حوارات ولقاءات

سارة إدوارد: سننتصر.. طال الزمن أو قصر.. في بطولة “اكتشف كرة القدم” في برلين تم اختياري كأفضل مدرب في الدورة


على مقربة من شارع (الزلط) كانت سارة تنتظر بصحبة رفيقاتها.. يتبادلن أغنيات الفرح ويرسمن أحلامهن على نجيلة الحديقة الدولية.. يرفعن أناملهن بعلامة (التحدي). من بين القوسين تتجلى الحكاية؛ هي سارة إدوارد، كابتن ومدرب فريق (التحدي) لكرة القدم، التي تمارسها السيدات السودانيات أيضاً.. سارة عائدة لتوها من ألمانيا؛ تحمل فوق صدرها ميدالية أفضل مدرب في البطولة بعد أن نال فريق التحدي الكأس.. تقول سارة لـ”اليوم التالي” إن علاقتها بكرة القدم بدأت بالحواري، من اللاماب للرياض، قبل أن تنتقل إلى ملاعب الكمبوني.. تؤكد ضيفتي على أن البنات السودانيات مفتونات باللعبة الشعبية الأولى، وأن المصاعب تسد عليهن الطرقات، لكنهن قادرات على التميز..

ترفع إدوارد راية أحلامها في وجود منتخب قومي لسيدات السودان يعبر بالبلاد من مربع الهزائم إلى الانتصارات، وهو حلم مشروع.. تؤكد أيضا على أن معركتهن ستستمر، وأن الذين طردوهن من ملاعب الخرطوم المختلفة سيجدون أنفسهم مجبرين لانتظارهن في المطارات للاحتفال بالإنجازات. سارة كما علمنا منها حاصلة على رخصة تدريب تؤهلها للعمل في الدوري الممتاز رفقة فريق للرجال، لكنها ستوظف معرفتها لتحقيق تطلعات الشابات السودانيات الراغبات في ممارسة كرة القدم.. تكشف عن انتصار فريقهم علي فريق من الرجال في مباراة بمدينة الجنيد.. حسناً، باختصار تختار المدرب ادوارد اليوم ملعب اليوم التالي لتحكي تفاصيل وكواليس كرة القدم النسائية، ولتقف في محطة ما حدث في المانيا.. تشكو الواقع وتتأمل المستقبل معيتنا في الحروف القادمة.

* متي بدأت علاقتك بكرة القدم؟
– أنا بديت ألعب كورة في حي اللاماب ناصر مع أولاد الحلة في الوكت داك كنا (بندفر) في ميدان قريب للبحر. في كل عصر كنت بخش في الترينينق سوت وبمشي ألعب معاهم.. بالمناسبة أنا كنت بلعب في الدفاع. بعدها رحلنا (الرياض) وبرضو واصلت مع أولاد حلتنا الجديدة.

* وبعد دافوري الحلة ماذا حدث؟
– ما أكضب عليك الظروف والمخاطر المحيطة بممارسة البنات لكرة القدم دفعتني لأن أختار لعب (كرة طائرة) لكن غلبني المواصلة فيها فبحثت عن مكان يوفر لي والآخريات حق ممارسة النشاط الذي نعشقه فتشنا الخرطوم كلها عشان نلقى لينا ملعب نمارس فيه كرة قدم.

* ولقيتوه؟
– في الوقت داك اتصلت بي بعض الصديقات وسألني (إنتي بتلعبي كرة قدم؟) أجبتهم نعم فدعوني للعب معهن في ملاعب كمبوني بالخرطوم في خواتيم العام 2001.

* هل كانت الكمبوني مرحلة أفضل من سابقاتها؟
– أول اكتشاف في تمارين الكمبوني اكتشفت أن هناك عددا كبيرا من الفتيات السودانيات يرغبن في ممارسة كرة القدم بل إنهن عاشقات لها تماماً كنا وقتها نتمرن كل ثلاثاء في الكمبوني عليك أن تتصور أن هناك أكثر من خمسين لاعبة داخل المستطيل الأخضر وكنا نملك كرة قدم واحدة لو ضاعت عليك أن تحتسب تمرينك يومها لكن برغم ذلك واصلنا في ظل هذا الواقع فكانت رغبتنا في الاستمتاع بما نقوم به أكبر من المعوقات التي واجهتنا.

