الصادق الرزيقي

العــــين تــرى مــــا وراء الحـــــدث ..!


بعض الملاحظات والاهتمامات الصحافية التي يراها الصحافي بعين فاحصة ومدققة  في كل حدث يمر أو يتابعه قلما تجد طريقها للقارئ إلا قليلاً ، خاصة عندما يكون الحدث كبيراً وضخماً ومهماً فالانشغال ينصرف للوقائع الواضحة والظاهرة ودلالات ومعاني الأحداث لا إلى ظلالها وبعض شخوصها و الماوراء، غير أنا يحدث تحت ظلال الأحداث يكون له أهمية توازي الحدث نفسه أو تكمل صورته المنقوصة، وتعطي المشهد بكل جوانبه ما يتسحقه من دلالات وتحليل .. > وحدث مثل الاحتفال باستكمال وتنفيذ وثيقة الدوحة ونهاية أجل السلطة الإقليمية يوم الأربعاء الماضي 7 سبتمبر 2016 ، كانت له ظلال كثيفة ، وكانت لظلاله حيث ألقت أضواءه خفايا وأسرار ومعاني ، لابد لعين الصحافي أن ترصدها وتقرأ ما بداخل إطارها .. وهنا بعضها .. > جلس في الصف الخامس من المنصة الرئيسة ومكان جلوس الرؤساء والقادة والضيف أثناء الاحتفال ، وزراء وكبار المسؤولين في السلطة الإقليمية، جميعهم ببدلهم الكاملة الأنيقة، كلهم في صف واحد ، كأنهم (عرسان) في  احتفال ضخم بعرس جماعي ..! يبتمسون ابتسامات غامضة لا معنى لها، حائرون رغم الفرح، ضاحكون في لجة النهاية، وكلهم في لحظة واحدة ينظرون للمنصة الرئيسة كلها ثم للجماهير المحتشدة لوداع سلطتهم الذابلة التي كما الوردة القديمة ذبلت بين أيدهم، وكلهم يفكر في ذات اللحظة عن ماذا بعد، والمصير الجماعي لهم كفاقد سياسي ودستوري ضخم لم يسبق لعدد مثله أن تم تسريحه من  قيادة عمل تنفيذي وسياسي بهذه الكيفية  الاحتفالية، فمقصلة الوداع أقسى من مقصلة الإعدام كما قال صديق همس لنا معلقاً..! جلس هؤلاء الإخوة على تلة من خواطر وأشجان وتطلعات ومخاوف وهواجس حول الحاضر والمستقبل ..  هكذا السياسة في إعلاء وإخفاض لرواد ساحتها، اليوم لك وغدا ًعليك ، فلا يأسى أحد عليها، هي مثل الدنيا تبتسم لك ثم تغضب .. وصدق من سماها (ضل ضحى) فظل الضحى يتناقص سريعاً ثم يختفي .. ولذا السياسة ليست مهنة ولا حرفة هي مسؤولية وتكليف متى ما انتهى التكليف فليعد صاحبها لمهنته وحرفته التي عرفها وعرفته كركوة الشيخ فرح ود تكتوك .. وإلا سيعقد ملموما ًمحسوراً ويندب حظه كما اليتيم .. > الرئيس التشادي إدريس دبي ، كان منتشياً .فرحاً طروباً .. وهو في الفاشر، فللمدينة معه قصصاً وذكريات وله صلات وأرحام ، لكن ما أبهجه منذ اطلالته على الجماهير من المقصورة الرئاسية الفخمة ، وجد أهله ورهطه وعشيرته وجاليته في الفاشر ، قد احتلوا كل الأمكنة أمام المنصة وصاروا في الواجهة يرفعون صوره يهتفون له ويعلوا صياحهم كلما ذكر اسمه ، وأكثر ما أضحك الرئيس دبي وجعله لا يتمالك نفسه من شدة الضحك عندما ذكر الرئيس عمر البشير أثناء كلمته مسار العلاقات السودانية التشادية والدور التشادي في حل قضية دارفور بقوله ( في فترات حصلت بيننا شخشخة نحن وأخوانا في تشاد) ولعل الرئيس دبي تذكر أيام عصيبة مرت بالبلدين عندما كانت حركات المعارضة المسلحة من الطرفين تنشط على الحدود المشتركة وتهاجم هنا وهناك حتى وصلت كلتا المعارضتين كل من العاصمتين أنجمينا