رأي ومقالات

لا تحسبوا شتمهم وسبابهم شراً لكم بل هو خير ! مقاطعة الخضروات والفواكه المصرية .. رُبَّ ضارة نافعة !


حزنتنى اسقاطات الإعلام المصري ، فالإعلام في مصر عند نشأته الحديثة كان ذو شقين الشق الأول المحترم الرزين أنشأه الشوام مثل صحيفة الأهرام والشق الثاني إعلام «الولولة» و هذا الإعلام تفنن في شتم وسب السودان دولةً وشعباً وهو إعلام خسر السودان وأفريقيا معاً. وكنا نظن أن المتخصصين في السب والشتم هم ثلة من الإعلاميين السفهاء حتى خرج علينا وكيل وزارة الزراعة المصري الذي وصف السودان بأنه بلد الزنوج والكوليرا وقد كفاني الأخوة الكرام في الصحافة السودانية وبعض قنواتنا مؤونة الرد عليه ولكني أكتفي بقول شاعرنا الراحل صلاح أحمد إبراهيم:
أنا من أفريقيا : صحرائها الكبرى وخط الأسواء
شحنتني بالحرارات الشموس
وشوتني كالقرابين على نار المجوس
لفحتني فأنا منها كعود الأبنوس

نحن في السودان نحتفي بهذه الأبيات بصفة خاصة ونرددها ونشدوا بها لأننا نحس بأنها تلخصنا وتعرب عن ما نظن أنه هويتنا كما قال الأديب الراحل الطيب صالح في تعليقه على هذه الأبيات. أكتفي بهذا وما كانت أود أن أرد على هؤلاء ولكن على أية حال هذا قدرنا . وأقول إنّ قرار وزارة التجارة بإيقاف استيراد الخضر والفاكهة المصرية يجب ألا يكون قراراً مؤقتاً كما جاء في نص القرار بل ينبغي أن يكون قراراً دائماً لأن السودانيين لن يأكلوها مرة أخرى حتى ولو جاءت مبرأة من كل عيب خاصة وأن شذاذ الآفاق في الإعلام المصري وصفونا بأننا «أكلة القرود» والآن هناك حملة شعبية لمقاطعة كل ما هو مصري وليس الخضر والفاكهة فقط. ولعل هذا الابتلاء يأتي لنا بخير «وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» فلابد أن تتحول عاطفتنا الجياشة إلي عمل وطني حقيقي في القطاع الزراعي بالتركيز على القطاع البستاني الذي أراه الحلقة الأضعف في اهتمامات وزارة الزراعة والغابات فالاهتمام بهذا القطاع سيدر دخلاً وفيراً للخزينة العامة. معظم ولايات السودان مؤهلة للإنتاج البستاني فالمانجو مثلاً موجود والحمد لله في جنوب كردفان والنيل الأزرق والجزيرة وكسلا ونهر النيل والشمالية والخرطوم. وتمت تجربة إنتاج التفاح في جبل مرة ولم تحظ التجربة بدراسات علمية لتستوي على سوقها. وولايتا الشمالية ونهر النيل مؤهلتان تماماً لزراعة العنب والرمان وأصناف أخرى من الفواكه. أما البرتقال والقريب فروت فموجودان في الشمالية ونهر النيل وأجود أنواعه في جبل مرة «البرتقال أبوصرة» والمطلوب أن تغطي الفترة الزمنية من شهر أبريل وحتى شهر سبتمبر وهي الفترة التي يأتينا فيها البرتقال المصري الذي يسقي بمياه الصرف الصحي. وهذا يتطلب مضاعفة الإنتاج ونشر الثلاجات لحفظ الكميات التي تصبر حتى بداية الموسم الجديد ولو اضطررنا إلي الاستيراد فليكن من جنوب أفريقيا «أهلنا وأبناء عمومتنا». الآن أصبحت هناك مزارع ضخمة في غرب أمدرمان مؤهلة للإنتاج البستاني الموالح والمانجو وحتى الفراولة التي بالإمكان إنتاجها في البيوت المحمية. ولتكن