مقالات متنوعة

أسواق تحت رحمة الظروف


الأسواق في كل ولاية الخرطوم تعاني من تردٍّ مريع في البيئة والخدمات ، وليس هناك جهة تهتم بها أو تقف على حل مشاكلها ،فقد تركتها الحكومة للظروف تديرها كيفما تشاء ، المحلية التى تمثل الجهة الرسمية المكلفة بالمتابعة تهتم بامرين ، الأول إرسال عربتها باستمرار لتصادر بضائع الفريشين الصغار لتحاكمهم بالغرامة ، وإرسال المحصلين الذين يقومون بجباية المبالغ المتنوعة المفروضة على التجار ، أما المشاكل التى تواجه التجار داخل السوق فعليهم حلها بجهدهم الشخصي ، مثلما يفعل كل الناس في كل مؤسسات الدولة الخدمية ، فهكذا تمضى الأشياء في كل البلد .
لم نسمع يوما أن هناك معتمدا وقف بنفسه علي مشاكل الأسواق الا حينما تتراكم وتصبح كارثة تبثها الصحف والفضائيات ، فيخرجون ومعهم كاميرات التلفزيون القومي تمجد خطوتهم الكريمة ، وتبرر لتلك الكارثة ، وهم لا يعلمون ان الإعلام قد تجاوز تلفزيونهم العتيق وأصبح المواطنون كلهم صحفيين ينقلون الحدث كما هو دون تجميل أو تحايل لكل العالم .
كل أسواق الخرطوم دون استثناء تتراكم فيها النفايات وتنعدم الحمامات والمصارف ، أما شوارعها فحدث ولا حرج .. محفرة ومكسرة وغارقة في المياه طول السنة حتى أصبحت وعرة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ..لا أحد يستطيع أن يمر عليها بسهولة ، كما انها تعج بعدد مهول من الشحاذين والمتشردين والحيوانات الضالة ،هذا غير الحشرات والفئران التى تكون دائما مصاحبة لهذه البيئة التى أصبحت تغلب على كل المؤسسات حتى المستشفيات .
اليوم وصلت الأسواق قمة التردي وتعيش في ظروف تثير الاشمئزاز مع أنها تجاوزت الخريف حيث كانت في وضع أسوأ بكثير ، مع أن ما يدفعه التجار للمحليات من رسوم متعددة لتقوم بمهمتها يمكن أن يحسن وضعها ولكن تلك الأموال تذهب بعيدا عنهم ، فقد أثبتت التجربة ان المعتمدين حريصون على جباية الأموال اكثر من حرصهم على المصلحة العامة .
معتمد الخرطوم السابق عمر نمر أعلن اهتمامه بالسوق المركزي وقال إنه سينظمه واعتبره واحدا من مشاريعه التنموية التي انتهت على لا شيء ، وأول خريف بعده أصبح السوق في حالة يرثى لها و مهددا للصحة العامة حسب كلام المعتمد الحالي الذي أغلقه لمدة شهر للصيانة ونقل التجار إلى مكان آخر في ظل معاناة رهيبة وشكوى من قبل تجار الخضر والفاكهة فالمكان الذي انتقلوا إليه حسب قولهم سيئ ولن يتحمله التجار شهرا كاملا لأنهم يعملون تحت اشعة الشمس المباشرة وفي مكان ضيق ومزدحم و بعيد عن المواصلات ، وهو وضع غير صحي أيضا فالمعتمد حل مشكلة بمشكلة أخرى ، حتى ولو مؤقتة .
الأسواق ليست مكانا للترفيه وقضاء الأوقات ، والاهتمام بها من قبل الدولة ليس أمرا ثانويا ، فهي مكان لعمل أغلب سكان الخرطوم وتخدم كل سكانها وما تواجهه من إهمال وتقصير يؤثر على مصلحة الجميع، فهل يعقل أنه في مدى 27 سنة لا تستطيع الحكومة تنظيم سوق واحد أو تأسيسه من جديد ؟
نعلم أن الكلام أصبح لا يفيد و ستظل الأسواق تعيش في هذه الفوضى وتحت رحمة الظروف ودون أي تدخل رسمي ، ولكن على التجار أن يقفوا مع بعضهم وان يقترحوا طرقا ووسائل جديدة للتغيير والضغط على الجهات الرسمية ، فهذا هو السلاح الذي يجب ان يستخدمه المواطنون تجاه كل المؤسسات الخدمية فالحكومة التي تهمل الصحة والتعليم لا يمكنها أن تلتفت للأسواق أبدا .

اسماء محمد جمعة

التيار