تحقيقات وتقارير

القراءة الصحيحة للتصريح الأمريكي الأخير


نص التصريح الصحفي للمستر جون كيربي مساعد وزير الخارجية الأمريكي والناطق الرسمي باسمها من واشنطن في 20 سبتمبر 2016:
(ترحب الولايات المتحدة الأمريكية بمجهودات الحكومة السودانية في مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الارهاب الدولي.. في الأشهر الأخيرة اتخذ السودان تدابير مهمة في مناهضة داعش ومجموعات ارهابية أخرى وسعت لمنع دخولها وخروجها من السودان.. التعاون السوداني المستمر سوف يعضد من المجهودات الدولية لمحاربة الإرهاب في العالم.. بموجب القانون الأمريكي والتزاماً به سنعمل بتعاون مع حكومة السودان على محاربة الارهاب الدولي دعماً لأمن الدولتين.. بما أن محاربة الارهاب الدولي هدف مهم للولايات المتحدة الأمريكية ستسعى الى ربط حكومة السودان بقضايا حماية حقوق الانسان وانهاء أزمات السودان الداخلية والاهتمام بالإحتياجات الإنسانية وتحسين الاستقرار الاقليمي وبسط الحريات السياسية والمحاسبة ثم المصالحة الوطنية.)

الملاحظات على التصريح:
أولاً: توقيت التصريح قبيل استئناف مفاوضات أديس أبابا قريباً.
ثانياً: ربط التدابير السودانية بالتضييق على تحركات الجماعات الإرهابية والمطالبة باستمرارها بالمجهودات الدولية لمحاربة الارهاب في العالم وفي ذلك إشارة واضحة ماكرة بأن السودان كان قبل صدور هذا التصريح مأوىً لحركات إرهابية وكان داعماً لها.
ثالثاً: قفز التصريح مباشرة بعد ربط السودان والولايات المتحدة الأمريكية بالهدف الأمريكي لمحاربة الإرهاب الدولي حماية لأمن البلدين- قفز دون ربط موضوعي الى قضايا السودان الداخلية المتمثلة في حماية حقوق الإنسان، وانهاء الأزمات الداخلية والسماح بانسياب المعونات الإنسانية، ودعم الإستقرار الإقليمي وبسط الحريات السياسية والمحاسبة ثم المصالحة.. وكل ما أوردناه هنا في ثالثاً لا علاقة له بموضوع التصريح وهو محاربة الإرهاب الدولي.. هذه النقلة النوعية في التصريح تشير الى انحياز أمريكا الى الموقعين على خارطة الطريق المعارضين للحكومة، إذ أن ما ورد في التصريح يمثل مطالب المعارضة المسلحة والمدنية.
الخلاصة من التصريح:
أولاً: أمريكا تريد تعديل النظام الحاكم في السودان وليس اسقاطه لاعترافها الضمني بقوة النظام وأثره في أمن واستقرار المنطقة.
ثانياً: تريد تعديل النظام بحل مشكلتي دارفور والمنطقتين بالإستجابة لمطالب حركات دارفور المسلحة، والحركة الشعبية قطاع الشمال- حركات دارفور تريد المشاركة في الحكم خاصة في دارفور ومطالبتها بإعادتها الى اقليم واحد والحركة الشعبية قطاع الشمال تريد حكماً ذاتياً في اطار السودان الواحد في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق وذلك إعمالاً لبند المشورة الشعبية للمنطقتين كما ورد في اتفاقية السلام الشامل 2005.
ثالثاً: دون اجراء التعديل أعلاه وانشاء حكومة انتقالية يعقبها تداول سلمي للسلطة لن ترفع امريكا السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولن ترفع الحصار الاقتصادي عنه.
التوجه العملي للإستفادة من هذا التصريح الأمريكي الذي بدأ بالإشادة بحكومة السودان ورغبة أمريكا في التعاون معها يكمن في الاعتراف بأن العقوبات الاقتصادية أصبحت المهدد الوحيد لحكم الإنقاذ، إذ أنها الآن تسيطر تماماً على كل الأوضاع الأمنية في البلاد حتى أضحى السودان أكثر الدول أمناً وأماناً في المنطقة العربية والأفريقية بما في ذلك السعودية ومصر.. وكل ذلك بفضل حسن إعداد القوات المسلحة السودانية وكفاءة قوات الدعم السريع المساعدة وقوات الشرطة إضافة الى المهنية المتقدمة والكفاءة العالية لجهاز الأمن والمخابرات، لذلك يكون الحل الذي يراعي مصالح السودان وسلامة مواطنيه في الآتي:
أولاً: تنفيذ توصيات الحوار الوطني والذي فيه كل ما ورد في التصريح الأمريكي خاصة إنشاء حكومة انتقالية برئيس وزراء قومي تتولى السلطة التنفيذية في مصالحة وطنية تتوج بإصدار دستور دائم وانتخابات حرة في أبريل 2020.
ثانياً: اصدار قرار رئاسي بإعادة تقسيم السودان إلى أقاليم ثمانية هي: دارفور، وكردفان، والشمالي، والشرق، والأوسط، والخرطوم ثم جنوب كردفان، والنيل الأزرق- يدار كل اقليم بمجلس رئاسي من خمسة أشخاص يتولى كل واحد الرئاسة بصورة دورية شهرية، ويتم تكوين المجالس الرئاسية الخماسية من ممثلين لمكونات مجتمع كل اقليم.
ثالثاً: إذا تم انجاز أولاً وثانياً أعلاه سوف تتوصل الأطراف الأربعة في خارطة الطريق الى اتفاق شامل مستدام تنساب بعده المعونات الإنسانية وتتوقف العدائيات وتُحل قوات قطاع الشمال وقوات حركات دارفور المسلحة ويصبح للسودان جيش قومي واحد بعد استيعاب جزء من تلك القوات في القوات المسلحة السودانية وقوات الشرطة والخدمة المدنية حسب ما ورد في الاتفاقية الإطارية، وتتحول كل التنظيمات المسلحة الى أحزاب سياسية ويعم الاستقرار البلاد ويصبح مستوفياً لشروط تمويل المؤسسات المالية الدولية والدول الكبرى والشقيقة في الخليج وغيرها..
ستزول كل مبررات العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية ويصبح السودان في سنوات قليلة في اقتصاد قوي ورفاهية وتسارع امريكا التي أنشأت أكبر سفارة لها في المنطقة بالخرطوم لدعم السودان حماية لمصالحها الأمنية والاقتصادية في المقام الأول وتطور وتقدم السودان كإفراز ايجابي لحماية مصالحها في السودان.

تقرير:عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة