عثمان ميرغني

الفرق بين سادتنا.. وساستهم!!


هل اكتشفتم الفرق وعرفتم السبب؟ بالله ألق نظرة على المناظرة بين مرشحي الرئاسة في أمريكا، هيلاري كيلنتون (الحزب الديموقراطي) ودونالد ترامب (الحزب الجمهوري).. طوال الـ(90) دقيقة.. هل سمعتم أي جدال عن المنطلقات الفكرية لأي من المرشحين؟
التنافس هناك في العمل والبرامج.. ما الذي يمكن أن يقدمه أي مرشح لبلده ولشعبه.. الضرائب، الرعاية الصحية، الشؤون الخارجية، فرص العمل، ترقية الحياة والإنسان..لا شيوعية ولا إسلامية ولا بعثية ولا ليبرالية ولا ناصرية ولا أنصارية، ولا كل المترادفات التي تحتشد بها(نضالات) الساحة السياسية عندنا.
لو كان في بلادنا مثل هذه المناظرات، إذاً لشبع السوداني وارتوى من مفردات ومحاججات لا علاقة لها بهمومه وأحلامه.. كنا سنشهد استدعاء الماضي القريب والبعيد، ونحلق مع حسن البنا وماركس وميشيل عفلق وجمال عبدالناصر وتتصارع الأفكار علمانية أم إسلامية.. اشتراكية أم رأسمالية..بينما يموت أولاد المناصير في نهر النيل بلدغات العقارب وتقتات القبلية الهوجاء بألاف الأرواح البريئة في أقاصي السودان المختلفة.. و ثلاثة ملايين طفل سوداني بريئ؛ محرمون من التعليم (حسب إحصائية رسمية؛ لكن أغلب الظن العدد أضعاف ذلك).. ويضرب مرافقو المرضى الأطباء؛ لأن الحكومة لم توفر أسباب العلاج في ما يسمى بمستشفيات.. وطوابير الهجرة (المشروعة) تقف أمام مطار الخرطوم.. بينما طوابير الهجرة (غير المشروعة) تقتات بها أسماك البحر الأبيض المتوسط..
أنظروا إلى المشهد السياسي عندنا.. على أي حسابٍ هو محسوب.. مقسوم على الكراسي ومضروب في المصالح الحزبية والشخصية.. ومطروح منه كل هموم المواطن وآماله في حياة كريمة.
من هنا يجب أن يبدأ الإصلاح السياسي في بلدنا المبتلى بالسياسة والساسة..أن تصبح الأحزاب منصاتٍ تناصِر على البرامج والمشروعات ومصالح الناس..لا على ترف الفكر والتنظير المنفصم عن تفاصيل واقع ومعاش ودنيوات الناس.
أحزابنا هنا بضعٌ من دِين..الدخول إليها كالداخل في الدِّين.. والخروج منها كالمارق من الدين..محاطة بطقوس التعميد والوشم المضروب في الجبين والخدين؛ مثلما كانت تفعل القبائل السودانية في الماضي.. ولهذا لا تُنجب مثل هذه الأحزاب إلا أباطرةً وسادةً هم فوق مستوى البشر..فروض الولاء والسمع والطاعة فوق كل تدبر عقل أو بصيرة.. فيظل في حضن الأحزاب السادة سادة.. والشعب شعب.. و(ما أسوأ أن تكون شعباً) على رأي المجنون الذي نقل عنه البروف عبد اللطيف البوني هذه العبارة وهو يرددها على ناصية(صينية) المرور..
هم عندهم الساسة ساسة..ونحن عندنا الساسة سادة!!
على أي دين يحكمُنا ساستُنا؟؟
الله أعلم..!!

التيار