تحقيقات وتقارير

من (الشمارات ما قتل).. في سيرة الناس المركزة في حياتنا أكتر مننا.. تحسس وتجسس


ادفع عمري واعرف الاتنين ديل عندهم شنو مع بعض، أها مالقيت لينا خبر صاحبك، شايفك لاحم سلك مع المدير، يازول عندي ليك خبر بمليون، أقول ليك وما تزعل مني اسمعها مني نصيحة وشوف غيرها دي ماسكة تلفونه الأربع وعشرين ساعة، ما أسلفناه عبارات يكثر تداولها من المهتمين بأحوال غيرهم أكثر من أصحاب الشأن ويبذلون جهودا مضنية في متابعة تفاصيل حياتهم فقط بهدف (الفضول)، دعونا نعلق على آخرها كمثال، من الذي يتفرغ لمراقبة الآخر طيلة الأربع وعشرين ساعة حتى وإن كان مأجورا على ذلك؟، إذا تترى عدة أسئلة في الشأن أهمها: الاهتمام بمعرفة أحوال الناس سلوك مرضي كما يعتقد كثيرون، أم إنه ناتج عن الملل والفراغ على حد تعبير آخرين؟ وهل يوجد فضول سلبي وغيره إيجابي؟ أيضا يُقال إن هنالك مهنا تتطلب الفضول ما هي ولماذا؟ وكعادتنا ( نِشّمر ) من خلال استطلاع عدة آراء في الصدد، بجانب مداخلة شاعر مرهف ربما تنظر عيناه مشهدا مغايرا.

في ذات السيرة يُعرف الفضول بأنه تدخل الشخص فيما لايعنيه، واهتمامه بما لايخصه، ومنه سلبي يهتم ذووه بمعرفة أخبار الناس وتتبعهم، ويجيد اكتشاف عيوب الناجحين ويألف منها قصص مثيرة تلبي بدورها فضول آخرين، أما الإيجابي فهو تشوّق ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺃﺧﺒﺎﺭٍ ﻭﺃﺣﺪﺍﺙ ﻻ ﺗﻌﻨﻴﻪ كالفضول العلمي كالاكتشافات، حيث يشعر صاحبه برغبة وجدانية قوية لمعرفة الحقيقة تصل حد الشغف، بجانب المهني كالذي يمتلكه الصحفي أوالمراسل والمذيع لتقصيه بعض الحقائق وتزويده بمعلومات مهمة، وكذلك في مجال القانون إضافة إلى العمل في الاستخبارات والأخيرة أكثر ارتباطا به، وأحيانا يتلخص في اهتمام شخص بآخر ومتابعة أحواله من أجل محبته والاطمئنان عليه فقط، إذا نتفق أن هنالك فضولا مباحا.

لما يحيروك
في مجرى الحديث تعزي عفراء مهدي مقيمة بجدة أصل الفضول إلى طبيعة الشخص واهتماماته في الحياة، وأردفت : حقيقة أنه يوجد أشخاص ( قاتلاهم الشمارات يفلفلوك فلفلة)، حيث يتابعون أدق تفاصيل حياتك، درجة اهتمامهم بالمأكل والملبس حتى أثاثات المنزل ينقبون في أمرها، واستطردت: رغم بعد الفيافي هنالك شخوص ملمين بأحوال أهل السودان أكثر منهم، ( لمايحيروك ) ما يدعو للتساؤل كيف ومتى يجمعون كل هذه المعلومات الدقيقة، وختمت عفراء: الشخص الفضولي منبوذ من قبل مجتمعه، وما يلفتني أحيانا التزام الحاضرين الصمت حال حضوره خشية من (حشر أنفه فيما لايعنيه) وفي اعتقادي هذا أمر محرج للغاية، ولا أرى داع لبذل المرء جهده وهدر وقته فيما لايخصه البتة بل إرضاء لفضوله، يتيه في محطات حياة من حوله، ويسير عليه المثل الشعبي القائل ” من راقب الناس مات هما”، وبالمقابل يوجد من يتابع أحوالك لحبه لك واهتمامه بشأنك وتحسبه يتمنى لك الخير دائما.

سيرة ومسيرة
ومن جهته، قال عبدالمنعم عثمان (تاجر) الفضول في مجال العمل لابأس به، ويعد وسيلة من وسائله في عدة مجالات، ولكن إذا تعدى ضرورياته بلاشك يخرج عن سياقه ويتصف صاحبه بالخبث ومراقبة شؤون غيره وهذه صفة لا تناسب الرجال في مجتمعاتنا، وأضاف: في الآونة الأخيرة تجلت فئة (الشمارين) عندنا في الأسواق وكما قالوا “ربنا يكفينا شر الناس المركزة في حياتنا أكتر مننا”، ويمتد الأمر إلى داخل المؤسسات والغريب في الأمر أنهم يتفاخرون بهذه الخصلة النتنة ولا يختشون منها، وفي رأي هؤلاء يستلذون بتتبع سيرة زملائهم حد الإدمان، واستنكر عثمان : صفة الفضول على الرجال ووصفها بمتلازمة بعض النساء كونهن يحظين بأوقات فراغ ولاحرج عليهن في ذلك، بجانب طبيعة المرأة وميولها لمعرفة تفاصيل كل الأمور.

صراع الكراسي
في سياق تعليقها ترى هبة تاج السر كاتبة أن الصحافة تجري في دمائها، ولكن بحكم ابتعادها عن الساحة لفترة مقدرة انقطع عطاؤها حد قولها، وأضافت: في اعتقادي لا يوجد فراغ في ظل الظروف الاقتصادية الآنية لشغره بالفضول، الكل يلهث لسد حاجته دون جدوى، ربما يرتكب بعضنا أخطاء تجعل من حولنا ينقبون لمعرفة الحقيقة فقط ولا أظن ذلك فضولا، فيما مضى كان مجتمع النساء يغلب عليه الفضول نتيجة الفراغ، لكن حاليا أضحت المرأة عاملة وربما فاقت الرجال في تحمل المسؤوليات، لذلك لاأرى بأنها تحظى بفراغ تملأه بمثل هذا السلوك أو ما يشابهه، ونحن أحيانا نفسر من يسأل عن أحوالنا خطأ ونعتبره يتدخل في شؤوننا الخاصة، علما بأن السودانيين سمتهم العفوية والطيبة المفرطة، وهذا ما يقذف بهم عادة في دائرة الاتهام وسوء الفهم، وكشفت تاج السر عن: أسباب الفضول داخل المؤسسات وعزته إلى ” صراع الكراسي ” وما يسمى بالورقة الصفراء وتقديمها لمن يهمه الأمر حال دعا الداعي.

تحسس وتجسس
إلى ذلك اعتبرت الكاتبة منى أبوالعزائم أن الفضول عند الأذكياء خصلة حميدة تقود صاحبها إلى المعرفة، وزادت: لكن يختلف الأمر عند الجهلاء فهم يتحسسون ويتجسسون لمن حولهم بشكل مزعج، ربما يمارسون فضولهم هذا لملء أوقات الفراغ، وأعتقد أن الإنسان السوي يجب أن يكون همه المعرفة والاستكشاف لأنه تميز بالعقل عن ساير المخلوقات، ما يعني الفضول الإيجابي، وأشارت أبوالعزائم: إلى ضرورة استصحاب الفضول العلمي والمهني في العمل الصحفي تحديدا، كونه أداة مهمة لكشف الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهو من أهم سمات الصحفي حد تعبيرها.

الخرطوم – خالدة ود المدني
صحيفة اليوم التالي