منوعات

حيواناتٌ غريبة.. «أجنة حيوانية بخلايا جذعية بشرية» وخطوات جديدة في الطب الحيوي


هل جال بخاطرك يومًا إمكانية زراعة عضو حيواني بجسم الإنسان تعويضًا للعضو البشري التالف؟ أو تخيَّلت أنك سترى في يومٍ ما حيوانًا يمتلكُ بعض خصائص البشر؟ تَخيُّل شيء كهذا قد يكونُ غير متوقَّعٍ أو مقبول، لكنّ رؤية حيوانات غريبة تحملُ خلايا بشريَّة قد تكون هي الخطوة القادمة في أبحاث البيولوجيا الطبية.. لكن كيف؟

خلال الشهر الماضي؛ كشفت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية النقاب عن سياسة جديدة لرفع الحظر عن تمويل التجارب المثيرة للجدل، والتي تستخدم الخلايا الجذعية البشرية مع أجنَّة الحيوانات لتخليق أجنَّة جديدة تحمل بعض خصائص البشر والمعروفة باسم «chimeras» لكن تحت ظروف محددة ومُقننة بعناية.

الآن.. ربَّما تُفكر متسائلًا؛ كيف يتم تخليق هذه الأجنة، وما مدى أهميتها للبشرية؟ ومتى فُرض الحظر على المال الموجه لتمويل هذه الأبحاث؟ ومدى مخاوف معاهد الصحة الأمريكية من الاستمرار في تمويل وتطوير الأبحاث المتعلِّقة باستخدام الخلايا الجذعية البشرية مع أجنَّة الحيوانات؟ وما الأسباب التي جعلتها تلجأ لسياسةٍ جديدة تسمح بتمويل هذه الأبحاث مجددًا؟ إن كنت مهتمًا بالعثور على إجابات لتلك الأسئلة يمكنك متابعة القراءة لهذا التقرير.
ما وراء القصة!

في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي 2015؛ وبعد التقدُّم الملحوظ لبعض مراكز الأبحاث الأمريكية في زراعة الأنسجة البشرية داخل أجنة الماشية والخنازير سعيًا وراء تخليق بعض الأعضاء الحيوية (الكبد، والقلب، والكليتين) التي قد تُستخدم في زراعة الأعضاء. قامت معاهد الصحَّة الوطنية بتغيير سياستها، ومنع دعم الدراسات والأبحاث التي تنطوي على استخدام الأنسجة البشرية مع أجنة الحيوانات لتخليق ما يُسمي بالـ «chimeras» إلا بعد استعراض الآثار العلمية والاجتماعية والأخلاقية لهذه الأبحاث عن كثب.

وذلك بعد الإعراب عن قلقها من احتمال تطوُّر الحالة الإدراكية للحيوانات عند استخدام بعض الخلايا البشرية. حيث أصدرت معاهد الصحة قرارها بعد علمها ببدء العُلماء لبعض التجارب، بعدما حصلوا على التمويل من مصادر أخرى من بينهم وكالة الخلايا الجذعية بولاية كاليفورنيا. وتمَّت بعد ذلك العديد من النقاشات بين عُلماء معاهد الصحة الوطنية وبين الباحثين القائمين على تلك الأبحاث، والتي انتهت برفع المعاهد الوطنية الحظر عن تمويل هذه الأبحاث من بداية العام القادم 2017، لكن بشرط أن تُجرى تحت رقابة محددة، ولا تُستخدم إلا في نطاقٍ مُحدَّدٍ للأبحاث والتجارب المعملية.
تجَارِبُ سريةٌ.. وأبحاث لم تُنشر بعد!
«أحد أعضاء فريق الباحثين بجامعة كاليفورنيا، يقوم بحقن خلايا جذعية بشرية لجنين خنزير باعتبار ذلك جزءًا من تجارب إنتاج أجنة الـ«chimeras»»

التجارب التي قام بها العُلماء كانت تعتمد على حقن بعض خلايا الإنسان الجذعية لأجنة الحيوانات التي لا تتجاوز أعمارهم عدة أيام، ومن ثم وضع تلك الأجنة في رحم إناث الحيوانات حتى الولادة. فوفقًا لتقديرات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبناء على عدة مقابلات مع ثلاث فرق بحثية اثنان في ولاية كاليفورنيا، والأخرى في ولاية مينيسوتا، أنه يوجد حوالي 20 حالة حمل من الخنازير والأغنام لأجنة تحمل خلايا جذعية بشرية، تمت خلال العام الماضي في الولايات المتحدة بالرغم من عدم نشر أي ورقة بحثية توصِّف هذه التجارب في دورية أو مجلة علمية.

