الطاهر ساتي

بادروا ..!!


:: قبل أشهر، لأن الأصل هو الإحتجاب، هنأتكم صحيفتكم هذه بعيد الفطر ثم أعلنت بأنها (لن تحتجب) .. ولكنها إحتجبت في هذا العيد ..فالإستثناء هو أن تواصل بعض الصحف صدورها.. فالصحف في بلادنا، كما بعض مؤسسات الدولة، تهنئ الناس ثم تحتجب عقب كل عيد .. يوما وآخر وثالث دائما، وأحيانا تحتجب أسبوعا ونيف كما يحدث في عيد الأضحى .. وهذا لايحدث إلا في السودان .. لماذا ..؟.. هكذا يتساءل القراء، بمظان أن الصحف أيضا – كما الحكومة – تحب وتحتفي بالعطلات، لتصم آذانها عن قضايا الناس والبلد..!!

:: كيف نتجاوز خطأ الاحتجاب أو كيف نجعل الإحتجاب إستثناءً بحيث يكون الأصل في الصدور؟.. سؤال يؤرق خاطر الناشرين، والإجابة الشاملة هي : بتجاوز وسائل التوزيع التقليدية التي تلازم صحف السودان منذ العهد التركي، ثم التفكير الجاد مع شركات التوزيع في كيفية خلق وسائل توزيع أخرى حديثة ومواكبة تنتهجها كل مؤسسات الدنيا والعالمين في توزيع إصداراتها..!!

:: دع عنك لندن وصويحاباتها البعيدة عنا في كل طرائق تفكيرها الحديثة .. في القاهرة التي تجاور صحفها صحفنا، فالصحف هي التي تذهب إلي القارئ حيث يكون، بيتاً كان أو مكتباً .. إن لم يقرأها مع قهوة الصباح في بيته، تسبقه حضورا الي محل عمله..و ما بين المسكن والعمل أكثر من نافذة توزيع..!!

:: شركات التوزيع هناك ذكية ومعاصرة ولا تكبد القراء عناء البحث عن الصحف، بل هي التى تبحث عنهم لتسلمهم الصحف قبل الشروق، ولهذا ليس في الأمر عجب أن توزع ( الأهرام ) في مصر اكثر من ضعف ما توزعه كل صحف الخرطوم في السودان ..الأهرام توزع مليون نسخة يوميا في مصر، كل صحف الخرطوم السياسية والرياضية والاجتماعية توزع اربعمائة وخمسين الف نسخة في كل ارجاء السودان..!!

:: ثم أن المعيار العالمي لمعدل القراءة كما يلي : ..في اوروبا وامريكا صحيفة لكل 3 الى 5 مواطن.. وفى الخليج صحيفة لكل 8 الى 12 مواطن..وفى افريقيا صحيفة لكل 15 الى 18 مواطنا..وفى السودان صحيفة لكل 70 مواطنا حسب مراصد مجلس الصحافة..تأمل هذا الوضع البائس.. شركات التوزيع في السودان لم تعرف بعد بأن هناك أحياء شعبية مأهولة بالقراء في مدن وأرياف السودان تشتهي الصحف ولا تجدها.. ومن سوء حظ الأحياء حين تم تخطيطها لم تفسح العقول مكانا لمكتبة بحيث نافذة لتوزيع الوعي والمعرفة لأهل الحي..!!

:: و المؤسف، عقول شركات التوزيع لم تتجاوز استلام الصحف من المطابع ثم ردمها في محطات الخرطوم وأسواقها المركزية تحت رحمة وكلاء وصبيان غاية جهدهم لا تتخطى توصيلها لعواصم الولايات الأقرب مسافة للخرطوم.. وهناك أيضا تتم عملية ردم أخرى في أقرب مكتبات و( خلاص ) .. هكذا الجهد و الطموح، بلا دراسة و بلا إحصائية.. وليت قارئاً ذهب فجر الغد إلي الميناء البري – على سبيل المثال – ليتأمل نهج التوزيع..!!

:: (عليك الله نزل لي الكوم دا في سنار، ياخي ما في طريقة تشيل الكوم لكوستي؟، ياعمك لو ماشي كسلا ممكن ترفع الكوم دا) .. وتتفاجأ بأن الكوم الحائر وسط المركبات هو الصحف ..عقول القرون الوسطى التي توزع الصحف هى التى تحجبها عن الولايات أيام العيد، وعن الأرياف كل أيام السنة..وعلى الناشرين تأسيس شركة مساهمة عامة ذات عقول وأسطول ونُظم إشتراكات، بحيث تصل الصحيفة للقارئ في منزله أو مكتبه .. بادروا، فان النجاح يُحب المبادرين ..!!