* لاحقاً أصبحت سارة إدوارد كابتنا لفريق الكمبوني؟
– حدث ذلك بعد أن تزوجت كابتن ثريا المسؤول الأول عن الفريق حيث تم تكليفي بالإشراف على الشابات داخل ملاعب الكمبوني.

* ترك كابتن ثريا لممارسة الكرة بعد الزواج يؤكد على أن كرة القدم لم تخلق للنساء؟
– ما لا يعلمه الكثيرون أن هناك كثيرا من الدراسات وصلت لحقيقة مفادها أن مستقبل كرة القدم في العالم هو مستقبل الكرة (النسوية) كما أنه لا يمكن لنا أن نعمم حالة واحدة على بقية الحالات الجميع شاهد كيفية ممارسة السيدات لكرة القدم في أولمبياد ريودي جانيرو وقبلها في نهائيات كأس العالم.. هل كانت الشاشات ساعتها تنقل صورة رجال أم نساء؟ مثل هذا الحديث يهدف في الأساس لإيقاف مسيرتنا في فعل ما نراه يوافق رغباتنا لا أكثر ولا أقل.

* هل لأجل هذا أسميتم فريقكم لكرة القدم بـ(التحدي)؟
– وهل تحدي النساء هو فقط السماح لهن بممارسة كرة القدم؟ الأمر أكبر من ذلك. في مجتمعات كثيرة معركتنا في ميدان الكرة لا تنفصل عن المعارك الأخرى التي نخوضها من أجل تعزيز دور المرأة ومساهمتها في المجتمعات في العالم الثالث بشكل عام، فقط قدرنا أن معركتنا تأتي في هذا المجال وطال الزمن أو قصر سننتصر.

* ما هي دواعي اختيار اسم التحدي؟
– بعد فترة من انخراطنا في نشاط التمارين داخل ملاعب الكمبوني تم إيقافنا لعدم التزامنا بدفع رسوم الملعب.. انتقلنا بعدها لملعب الأملاك في بحري، وحدث نفس الأمر.. اخترنا أن نلعب في الهواء الطلق في نجيلة شارع المطار وتوقفنا لأن المنطقة تمثل مدخلا للبلاد، واضطررنا أن نترك النجيلة في شارع المطار.. انتقلنا بعدها لداخل الحديقة الدولية، وبدأنا نتمرن في أحد ملاعبها، لكن تم تحويله إلى استثمار، وبدأت عمليات إيجاره.. انتقلنا بعدها إلى جزء مهجور داخل الحديقة في ميدان أعدنا تأهيله وسميناه المقبرة.. تمت معاكستنا هناك وجينا لملعب كله حصحاص، وبقينا مواصلين فيهو بعدها بدأ تشييد صالة نجاة النسوية وطلب منا القائمون على أمرها التمرن في ملعب الخماسيات الخاص بها.

* يعني أصبح لديكن ملعب خاص؟
– لا أصبر.. تم افتتاح الصالة بحضور النائب الأول لرئيس الجمهورية حيث استعرضنا مهاراتنا أمامه لكن بعدها تم طردنا حتى من الصالة النسوية، وعدنا مرة أخرى للحصحاص، بنتمرن سنتين وسط الحجارة ، المفارقة أن ملعب الصالة النسوية متاح للرجال عبر الاستثمار.

* ومن الحصحاص للفوز ببطولة برلين؟
– المشاركة في بطولة (اكتشف كرة القدم) في برلين دي حكاية براها.. أولاً نحن وصلنا إليها بكسبنا الخاص، طريقة المشاركة بتم عبر التقديم الإلكتروني من داخل الموقع وهو ما قمنا بفعله.. هي بطولة خاصة بدول مختلفة تستضيفها ألمانيا كل عامين، وشاركت في هذه النسخة أكثر من عشر فرق من دول مختلفة.

