الصادق الرزيقي

في خطاب الرئيس


لم يقدم السيد رئيس الجمهورية أمام الهيئة التشريعية القومية صباح أمس, خطاباً عادياً كسائر الخطابات السابقة التي تعبِّر في مجملها عن الموجهات الأساسية والسياسات العامة, فخطاب الأمس أو البيان, جاء وكأنه جرد حساب لما قامت به الحكومة في الفترة الماضية, استشرافاً للعام المقبل (2017م). فقد وردت في الخطاب الذي يُعد أطول الخطابات الرئاسية أمام المجلس الوطني في الفترة الأخيرة, وأكثرها حشداً للمعلومات والأرقام والنتائج والخلاصات, وزاوج ما بين المطلوب إنجازه وعمله وما تم بالفعل خلال السنة الحالية في كل القطاعات, ويصلح أن يكون ما قدم أمس خطاباً وبرنامج عمل للحكومة في المرحلة المقبلة. > قبيل الجلسة كنا نتحدث عن المتوقع في خطاب الرئيس هل سيكون عن الحوار الوطني الذي تبقت أيام من خاتمة أشواطه أم أن الرئيس سيعلن ما استبطن من إجراءات متعلقة بموجبات الحوار نفسه ويصرِّح بما يرتب الأوضاع وتهيئة المناخ لمن أراد أن ينخرط في العملية السياسية من معارضي الحوار؟.. لكن فوجئنا بأن السيد الرئيس عقب مقدمة جامعة وحديث مُحكم عن الحوار يقدم أقوى مرافعة للحكومة في ما قامت به في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية الدفاعية والعلاقات الخارجية والاجتماعية والثقافية والاهتمام بالشباب والمرأة والطلاب وغيرها من القضايا الكبرى في البلاد، وقدم أمام الهيئة التشريعية القومية إيضاحات وأرقام وبيانات ومقارنات دقيقة لا مِراء فيها لا جدال خاصة ما يتعلق بقياسات ومؤشرات الإنتاج وما أنجز في شأن الخدمات ومحاربة الفقر والتوسع الرأسي في المشروعات ذات العائد المباشر على المواطنين في مناطق الإنتاج. > ويتوقع أن يثير خطاب الرئيس نقاشات واسعة لملامسته قضايا مهمة وجالبة للجدل مثل القول إن البلاد تتجه بعد الحوار إلى تأسيس دولة شورية ديمقراطية يسود فيها القانون وتتاح فيها الفرص للتنافس السياسي المفتوح وتتقدم الكفاءات أمام أية معايير أو اعتبارات أخرى, فهذه الموضوعات والإشارة إليها وتأكيدها أكثر من مرة في الخطاب, تمثل دائماً نقاط خلافات بين الفرقاء السياسيين في البلاد ومحل شكوك متتالية بين الحكومة ومعارضيها الذين مهما فعلت الحكومة لا يثقون في كلمتها, خاصة أن الحكومة ظلت باستمرار تؤكد على أنها ماضية في طريق التحول الديمقراطي وبسط دولة القانون, فإذا كان الحوار الوطني الذي طرح مبادرته السيد الرئيس نفسه, فليس هناك ما يدعو للشك في أنه وحكومته وحزبه الحاكم لن ينفذوا مخرجات الحوار ويسهموا مع الآخرين في تطبيقها للخروج بالبلاد كلها إلى مربع جديد يستدام فيه السلام والاستقرار، ويتم التبادل السلمي للسلطة وتصمت أصوات البنادق والمدافع. > إذا كان السلام هو الخيار الإستراتيجي للدولة ومكوناتها وأطيافها السياسية, فإن مواءمة المستقبل الآمن بالاستقرار والسلام هو عين ما قصد من الحوار الوطني ومن المؤشرات الإيجابية التي تناولها الرئيس في بيانه أمس وهو يتحدث عن الخطة الثالثة وما ينبغي عمله في العام (2017م), لقد كان هناك كثير من الأمل والقليل من التبرير لما حدث في الفترات الماضية, وهذا أهم ما انطوت عليه روح الخطاب ونصه فالأمل سيظل مشتعلاً وموجوداً ومسنوداً بالواقع المعاش وفق المعلومات الدقيقة التي قُدمت بشكل تجريدي مُقنع بلا أية تأويلات سياسية أو تعميم غير مناسب. > ومن المهم أيضاً النظر إلى الخطاب من زاوية لغته الوافية وإشاراته السياسية المتناغمة مع مقتضى الحوار الوطني وما سيخرج به, فالأيدي ستكون ممدودة لكل المعارضين إن قبلوا بالسلام وستظل الأصابع على الزناد في حال اختاروا الحرب والخراب والدمار, كما أن السودان في علاقاته مع الخارج يبدو في وضع أفضل بكثير عمَّا سبق، ومن الخطأ تصور أن عقارب الساعة يمكن أن تعود إلى الوراء أيام العزلة والعداء الدولي وتكالب الأعداء على بلادنا من كل اتجاه. > بقي أن نشير إلى أن إعداد الخطاب تطلب قدراً كبيراً من حصائل المعلومات وانجازات الوزارات والقطاعات التنفيذية وخططها وبرامجها التي ستفصلها بدقة بيانات السادة الوزراء أمام الدورة الجديدة للبرلمان

الانتباهة