أما فى نوفمبر الماضي (تشرين الثاني) فقد كُشف مدى تقدُّم الأبحاث في جزءٍ من العروض التي قُدِّمت بمركز وكالة الصحة الوطنية بولاية ميريلاند، وذلك بناءً على طلب الوكالة من القائمين على تلك الأبحاث. حيث أظهر الباحث بمعهد سولك للدراسات البيولوجية «وان كارلوس» بيانات لم تُنشر بعد عن وجود أكثر من 10 أجنَّة لخنازير تحتوي على خلايا بشرية. بينما قدم باحثٌ آخر من جامعة مينيسوتا، صورًا فوتوغرافية لجنين خنزير يبلغ من العمر 62 يومًا، ويحتوي على خلايا بشرية لكنه يمتلك خللًا خلقيًا بالعين.
خطوات أولية لعدة تجارب مبدئية
«صورة توضح تكوين أجنة الـ«chimeras» عن طريق حقن خلايا من أحد الفصائل بداخل جنين من فصيلة أخرى. من اليمين إلى اليسار؛ فأر أبيض، جنين فأر مختلط بخلايا الجرذان، جنين جرذ مختلط بخلايا فأر، جرذ عادي»

اعتمدت التجارب بشكلٍ أساسيّ على تكنولوجيا الانقسام المتقدمة؛ والتي تشمل أحدث تقنيات الخلايا الجذعية وتعديل الجينات، والتي من خلالها يستطيع العُلماء تغيير الحمض النووي لأجنة الخنازير أو الماشية، وبالتالي عجز تلك الأجنَّة وراثيًا عن تشكيل الأنسجة المحدَّدة التي من المفترض أن تتطوَّر لتكون عضوًا محددًا. ثم يقوم العلماء بإضافة خلايا جذعية بشرية لتحل محل الأنسجة الحيوانية التي لم تتشكل بعد، مما يمنح الفرصة لتشكيل الخلايا البشرية للعضو المفقود، والذي من الممكن حصده بعد ذلك واستخدامه في عمليات زراعة الأعضاء.

يقول طبيب القلب «دانيال جاري» الذي يقود المشروع البحثي بجامعة مينيسوتا أنه بإمكانهم تخليق حيوان بلا قلب، وأنهم قاموا بتنمية خنازير تفتقد إلى العضلات والهيكل العظميّ، وكذلك الأوعية الدموية هندسيًّا وبالرغم من كونها غير قابلة للحياة، لكن من الممكن أن تتطور بشكلٍ صحيح إن أُضيف عدد قليل من خلايا جنين سليم. وفى الطريق نفسه تلقى «دانيال» منحة من الجيش الأمريكي تُقدر بـ 1.4 مليون دولار، لتمويل أبحاث البيولوجيا الطبية في محاولات تنمية قلب بشري بداخل أجنة الخنازير.
انتقادات لاذعة.. وتخوفات مستقبلية
«علي يمين الصورة فأر الـ«chimeras» الذي يحتوي على خلايا جذعية من حيوان الآغوطي (وهو حيوان من القوارض، يشبه الأرنب، له جسم مغطى بفرو ناعم الملمس بني اللون مائل إلى الصفرة، ويمتلك أرجلا طويلة، ويتواجد في شمال شرق أمريكا الجنوبية)»

نظرًا لما قد تقدمه هذه الأجنة من اكتشافات علمية أساسية، وإمكانية توفير إمدادات جديدة من الأعضاء الحيوية إلى البشر، يقول العديد من الباحثين أنهم عازمون على المضي قدمًا في تلك الأبحاث بالرغم من موقف معاهد الصحة الوطنية. فخلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نشر أحد عشر باحثًا خطابات تنتقد سياسة المعاهد الوطنية التي تهدد التقدم، وتلقي بظلالها السلبية على أبحاثهم على حد قولهم. أمَّا عن رد المعاهد الوطنية للصحة على تلك الخطابات فقد جاء في اجتماعها الذي جرى في الشهر ذاته على لسان عالم الأخلاقيات «ديفيد ريسنيك» بأن ما يثير القلق هو أن العلم يتحرك بسرعةٍ فائقة، لذا فالخوف يكمن في احتمالية تطور تلك الحيوانات لتصبح شبيهة بالبشر، أو ان ينتهي المطاف بامتلاكها نفس الخلايا التناسلية البشرية، أو حتى تطور معدلات ذكائها.