* من أين مولتم الرحلة إلى برلين؟
– في الموقع هناك أسئلة حول مقدرات المشاركين المادية، بسألوك: هل تستطيع شراء التذاكر ودفع تكلفة الإقامة في الفندق وتوفير الطعام والشراب وقدرتك على دفع قيمة التأشيرة؟ كل هذه الأسئلة أجبت عليها بـ(لا) وفي الآخر تمت الموافقة على مشاركة فتيات السودان في البطولة وشاركن وحققن الكأس وتم اختياري كأفضل مدرب في الدورة.

* ألم تواجهكن مشاكل في المغادرة؟
– لا لم تكن ثمة مشاكل فقد مضت الأمور بسلاسة غير أننا ونحن داخل السفارة الألمانية تمت مطالبتنا بقيمة التأشيرات التي تجاوزت الأربعة آلاف جنيه وتم جمعها بسرعة قبل أن تتم إعادتها لنا في نهاية المطاف.

* هل كان الاتحاد العام لكرة القدم على علم بالمشاركة؟
– لا لم يكن على علم بها فهي مشاركة تمت عن طريق النت وحتى لو علم بها لم يكن الأمر ليختلف كثيراً عما جرى أو ما حدث على الواقع فعدم الاهتمام بكرة القدم للسيدات يبدو وكأنه سلوك مؤسسات أكثر منه سلوك أفراد، لكن المؤكد أن هذا الأمر لن يستمر طويلاً لتجد الاتحادات نفسها مجبرة على الالتزام بموجهات الفيفا فيما يخص الكرة النسائية.

* ألا يوجد أي شكل من النشاط حالياً داخل الاتحاد؟
– حدثت مرة واحدة أثناء زيارة مندوبة الفيفا للسودان فيما يتعلق بالأنشطة حيث أقيمت بطولة للسيدات بمشاركة ست فرق هي (التحدي والمدفعية وفريق جامعة الأحفاد وفريق جامعة النيلين ومنتخب جامعة السودان ومنتخب جامعة أم درمان الإسلامية)
* هل هناك منتخب للسيدات في جامعة أم درمان الإسلامية؟
– نعم وشارك في تلك البطولة وهو أمر يؤكد على أن رغبة كبيرة للبنات في الاستمتاع بممارسة كرة القدم في السودان والتغلب على المشكلات التي تواجههن. ليس هذا الأمر فحسب، ففي بطولة ألمانيا كان هناك منتخب ممثل للمملكة العربية السعودية ولإيران وتركيا وليبيا وأحسسنا هناك أن ثمة من يعانين أكثر منا.. الليبيات تم تهديدهن بإبعادهن عن المنتخب في حال تواجدن في برلين، وكن طوال الدورة يهربن من كاميرات التصوير.

* لكن كل هذا لا يعني أن يرحب السودانيون بوجود منتخب سوداني من الفتيات؟
– لذلك كان اسم التحدي الذي لا يعني بالضرورة أنا نسعى لخوض معركة يمكننا أن نخسرها قبل أن تبدأ, وإنما نضع لبنة أولى من لبنات القبول بمبدأ التغيير والتحولات مع الوضع, الفكرة ليست في ماذا ترتدي البنات أثناء لعبهن للكرة، فمن حسم جدل المشاركة يمكنه أن يتغلب على المشكلات الأخرى وفقاً لما يحقق تطلعات المجتمع المتعايش مع التحولات فيه.

* لكن هذا الأمر سيدخلهم في معارك مع رجال الدين محسومة لمصلحتهم؟
– وإن لم نلعب كرة ستظل هذه المعارك موجودة، وعلى الدوام الانتصار الحقيقي يتمثل في قدرتك على إقناع الآخرين بصحة حججك وبراهينك لا أكثر ولا أقل من ذلك.