ثورتنا القادمة هي التوسع في الإنتاج البستاني وحشد الخبراء والعلماء والباحثين في المجال الزراعي لوضع الأطر العلمية والفنية ليكون السودان الدولة الأولي في الإنتاج البستاني ليس بغرض الاكتفاء فقط بل للصادر أيضاً وحتماً سيكون إنتاجنا مرغوبا في العالم لأنه يُسقي بمياه نقية ليس فيها ولا ذرة من «القاذورات». وكشفت هذه الأزمة عن معلومات خطيرة فوالله لم أكن أعلم أننا نستورد الفلفلية والبطاطس من مصر !! أليس هذا مضحكاً مبكياً وإنتاج البطاطس في السودان دائماً يفيض عن حاجتنا والمزارعون يعوزهم فقط الحصول على الثلاجات لتخزينه أليس هذا عجزاً؟ أيعجز القطاع المصرفي عن تمويل شراء ثلاجات لتخزين البطاطس؟ والله لا أجد وصفاً لاستيرادنا لأي نوع من الخضروات إلا بأنه ضعف همة ومقدرات ليس إلا!! وعلى الحكومة تسهيل امر الزراعة وتخفيف الضرائب عليها وكف أيدي المحليات والولايات عن الجبايات والله بعدها سترون أننا سنأكل من فوقنا ومن تحت أرجلنا. هذه المقترحات لا يجب أن تكون مثل دخان على الهواء بل تتطلب وضع خطة استراتيجية محكمة لتنفيذها بالاشتراك مع جمعيات أصحاب المهن الزراعية والحيوانية والقطاع الخاص وأن تلتزم الحكومة بتسهيل الإجراءات وتخفيف القيود التي تعيق رفع كفاءة الإنتاج الزراعي في السودان. أقترح على وزارة الزراعة والغابات إقامة مؤتمر علمي حول المنتجات البستانية وكيفية تطويرها وأن يصاحب المؤتمر مهرجان يعرض أصناف من هذه المنتجات من كل الولايات وأن يشترك في المؤتمر كل الجهات ذات الصلة من وزارات ومؤسسات ومصارف واتحادات وكيانات وأن يخرج هذا المؤتمر برؤية واضحة تتضمن الأوضاع الراهنة والمستقبلية وأن يكون المؤتمر بمثابة ضربة البداية للثورة القادمة في مجال الإنتاج البستاني. والمؤتمر لاشك سيكون بمثابة نافذة للخبراء والباحثين الذين سيدلون بإفادات قيمة تساعد على وضع الرؤية الشاملة للإنتاج البستاني وثورته القادمة. وعوداً على بدء أقول لابد من مراجعة شاملة للعلاقات السودانية المصرية بحيث تكون مثلها مثل علاقات السودان بأي دولة أخرى علاقة تعلى من قيمة المصالح المتبادلة والندية وأن تخلو من العبارات الفضفاضة التي لا معنى لها مثل شعبي وادي النيل والعلاقات الأزلية فنحن وهم مضطرون لإقامة علاقات دبلوماسية فرضتها علينا الجغرافية ليس إلا وأن يتم مراجعة اتفاق الحريات الأربع لأننا حالياً غير مستفيدين منه وأن يتم ضبط المعابر الحدودية خاصة من جانبنا حتى لا تدخل إلينا السموم عبرها وألا يتم تهريب منتجاتنا من خلالها… فمراجعة العلاقات السودانية المصرية ضرورية لتكون علاقات موضوعية بين دولتين جارتين وأن تلتزم كل دولة في حدود ما تمليه ضرورات هذه العلاقة بلا زيادة أو نقصان وعلى دبلوماسيتنا السنية أن تلتفت إلي عمقنا الأفريقي وأن تعيره نظرة خاصة فالعمق الأفريقي للسودان من المؤكد سيعطيه وضعاً إقليمياً مميزاً في كل المجالات وعلى الأقل أن الأفارقة يحبوننا ونحبهم. أما فائض حصتنا من مياه النيل الذي يذهب هدراً إلي مصر فهذا ملف سنعود إليه لاحقاً.

الصحافة