اقتصاد وأعمال

الأداء الاقتصادي نظرة على تقرير البنك الدولي


أشار تقرير البنك الدولي الذي صدر مؤخرا إلى أن الموازنة بالسودان تواجه عجزا دائما منذ عام 1991م، معتبرا أنها لم تحقق فائضا إلا مرات معدودة خلال حقبة الاقتصاد النفطي، ففي سنوات الاقتصاد النفطي أصبحت العائدات النفطية هي المصدر الأساسي للإيرادات العامة وأسهمت بأكثر من 50% من إجمالي الإيرادات حين بلغت ذروتها لكن هذا الوضع انتهى فجأة عام 2011م، فمع انفصال جنوب السودان تراجعت نسبة العائدات النفطية إلى إجمالي الإيرادات من 59% عام 2011 إلى 16% 2012م، ولم تستطع الايرادات الضريبية وغيرها من الايرادات غير النفطية رغم ارتفاعها بشكل ملموس أن تعوض ما أسماه التقرير بالصدمة القوية الناجمة عن تراجع العائدات النفطية وانخفضت الايرادات الاجمالية إلى 33.5% خلال عام وحيد وهو الذي تلى العام 2011 م .

ويرى تقرير البنك الدولي أوجه ضعف كبيرة للوضع الاقتصادي ولخصها في المجالات الثلاثة وهي “القدرة على إدارة عائدات الموارد الطبيعية، وتقديم الخدمات العامة، وتنظيم النشاط الاقتصادي” وغالبا ما يتفاقم هذا الوضع بالصراع والهشاشة وأحيانا عبر تفويض للمسؤوليات يشوبه الغموض في إدارة عامة تزداد اللامركزية فيها بشكل عام، تخلص المذكرة الاقتصادية عن السودان إلى وجود مجال كبير لتحسين فعالية المؤسسات لإرساء الأساس لقاعدة أكثر تنوعاً للموارد ثم الوصول في نهاية المطاف إلى اقتصاد أكثر تنوعا، وأشار التقرير إلى أن هنالك حاجة إلى التركيز القطاعي في جهود السودان الرامية إلى تنوع الاقتصاد في ضوء توقعات بزيادة دور الزراعة في الاقتصاد حتى عام 2030م، وتظهر نماذج المحاكاة الواردة في المذكرة الاقتصادية أن أقوى معدلات النمو تحقق في قطاعات قادرة على إنتاج سلع تجارية قادرة على المنافسة عالمياً، ويشير هذا إلى أنه في غياب صادرات تقوم على الموارد فإن النمو يجب أن يتركز مستقبلا، وبشكل أساسي على قطاعات تنتج سلعا تجارية تصدر أو تحل محل الواردات.

ويعتبر التضخم من المشكلات التي عانى منها اقتصاد البلاد لسنوات عديدة، فمعدلاته مرتفعة ومتقلب منذ الثمانينيات، ومنذ بدء الاقتصاد النفطي عام 1999م تراوح متوسط التضخم السنوي في السودان حول 10% أو أعلى من ذلك باستثناء الفترة بين عامي 2003 و2006م، واقترن التضخم المرتفع باستمرار ايضا بارتفاع مستوى التقلب ومن بين الأعراض الرئيسية انفصال الجنوب، وهو الحدث الذي جعل معدل التضخم بالبلاد يرتفع بحدة منذ ذلك العام وبقي أعلى من 30% منذ 2012م (المعدل السنوي لمؤشر أسعار المستهلكين ومتوسط الفترة) وبتحليل معدلات التضخم حسب الوتيرة الشهرية كان المعدل أعلى خلال فترات معنية متجاوزا 40%، كما أن الحال في النصف الثاني من عام 2012 م والربع الأول من عام 2013 م حين بلغ أعلى معدل شهري 47.9% خلال مارس 2013م بدأت بعده الزيادة في مستوى الأسعار تتراجع، وكانت هنالك ذروة أخرى في معدلات التضخم حيث بلغت 46.8% خلال يوليو 2014م ثم تراجعت إلى 25.7% في ديسمبر 2014م .