* تتحدثين وكأن المجتمع في وضع الاستعداد لقبول رؤيتك؟
– قبل سفرنا إلى برلين كنا في رحلة تلبية لدعوة من أهل الجنيد.. ذهبنا كفريق التحدي، وحين وصلنا إلى هناك استقبلتنا الفتيات مبديات رغبتهن في المشاركة.. مشينا عشان نعمل مباراة بيننا قبل أن يفاجئنا شباب المنطقة في رغبتهم التباري ضدنا، وانتهت المباراة بفوزنا في نهاية الأمر بهدف دون مقابل. ما حدث في الجنيد يحدث في مناطق أخرى؛ فقد جاءتني دعوة من ولاية النيل الأزرق لتدريب الفتيات للعب كرة القدم وتم ذلك بعد أن أغلقنا استاد الدمازين علينا.
* ولكن كرة القدم لعبة لا تمارس في السر؟
– ذلك صحيح، ولكن خلينا نقول إنه العافية درجات، وخطوة وراء أخرى يمكننا الوصول إلى ما نريد، ونتغلب على كل المشكلات.

* ماهو إحساسكن وأنتن تشاركن باسم السودان في ألمانيا؟
– كان هبوط الطائرة في برلين يعني الكثير لنا يعني أننا قد تجاوزنا إرثا كبيرا من الخوف، وإنه يمكننا العبور للأمام.. كان أجمل منه إحساسنا بأننا قادرات على التفوق والانتصار، وهو ما حدث في الميدان، حيث كان الجميع مبهوراً بإبداعات اللاعبات السودانيات، وممكن أقول ليك إننا قادرات على تحويل الهزائم إلى انتصارات بس أدونا الفرصة.
* هل من الممكن أن يكون فريق التحدي نواة للفريق القومي السوداني لكرة القدم النسائية؟
– مؤكد هو النواة التي يمكن البناء عليها من أجل المستقبل، السؤال هنا ليس في النواة التي يتكون منها المنتخب السوداني للسيدات، بل هو إلى متى سيظل هذا المنتخب غير موجود؟ ببساطة طال الزمن أم قصر سيتحقق ذلك، عندها لن يعدم السودان الماهرات اللائي سيرفعن اسمه بين الأمم.

* لكن متى سيتم ذلك؟
– حين تتوفر الإمكانيات ويتغير نمط التفكير.. ونحن نغادر إلى ألمانيا لم نكن نملك كرة قدم خاصة بنا، ولم نكن نملك (زيا) موحدا..، عارف إن اللبسة التي ظهرنا بها هناك كنت قد حصلت عليها في العام 2010 من أجل المشاركة في الدورة المدرسية التي كان يجب أن تقام في الجنوب، وظللت محتفظة بها إلى أن جاءت ساعة الحاجة إليها، وساعتها أخرجتنا من الإحراج والحمد لله.

* تم استقبالكم استقبال الفاتحين في مطار الخرطوم؟
– نحن جينا خائفين مما يمكن أن يحدث؛ واضعين احتمال تعرضن للمشكلات، لكن بمجرد وصولنا إلى أرض الوطن، وبعد مداعبات موظفي المطار، وسماع الأصوات الهادرة في الخارج بدأت الأمور تهدأ وخرجنا إليهم.. ما حدث هو نقلة ستأتي بعدها تحولات للأمام.. إنت عارف إنه في المطار كنا بنسمع أصوات الاستهجان للعبنا من البعض، وأفرحنا أن كفانا البعض مشقة الرد ورد بلساننا.

* سارة.. 15 سنة لعب مش كفاية؟
– أي كفاية.. الراية التي استلمتها سأسلمها أخرى في القريب العاجل.. بالمناسبة أنا شغالة كابتن ومدرب في وقت واحد.
* مدرب دون شهادات؟
– منو القال ليك؟ أنا حاليا أمتلك الرخصة سي وفي القريب سأدخل كورس الحصول على الرخصة أي من الاتحاد الإفريقي وهي رخصة تمنحني الحق في تدريب المنتخبات الوطنية.
* هل ستتحصلين على ذلك من أجل تدريب فرق رجالية؟
– لا أنا ما عاوزة أدرب رجال.. بعداك لو رفعت طوبة بتلقى مدرب من فئة الرجال.. أنا سأحصل على الرخصة من أجل تدريب الفتيات فقط.

صحيفة اليوم التالي