والخرطوم! > بالرعم من أن الرئيس فوستان أركانج رئيس إفريقيا الوسطى، حديث عهد بالسلطة والرئاسة في بلده ، وكونه أكاديمي لم يشتغل كثيرا ًبالسياسة ، إلا أنه خلال مشاركته في الاحتفال وتواجده في الفاشر ظهر بمظهر رجل الدولة صاحب الخبرة والتجربة الطويلة ، فبروتوكوليا كان منظماً ومرتباً جداً ، يتعامل بهدوء وكياسة ، قليل التلفت يتعامل مع وقائع الاحتفال بلياقة باهرة ، جلس خلفه مباشرة (مترجمة الخاص) وكان ينصت له باهتمام وهو يترجم له الكلمات والهتافات واللافتات المرفوعة وتميز وفده كله بالهدوء التعامل الدبلوماسي الرفيع ..ومما تلاحظ أن الرؤساء المشاركين خاصة رئيس جنوب إفريقيا وجد فرصة كافية للتفاهم مع أمير دولة قطر في لقاء خاص وسريع ترافقا بعده داخل قصر الضيافة  حتي مكان الغداء ومن الارتياح الذي بدا على ملامح الرئيس فوستان فإن قطر ربما تبنت بعض مشروعاته الخدمية او التنموية أو قدمت دعماً مقدرا ًله .. > الأستاذ الكبير حسين خوجلي .. كان نجم الرحلة فهولم يزر دارفور إلا مرات قليلة ونادرة وله أكثر من عشر سنوات لم يسافر ضمن الوفد المرافق للسيد رئيس الجمهورية في أية رحلة داخلية ومشهور عنه انه قليل التسفار ، وكان نجم الرحلة بتعليقاته وقفشاته ونكاته ، وتحلق حوله عدد كبير من مواطنيي الفاشر ورموزها والتقطوا معه بعض الصور التذكارية ، أحد مرافقي الرئيس التشادي قدم دعوة لحسين لزيارة تشاد وإجراء حوار لقناة ام درمان مع الرئيس دبي .. > حرصت مؤسسة الرئاسة علي دعوة المشير سور الذهب وكان برفقة الرئيس طوال الرحلة و في استقبال الضيوف عند مقدمهم للفاشر ، وتلاحظ أن المشير سوار الذهب يحظى باحترام كبير من قبل امير دولة قطر لعلاقاته السابقة بالدوحة حين كان في فترات عمله العسكري مطلع السبعينيات مبتعثاً لقطر وساهم في نقل الخبرات السودانية في مكان تكوين الجيش والشرطة القطرية عندما كانت دولة قطر في سنوات ما بعد نشوئها . > مدير مكتب السيد رئيس الجمهورية الفريق طه عثمان بمجرد وصول امير دولة قطر الى الفاشر هرع إليه مدير مكتب الامير واختلى به في حديث طويل ، بينما حرص الرئيس التشادي إدريس دبي على التحدث معه بين الفينة الأخرى أثناء الاحتفال وكان يناديه ويهمس له مطولاً في أذنه ، يبدو أن الهموم المشتركة بين السدان وتشاد والتفاهمات الرئاسية كان محل اهتمام الرئيس دبي في حديثه مع طه ، بينما العلاقات الخليجية وتطوراتها مع السودان هي سر الحديث الطويل مع مدير مكتب الأمير .. > التواضع الجم الذي يتسم به نائب رئيس الوزراء القطري احمد بن عبد الله آل محمود ، كان محل تعليقات وإجماع الجميع، فالرجل جاء في صحبة الأمير وانسرب بهدوء ورفق من بين الإجراءات البروتوكولية وجلس في المكان المخصص له وتقبل الإشادات التي قيلت في حقه في استحياء وتواضع كبيرين ، لم يتعرض لمساقط الأضواء ولا عدسات المصورين واختفى من وسائل الإعلام وأتاح الفرصة لغيره في كل شيء ، وهو الأكثر معرفة بدارفور وهو الذي قاد الوساطة القطرية وله صلات بكل الأطراف ، وقال الرئيس البشير عنه (لقد أسميناه عبد الصبور لصبره علينا كلنا كسودانيين أثناء التفاوض الطويل)

 

الانتباهة