ويرى عدد من خبراء الاقتصاد وجاهة في حيثيات التقرير، مشيرين إلى احتوائه على مسوغات وتحليلات تبدو منطقية في كثير من الوجوه، فيما تشير المحاضرة بجامعة الجزيرة د. إيناس إبراهيم إلى أن البنك الدولي مؤسسة اقتصادية ذات وزن وتكتسب تقاريره أهميتها من المنهجية العلمية التي تحلل عبر مكامن قوة وضعف اقتصادات الدول، ولفتت إلى احتواء التقرير على تشريح وصفته بالمنطقي لعلل الاقتصاد، مع اقتراح بعض المعالجات قالت إنها تأتي في شكل مؤشرات عامة لتعزيز وضع الاقتصاد، وتقول د. إيناس إن أول معالجات الأداء الاقتصادي للبلاد ووضعه في موضع الانطلاق تتمثل في ضبط الإنفاق الحكومي بشكل مدروس، وزيادة الإنفاق على القطاعات المنتجة خاصة القطاع الزراعي بشقيه الذي وصفته بأنه يمثل ميزة لم يتم استغلالها بشكل كامل حتى الآن، وأشارت إلى عدم فاعلية بعض القوانين وتقاطعها مما يؤثر سلبا على العديد من فرص تعزيز الاقتصاد خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات الخارجية، وقالت إن تلك الإشكالية قللت بشكل ملموس من حجم ونوعية رؤوس الأموال التي كان من الممكن جذبها في حال وجدت الأرضية المناسبة والمناخ الملائم.

وعزا تقرير البنك الدولي سبب ارتفاع معدل التضخم منذ 2011 إلى قيام البنك المركزي بتمويل عجز الموازنة بطباعة نقود جديدة عبر منح الحكومة قروضا مباشرة، واسفر هذا عن زيادة سريعة في النمو النقدي دفع الأسعار إلى الارتفاع ومن الإجراءات الرئيسية الأخرى التي أسهمت في رفع معدل التضخم منذ يوينو 2012م اعتماد برنامج إصلاحي اسفر عن خفض حاد في السعر الاسمى للصرف الرسمي وارتفاع الضرائب والإلغاء التدريجي لدعم الوقود، ونجم عن هذه الإجراءات ارتفاع الأسعار، وأثر الإجراء الأخير على توقعات بارتفاع أسعار المنتجات البترولية في المستقبل القريب وما من آثار على أسعار غيرها من السلع في الاقتصاد.

ضعف عائدات

كانت العائدات النفطية في ذروتها في الاقتصاد النفطي بين عامي “1999-2012م” تشكل أكثر من 50% من إجمالي إيرادات الموازنة، وانتهى هذا الوضع بشكل مفاجئ عام 2011 ومن المتوقع أن تتراجع العائدات النفطية إلى حوالي 10% من مجموعة إيرادات الموازنة خلال السنوات القليلة المقبلة لعدم كفاية كميات الضخ اليومي من النفط، كما أنها شحيحة بالحد الذي يجعلها أقل بكثير مما كان ينتج قبل العام 2011 م، في وقت طالب البنك الدولي السودان بتسريع وتيرة تنويع نشاطه الاقتصادي، وأشار التقرير إلى تحديات تواجه الاقتصاد الكلي للبلاد، وتتمثل في إلغاء قيود الصرف لتوحيد أسعار الصرف في السوقين الرسمي والموازي، وزيادة الإنتاجية الزراعية من خلال تطبيق تغيرات رئيسية في السياسات وايضا تحسين إدارة عائدات الموارد الطبيعية ومعالجة المعوقات لبيئة الأعمال وبناء رأس المال البشري لدعم التغيير الهيكلي .

الانتباهة