لكن لم تتوقف المحاولات بعد، ففي بداية هذا العام، بدأ عالم أحياء الخلايا الجذعية في جامعة ستانفورد «هيروميتسو ناكوشي» في محاولة تخليق أجنة من الأغنام تحتوي على خلايا جذعية بشرية مصنوعة من الجلد أو الدم، تُبرمج كميائيًا إلى خلايا جذعية أكثر تنوعًا. حيث يقول إن مساهمة الخلايا البشرية حتى الآن ضئيلةٌ نسبيًّا. فعندما تكون نسبة الخلايا البشرية حوالي 0.5% من المستبعد أن تتطور القدرة العقلية لتلك الأجنة، لكن إن كانت تلك النسبة 40% حينها علينا أن نتحرَّك ونفعل شيئًا حيال ذلك.

كما توجد أنواع أخرى من الـ«chimeras» تُستخدم على نطاقٍ واسع في البحث العلمي؛ كالفئران المؤنسة التي تمتلك نظامًا مناعيًّا بشريًّا عن طريق إضافة جزء من الكبد والغدة الزعترية من جنين بشري بعد إجهاضه، إلى الفأر بعد ولادته.
آمالٌ كبيرة.. ومخاوف أخلاقية تولِّد سياسات جديدة

«صورة توضيحية لعملية زراعة كلية»

تُرفرف آمال الباحثين عاليًا لإنتاج أغنام، وخنازير تحتوي على قلب، أو كبد، أو كُلَى بشرية لإمكانية استخدامها في عمليات زراعة الأعضاء. فوفقًا للمؤسسة الأمريكية لزراعة الأعضاء؛ تمَّت أكثر من 650 ألف عملية زراعة للأعضاء في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1988. والآن يوجد أكثر من 120 ألف شخص على قائمة انتظار زراعة عضو ما ليتم إنقاذ حياتهم بداخل أمريكا فقط. كما يتم إضافة اسم جديد على قائمة الانتظار كل 10 دقائق. كما يتوفَّى في المتوسط يوميًا ما يقارب من الـ 22 شخصًا بسبب نقص الأعضاء المُتاحة للزراعة.

بالرغم من ذلك فإن رفع المعاهد الوطنية الحظر عن تمويل تلك الأبحاث يرتبط بقيودٍ عديدة تحدُّ من تلك الطموحات، وذلك لمعالجة المخاوف الأخلاقية. فتقترح السياسة الجديدة استمرار حظر استخدام أنواع معينة من الخلايا البشرية في أجنة الثدييات الرئيسية غير البشرية مثل القرود، والشمبانزي، وذلك لأن تلك الكائنات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالبشر. وكذلك رفع الحظر عن التجارب التي تنطوي على استخدام الأنواع الأخرى من الخلايا.
إذًا.. كيف سيتم تخليق الـ«chimeras»؟

سيعتمد الباحثون على تقنيات حديثة لتعديل الجينات؛ باستخدام شعاع الليزر يستطيع الباحثون قطع ثقب صغير في الطبقة الخارجية لغشاء الجنين، ثم يُحقن جزء مُخلَّق قادر على حذف جين محدد من الحمض النووي للجنين، وعندما يُعدَّل الحمض النووي الخاص بالجنين، يقوم الباحثون بحقن الخلايا الجذعية البشرية المحفزة (iPS)، التي تتكون من جلد أو دم إنسان بالغ، والتي تستطيع التحول إلى أي نوع من الخلايا بداخل جسم الإنسان، كما تؤدِّي الوظيفة ذاتها بداخل جسم الجنين الحيواني. أما بعد حقن الخلايا الجذعية تأتي الخطوة التالية وهي وضع هذه الأجنَّة جراحيًا في رحم أنثى أحد الخنازير، لتستطيع الأجنَّة النموّ والتطوُّر حتى اليوم الـ 28، ثم يتم جلبهم للتشريح.

كما يتطلع الباحثون مع بداية معاهد الصحة الوطنية برفع الحظر عن تمويل تلك الأبحاث إلى إمكانية إنتاج أجنة خنازير تحتوي على خلايا جذعية من الإنسان، فتكون الأجنة الناتجة شبيهة بأجنة الخنازير الطبيعية لكنها تختلف عنها في امتلاكها لقلب، أو كلية بشرية يمكن استخدامها في عمليات زراعة الأعضاء، وبالتالي المساهمة في توفير أعضاء يمكن زراعتها وإنقاذ حياة البشر. كما أن هذه الأعضاء ستتميز بتقليل فرص رفض الجهاز المناعي بالجسم للعضو المزروع، وبالتالي زيادة فرص نجاح عمليات زراعة الأعضاء.

ساسة نت