الطيب مصطفى

جامعة الخرطوم بين العفو عن الطلاب والشرطة الجامعية


سعدت وكل السودان بقرار العفو عن الطلاب المفصولين في أحداث العنف الأخيرة والذي أصدره مدير جامعة الخرطوم بروف أحمد محمد سليمان مؤخراً، فما من شيء يطفئ لهيب الغضب ويهدئ من سخائم الأنفس المترعة بالمرارات مثل إعمال قيمة العفو التي رفعت عند رب العزة سبحانه مكاناً علياً، ولو كانت السياسة في بلادنا تقوم على قيم الدين لتبارت قوى المعارضة خاصة تلك التي ركبت موجة أحداث العنف الأخيرة ابتغاء الكسب السياسي، في انتهازية مجردة من الخُلُق.. لتبارت في إصدار بيانات الإشادة بالقرار بمثلما لطمت الخدود وشقت الجيوب غضباً وثورة عندما انفجرت تلك الأحداث، ولكن متى كان السياسيون في بلادنا يصدرون عن قيم الحق المطلق بعيداً عن المكايدة السياسية التي لا تنظر إلا بعين السخط اللئيم وامتثالاً لتلك القيم العليا التي يفترض أن تقود خطام السياسة نحو جادة الطريق القويم؟!

أي والله ، لا ينبغي لمن يخرجون على قيم الاستقامة السياسية أن ينالوا ثقة المواطن، فمن يمارسون الخداع والانتهازية و(البلطجة) بمفهوم (السياسة لعبة قذرة(

Politics is a dirty game

الذي تلوكه منتديات السياسة في الغرب المادي وتمارسه أحياناً، لا يستحقون، ورب الكعبة، أن يعلو لهم صوت أو يوسد لهم أمر حتى لا ينشروا عبثهم ونزقهم وأحقادهم في شرايين الممارسة السياسية فيملؤونها فساداً وإفساداً وتباغضاً وتدابراً ولذلك كنت ولا أزال أدعو إلى ميثاق شرف سياسي أخلاقي قائم على القيمة القرآنية العليا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).. ميثاق شرف توقعه الأحزاب جميعها ويتنزل قانوناً يحكم الجميع، حكاماً ومحكومين.

عندما ضربت باريس ببعض العمليات (الإرهابية) قبل عدة أشهر وهاجت أوروبا وماجت جراء ذلك الفعل انبرى كل من وزير العدل ووزير الداخلية في تلك الدولة وقالوا إن الأمن مقدم على الحرية، الأمر الذي اضطرهم إلى إحداث بعض التعديلات في قوانينهم بما يحقق الأمن استجابة للمتغيرات المحلية والدولية.

نحمد الله تعالى أن عاصمتنا حتى الآن آمنة مطمئنة نسبياً مقارنة بعواصم أخرى من حولنا ولكن ماذا عن جامعاتنا خلال السنوات الأخيرة؟!

طبيب كبير جاء إلى المملكة العربية السعودية متعاقداً من بريطانيا حيث كان يعمل في أحد أكبر مستشفياتها وعندما أحرز ولده نتيجة معتبرة تؤهله للقبول بطب الخرطوم قدم له في جامعة خاصة بالخرطوم مبرراً ذلك بأنه لا يحتمل تخرج ابنه بعد سبع أو ثماني سنوات جراء الاضطرابات التي كثيراً ما تعطل الدراسة بالأشهر ذات العدد في الجامعات الحكومية وليس الخاصة.

بات أمراً عادياً في جامعاتنا أن يتسبب حفنة من الطلاب المدفوعين من بعض الأحزاب السياسية في توترات تُحدث هرجاً ومرجاً واضطراباً وتؤدي في كثير من الأحيان إلى مقتل عدد من الطلاب وفي إحراق المكاتب والمنشآت والاعتداء على الأساتذة مما يضطر إدارات الجامعات إلى إغلاقها لعدة أشهر وما أن تفتح حتى تعود الاضطرابات من جديد، وهكذا دواليك، بينما يدفع غالب الطلاب من أعمارهم جراء عبث أولئك العابثين.

لطالما ثرنا وواجهنا أنظمة القهر والتسلط أيام دراستنا الجامعية ولكن كان الظرف السياسي مختلفاً ولم تكن الثورات الطلابية تميل إلى العنف الذي تشهده الجامعات الحكومية هذه الأيام خاصة مع نشوء مشكلة الرسوم الدراسية التي ارتكب المفاوض الحكومي خطأ فادحاً حين أدخلها كجزء من حل مشكلة دارفور مثلاً والتي اتخذت من قبل بعض قوى المعارضة مدخلاً للعبث بأمن الجامعات واستقرارها الأكاديمي بغية تحقيق أهداف سياسية لتلك الأحزاب.

لذلك كنت من أكثر الناس تفهماً لمقولة ذلك الطبيب الكبير حين دفع بابنه للدراسة بجامعة خاصة هرباً من (الجميلة ومستحيلة) رغم صيتها وعظمتها ذلك أني ممن عانوا مما خاف منه الرجل فقد تخرجت بنتاي من كليتي الطب والهندسة بنفس الجامعة بعد (طلوع روح(.

لذلك فإني أتفهم تماماً قرار استخداث نظام الشرطة الجامعية التي ينبغي أن تعمل وفق ضوابط صارمة تحد من استخدام السلاح إلا عند الضرورة القصوى، سيما وأن هذا النظام معمول به في كثير من الدول.

رغم ذلك فإن قرار الاستعانة بالشرطة الجامعية ينبغي أن يعدل أو يُلغى تماماً متى ما تغير الظرف السياسي وتحقق الاستقرار الأكاديمي.

الصيحة