اقتصاد وأعمال

المنتجات البترولية.. تحرير جزئي من المالية خبراء اقتصاد: الخطوة تزيد معاناة المواطن،وتحتاج إلى تدابير وقائية


تحركات عديدة سعت لها وزارة المالية في الفترة الماضية وذلك على خلفية بروز العديد من المشكلات الاقتصادية وعلى وجه الدقة تلك المشكلات لم تكن جديدة، بل موجودة مسبقاً، ولكنها استفحلت بشكل يبدو أنه أزعج متخذي القرار الاقتصادي ما حتم اللجوء لخيارات جديدة لضبط الأداء الاقتصادي وإحداث نوع من التوازن فيه.

وإن كان سعر الصرف واستقراره يشكل عقبة أمام وزارة المالية فهو ليس بالمشكلة الوحيدة، والثابت أن معالجات المالية بدأت كحزمة متكاملة لا تقتصر على جانب معين وتستهدف ضبط الأداء الاقتصادي والسعي لتفعيل الميزات الموجودة وتعزيز مساهمة القطاعات المنتجة خاصة بعد خروج النفط الذي سبب ربكة بائنة لم تفلح جهود تلافي آثارها السالبة حتى الآن.

وكشف وزير المالية بدر الدين محمود عن سياسات قال إنها تتضمن خطوات محسوبة لتحرير جزئي للمنتجات البترولية، مشيرًا إلى أن رفع الدعم خلال المرحلة السابقة وفر للدولة ما قيمته 2،1 مليار جنيه، وهي خطوة ينظر لها في حال تحققت أن تسهم في استدامة نمو الناتج المحلي بشكل نوعي، ولكن خطوة تحرير المنتجات لا تبدو سهلة، قياساً بمرات عديدة حاولت فيها الدولة تحريرها، فأدت لاحتجاجات وسخط شعبي كما يرفض نواب بالبرلمان خطوة التحرير باعتباره مقدمة لرفع الدولة يدها كلياً عن دعم المواطن البسيط .

وفي مستهل العام الحالي شرعت المالية فعلياً في رفع الدعم عن ثلاث من المشتقات البترولية، وحينها قالت رئيسة لجنة الطاقة بالبرلمان حياة حميدة إن رئيس الهيئة التشريعية القومية ” البرلمان ومجلس الولايات ” أبلغ وزير المالية علناً برفض البرلمان للقرارات المتعلقة برفع الدعم عن ثلاثة من المشتقات البترولية وأمهله 24 ساعة للتراجع عنها، ووصل الرفض مرحلة أن واجه الوزير حملات ناقدة لأداء وزارته وصلت حد جمع توقيعات لاستجوابه مرة وسحب الثقة عنه في مرة لاحقة، وهو ما يوضح صعوبة تحرير أو رفع الدعم عن المشتقات البترولية التي باتت شحيحة بالفعل في أعقاب خروج النفط الجنوبي عقب الانفصال، حيث ذهبت أكثر من 70% من حصة البلاد من النفط بانفصال دولة الجنوب .

وبرأي المحاضرة بجامعة الجزيرة د. إيناس إبراهيم فإن خطوات الإصلاح الاقتصادي مطلوبة في الوقت الحالي أكثر من ذي قبل، وقالت إن قرب موعد الموازنة الجديدة للعام المقبل تتطلب ما وصفته بالمراجعات المهمة لمجمل الأداء الاقتصادي ومنها النظر بعمق لقطاع النفط والمشتقات البترولية وتحديد سياسات تسهم في تعزيز مساهمته في الميزان التجاري أو في أيسر الأحوال تقديم خدمة للمواطن البسيط دون رفع الدعم في حال كان موجوداً مهما كانت نسبة هذا الدعم، مشيرة إلى أن قطاع النفط بالبلاد ما يزال يعاني من تبعات صدمة الانفصال وبالتالي فهو في حاجة لمعالجات تستصحب المتغيرات التي طرأت عليه بعد العام 2011، وبرأيها فإن تحرير المحروقات أمر محفوف بالمخاطر في نظر المواطن وقالت إنه يرتبط برفع الدعم في الذهنية العامة، لذا فلا بد من تطمين المواطن بأن الخطوة وفي حال تمت ما هي إلا جزء من سياسة متكاملة لتنظيم القطاع وليست معالجات جزئية تقوم بها الحكومة، ونوهت إلى عجز الإنتاج المحلي عن تغطية حاجة البلاد من الاستهلاك كما أن الانخفاض المتطاول لأسعار النفط في البورصة العالمية قلل من حجم العائد المادي للصادرات النفطية على قلتها كانت توجه لتطوير القطاع، في وقت تبرز فيه الحاجة لتسريع وتيرة العمل في المربعات المستكشفة تمهيداً لإدخالها دائرة الإنتاج لسد العجز المحلي والإسهام في توفير غاز الطبخ بأسعار أرخص من الحالية والتي وصفتها بالمرتفعة .

وينظر للموازنة القادمة أن تأتي لمعالجة بعض الاختلالات التي لم تفلح مجهودات سنوات ماضية في الحد منها، ومنها قضية رفع الدعم أو تحرير قطاع المشتقات البترولية في ظل تزايد الطلب عليها، ولكن بالمقابل فإن سوق المشتقات البترولية بالسودان لا يتأثر تبعاً لانخفاض أو ارتفاع أسعار النفط عالمياً.

ويشير خبراء اقتصاديون إلى أهمية خطوة التحرير لقطاع المشتقات البترولية شريطة أن يتم تطبيقها عبر حزمة متكاملة، وبعد معرفة مدى الحاجة الفعلية للاستهلاك من هذه المنتجات على أن تغطي نسبة الإنتاج المحلي حاجة البلاد، خاصة في مصدري الغاز والطاقة لارتباطهما الوثيق بمعاش المواطن.

إلا أن معظم الاقتصاديين يرون بأن الإجراءات الإصلاحية من رفع الدعم عن المحروقات سوف تؤثر سلباً على قطاعات كثيرة فيما يتعلق بالمعيشة اليومية ووسائل النقل وكل ماله علاقة بالوقود.

وكان بنك السودان المركزى قد أعد في وقت سابق دراسة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي اكتشف فيها أن في كل 20 جنيها دعم تذهب الـ(19) جنيهاً للمقتدرين والجنيه الواحد إلى الفقراء فقط.

ويوجه الصندوق نصائح لا تختلف عن نصائحه إلى دول أخرى في المنطقة وتمثل أبرزها رفع الدعم الحكومي عن المحروقات ومعاملتها كسلعة خاضعة للعرض والطلب وضمن منطق السوق العالمي، وعلى الرغم من أن الصندوق في روشته يقول إنه يتعاطف مع الفقراء “أن زيادة أسعار الوقود لها تأثير سلبي على الفقراء والفئات الضعيفة”. ويحث الدول على اتخاذ تدابير تعويضية لهذه الفئة دون تقديم أي توضيح حول هذه التدابير. ولا يعني اعتراف الصندوق بتأثر الفقراء من هذه الخطوة تراجعاً عن نصائحه للدول، وإنما هذا التأثير مجرد عقبة في سبيل دعم ميزانية الدول بمزيد من الدخل.

هذه الإجراءات الاقتصادية المتمثلة في رفع الدعم عن المحروقات يصفها خبراء الاقتصاد بأنها عبارة عن تطبيق لوصفة صندوق النقد الدولي توطئة للحصول على دعومات جديدة منه برغم المبررات التي يسوقها الصندوق واعترافه بتأثيرها على الفقراء، ولكنه لم يضع وصفة لمعالجة هذه المعضلة إلا أن خبراء الاقتصاد يقولون إن رفع الدعم عن المحروقات سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المعيشي للأسر الفقيرة، ولذلك فإن التحوطات الحكومية تعد غير كافية خاصة فيما يتعلق بالمتعففين من الناس.

الخرطوم : جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة