، DW رصدت معاناتهم في ظل هاجس الترحيل إلى السودان.

“كنت أتجول رفقة صديقي بالقرب من مخيم الصليب الأحمر، حيث اقتربت 3 سيارات شرطة مني. كان رجال الشرطة بملابس مدنية يحملون مسدسات، ركضت هربا منهم إلى أن إهتديت إلى هذا المأوى”. هكذا يروي عمار قصته لـDW وهو يقف في ملعب صغير وراء كنيسة سانت أنطونيو. أرانا عمار ندوبا على بطنه قائلا: ” القفز وراء الحائط، سبب لي جروحا كثيرة”.

عمار في إيطاليا منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، أمضى الشهور الثلاثة الأخيرة في فينتيميليا، الآن يمكث في مخيم كاريتاس منذ 9 أيام، ويمضي وقته قبل ان يجرب حظه مجددا ويعبر الحدود.
[فرنسا هي حلم المهاجر السوداني عمار]

فرنسا هي حلم المهاجر السوداني عمار

مثل كثير من أصدقائه يحلم عمار بالوصول الى فرنسا، لكن هذا حلم أصبح صعبا عندما ألقت الشرطة الإيطالية القبض عليه. قبلها بأيام اعتقلت السلطات نحو 40 مهاجرا سودانيا في بلدة فينتيميليا الواقعة في الحدود الإيطالية وأعادتهم إلى السودان من مطار تورينو. وبين هؤلاء المهاجرين السودانيين هناك مهاجر يعرفه عمار ولم يسمع عنه من ذلك الحين.

الهروب من السودان

رسميا لا يتم تعريف النظام الحكم في السودان بالديكتاتوري، غير أنه ابتداءً من سنة 2010 تشن الحكومة هجمات على مواطنيها، وجرت عد معارك بين الجيش الوطني في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور. اتهم الرئيس عمر البشير بارتكابه مذابح وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب من طرف محكمة العدل الدولية، وصدرت في حقه مذكرة توقيف سنة 2009.

عمار المعلم البالغ من العمر 30 عاما، ينتمي لديانة مستهدفة من قبل الحكومة السودانية، ”أنا مسيحي واسود البشرة، لذلك لم أكن شخصا مرغوبا فيه ولم استطع البقاء هناك”. كما كشف عمار لـ DW.

الحكومة السودانية تقول إنها تحاول أن تعيد مواطنيها الفارين من المعارك إلى أرض الوطن ، فوفقا لصحيفة ” سودان تربيون” الناطقة باللغة الفرنسية، “فقد كشف لناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية السفير قريب الله خضر بأنه انه تقدم بطلب مستعجل لوزارة الداخلية لإرسال وفد إلى روما، وذلك بغرض تحديد هويات المهاجرين السودانيين وتزويدهم بالأوراق المطلوبة قبل ترحيلهم إلى السودان”.

اليكساندرا باليريني وهي خبيرة في قوانين الهجرة، تُعرف هذه الخطوة بـ”الترحيل غير القانوني”، اذ تظل العديد من المعلومات غير واضحة، فعلى سبيل المثال لا يعرف إلى حد الآن إذا كان بين المهاجرين السودانيين أشخاص قصر.

بمباركة الاتحاد الاوروبي ؟

عملية ترحيل طالبي اللجوء إلى أرض بلدانهم هي جزء مهم من مذكرة تفاهم وُقعت في أوائل غسطس/آب الماضي، كجزء من سلسلة الاتفاقيات الثنائية التي وقعت بين السودان والإتحاد الأروبي.

”مدى قانونية العملية تطرح الكثير من التساؤلات” تقول باليري في تصريح لـDW وتضيف: ” يبدو لي أن الاتفاق الثنائي هو ضد الدستور الإيطالي والمادة 3 من اتفاقية جنيف التي تهم حماية الأشخاص المدنيين في مناطق الحرب”.
[اغلب المهاجرين يعدون ايطاليا محطة مرور الى بلدان غرب اوروبا]

اغلب المهاجرين يعدون ايطاليا محطة مرور الى بلدان غرب اوروبا

علقت السفارة الايطالية في السودان على الاتفاقية عبر فيسبوك بالقول:” لقد عززت ايطاليا و السودان تعاونهما في مجال في مكافحة الجريمة والاتجار بالبشر ومنع التهريب. ووقع قادة الشرطة في البلدين مذكرة تفاهم هامة تشمل التدريب وتبادل المعلومات، وذلك للتعاون في مجال قضايا الهجرة. و يمثل هذا لبنة أخرى تُضاف إلى برج الصداقة الإيطالية –السودانية”.

من وجهة نظر حقوقية سيكون هذا التعاون انتهاكا خطيرا وليس نجاحا دبلوماسيا، “في هذه الحالة، نحن لسنا أمام عودة طوعية للاجئين السودانيين”، كما يقول المستشار القانوني لمؤسسة كاريتاس جوزيبي بيكيانتي و الذي نسب للدفاع عن عمار.
رغم أن مبادرة إيواء اللاجئين هي بدعم من مؤسسة كاريتاس، إلا أن القس المحلي ريتو الفاريز خصص بعض المساحة في بداية فصل الصيف لاستضافة الأسر اللاجئة، أغلبهم هؤلاء من النساء والأطفال، وكاستثناء وحيد حصل عمار على مكان له في الملجأ، بعد أن كان يبيت برفقة رجال آخرين في مخيم الصليب الأحمر، خارج مركز مدينة فينتيميليا.

يضيف المستشار القانوني “لطالما كانت “فينتيميليا معروفة باستقبالها للحالات التي تسمى ‘بالطارئة’. ومع ذلك، لا يمكن أن تسمى تلك الحالات حالات مستعجلة … فهي مجرد اجراءات بيوقراطية”.

ماضي فينتيميليا مع الهجرة

في السنوات الأخيرة أضحت فينتيميليا رمزا للهجرة في إيطاليا، ففي التسعينيات استقبلت المنطقة أولى حالات الطوارئ، حيث وصل عدة لاجئين كُرد تلاهم لاجؤون من كوسوفو. وفي سنة 2011 قدم أشخاص من شمال إفريقيا خصوصا من تونس، وتم إيوائهم في المنطقة الجديدة المخصصة للاجئين. أما سنة 2014 فقد عرفت موجة جديدة من المهاجرين بدأت تتوافد إلى المنطقة، إذ احتضنت المدينة من 300 إلى 600 وافد جديد، وبين 1000 شخص قدموا هذا الصيف، 13 فقط من تقدموا بطلب للحصول على حق اللجوء في إيطاليا – بينما معظمهم يريدون الوصول إلى دول شمال أوروبا.

على الرغم من أن الهجرة ظاهرة العادية، إلا أن السكان المحليين مازالوا يواجهون مشاكل في العيش جنبا إلى جنب مع أسر مهاجرة، فقد نظمت مؤخرا عائلا ت من حي روفيرينو إحتجاجات على خطط لفتح مركز للإيواء في الصالة الرياضية المحلية وتمكنت من وقف المبادرة.

المشكل الأساسي مع المهاجرين في ايطاليا هو طريقة تعامل السلطات معهم، فهذه الأخيرة تتعامل مع وصول مهاجر الى إيطاليا على أنه حالة مستعجلة تتطلب تدخلا سريعا، ويرى مراقبون أنّّ هذه الحلول غير الواقعية غالبا ما تخالف مبادئ حقوق الإنسان الأساسية. DW اتصلت بممثلي محافظة محلية لكنهم رفضوا التعليق على الموضوع.

لويجي منكوني، وهو سيناتور من الحزب الديمقراطي ورئيس منظمة الحريات المدنية ببون ديريتو، كان قد طلب من البرلمان النظر في هذه في قضايا المهاجرين، لكن بيكانتي مستشار مؤسسة كاريتاس لايبدو متفائلا حول الوضع. “الحقيقة في هذا المجال بحد ذاتها عمل ثوري جدا في إيطاليا، وخاصة في فينتيميليا”. أما عمار الذي عاني الفقر والاضطهاد، فقد تركته تجربته مع رجال الشرطة في حالة صدمة. ويقول بهذا الصدد” قال لي المحامي بأنني محظوظ للغاية”. لكن عمار لا يتمكن من ترك مركز الايواء دون أن يخاطر بترحيله.

DW