تحقيقات وتقارير

الضباح.. مارد يتبع الخروف.. تبعات العيد


العيد فرحة.. وأجمل فرحة.. تجمع كل قريب وبعيد، لكنه مع الغلاء وارتفاع أسعار الملبوسات والخراف بشكلها الخرافي، بات هماً وهاجساً يؤرق مضاجع كثير من الأسر، ولاسيما تلك ذات الدخل المحدود، ومع ذلك يحاولون إدخال الفرحة في نفوس أبنائهم بشتى الطرق والوسائل، وفي عيد الأضحى المبارك ارتفعت أسعار الخراف وتنازل الكثيرون عن أحلام أبنائهم لضيق ذات اليد، لكن من (عافر ودافر) حتى استطاع شراء خروف، وقف (الضباح) في وجهه بسعره الذي أذهل الجميع.

ضباح خمسة نجوم
بعد صلاة العيد والمعايدة على الجيران، توجه مهدي إلى الساحة التي يتجمع فيها الضباحون، وعندما اقترب من أحدهم وتخابرا سأله مهدي بكم تذبح الخروف وقتها كان يأمل في أن يتفق على ذبح خروفه هو وخروف والده، لكن أذهله طلب الضباح (800) جنيه ثمناً لذلك، ودون تردد تركه وذهب لغيره، وبعد أن كاد يدب اليأس في قلبه وجد أحدهم واتفقا على (500) جنيه للخروفين، أي سعر الخروف الواحد بـ (250) جنيهاً، إلى ذلك قال مهدي: “لم أتصور أو مر بخيالي أن يصل الجشع والطمع إلى هذا الحد، كنا نعلم أنه سيكون هناك زيادة في سعر الضباحين، لكن لم أكن أتوقع أن يصل إلى هذا الحد”.

على حين غفلة
وفي صعيد متصل، غفل إبراهيم عندما دخل لاحتساء كوب من الشاي وترك الضباح وحده مع الخروف، وبعد دقائق عاد فوجد الضباح أنهى عمله.. حمل إبراهيم اللحم لزوجته وبناته، وذهب ليحاسب الضباح، وعند عودته، اكتشف أن الضباح سرق جزءاً كبيراً من لحم الخروف. يقول إبراهيم: “طال الجشع الناس ويريد الكل العيش على حساب الآخرين دون مراعاة للظروف التي نمر بها دون استثناء، لكن أن يصل الأمر حد السرقة، فهذا منحدر خطير وسلوك غريب لم نعتده”. وتابع: “دفعت لذلك السارق (200) جنيه متفق عليها، ورغم أنها أكثر من حقه، إلا أنني ظننت أنه قانع”. وتأسف إبراهيم إلى ما وصلنا إليه من تردٍّ أخلاقي وفساد. ويتوقع أن يتدهور الحال إذا ما استمر الوضع على هذا المنوال.

خلل مجتمعي
ما يؤكد أن ما يحدث ليس سوى شجع وطمع، فقد وجد الخال الربيع أول أيام العيد ضباح بـ (100) جنيه، أما الجد عبدالقادر وجد آخر بـ (150) جنيهاً. “تفاوت الأسعار لم يعتمد على منطقة أو حي بقدر اعتماده على الشخص نفسه الذي يريد جمع أكبر كمية من النقود وفي وقت وجيز”، هكذا فسرت الباحثة الاجتماعية أميرة حسن ما يحدث في هذا الشأن. وقالت: “يحاول الجميع أخذ ما في يد الآخر بدعوى زيادة الأسعار وجمع أكبر قدر من المال والغنى في أقصر وقت، وهنا أُس المشكلة”. وأضافت: “ما حدث من تغيرات في السلوك في الآونة الأخيرة لا ينذر بالخير، وهو خلل واضح في بنية المجتمع، فارتفاع الأسعار بهذا الشكل الغريب أثار الذعر والهلع في نفوس الناس، فأحدثت هذه الحالة الجشعة الغريبة على مجتمعنا”. وأشارت أميرة إلى أن المجتمع السوداني كان مشهوراً بتسامحه ورحمته ومراعاته لظروف بعض، لكن الوضع الاقتصادي المزري تسبب في هدم النسيج الاجتماعي برمته، بعد أن غرق في الفقر المدقع، واختفاء الطبقة الوسطى التي كانت تخلق توازناً في المجتمع.

وفي الحي هناك من أراح أذنه من حكايات (الضباح) وذبح خروفه بنفسه بمساعدة أبنائه وإخوته، مثل رشاد الذي ذبح خروفه وأخوه صلاح وسلخوه وكسروه دون عناء، لذلك هي طريقة حسنة، شجعوا أبناءكم عليها، وبذلك ستضمنون خروفكم كاملاً بلحمه وشحمه، وتوفرون حق الضباح أيضاً.

الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي