مقالات متنوعة

اغضبوا مرةً!!


كان الناس ممن يتولون شأناً عاماً حتى وقت قريب يتعاملون بحساسية مفرطة مع الحق العام، وكانوا أكثر عفة عن المال العام وحرصاً وحماية وصوناً له، ولنا في الأزهري وعبود ونميري أسوة حسنة، وإلا فما الذي يجبر الرئيس الأزهري على الاستدانة “مائة” جنيه من بشير النفيدي ويلتمس منه أن يقرضه مثلها ويُنظِره حين ميسرة ليتم السداد، وهو رئيس جمهورية السودان.. وإلا فما الذي يُرغِم الرئيس عبود على ترحيل أبنائه للمدارس بعربة متهالكة هي ملكه الخاص، وكان بإمكانه أن يخصص لهم سيارة آخر موديل وسائقاً من مال الدولة كما يفعل اليوم أصغر موظف.. وإلا فما الذي يحمل الصادق المهدي على التنازل عن راتبه الشهري، وهو رئيس الوزراء، ولا يخصص سيارة حكومية لأهل بيته وأبنائه، وما الذي يحمله على إعادة ما يتبقى من نثرية السفر إلى الخزينة كما يفعل الأزهري والمحجوب وعبود وزروق وأحمد خيري، ويحيى الفضلي كما تواترت الروايات حول هذا الشأن ..

وأما الحديث عن حرص الرئيس الأسبق نميري على المال العام وحمايته من اللصوص فلا أحتاج إلا أن أحيلكم إلى شهادة أحد خصومه السياسيين، والحق ما شهد به الخصوم والغرماء، فقد سأل الصحافي أحمد منصور الدكتور حسن الترابي في إحدى حلقاته (شاهد على العصر) الذي تقدمه قناة الجزيرة، عن الرئيس جعفر نميري وتصرفه بالمال العام، فقال الترابي: (والله لم أرَ شخصاً أعفَّ من نميري ولا أحرص على أموال الشعب منه، فقد كان عنيفاً جداً مع كل مسؤول إذا دخله شك فقط بأن أحداً تطاول على المال بصفة عامة، سواء المال العام أو الخاص، فكان يطيح بهم جسمانياً بعد التأكد من الجريمة لما له بسطة في الجسم ثم يحاسبه حساب القانون ويزجه بالسجون..!!)

ثم يسأله الإعلامي أحمد منصور :

دكتور حسن، ماذا تظن أن النميري فاعلاً بمسؤولي اليوم في السودان لو كان حياً؟

ويجيء رد الترابي كالعهد به جريئاً واضحاً دون تردد وذلك بعد أن سبقت الإجابة ضحكته الساخرة: (لكان عذبنا جميعاً وبلا رحمة ثم قتلنا).

الحق أن المسؤولين والأغلبية ممن تقلدوا شأناً عاماً من شئون البلاد كانوا حتى وقت قريب يعفّون عن المال العام ويحولون بينه وأبنائهم كنوع من الثقافة والتقاليد الراسخة في المجتمع آنذاك وهي تقاليد اجتماعية وتربية قائمة على مرجعيات تأخذ بريقها من عفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي خاطبه جلساؤه يوماً وهو يُبدي إعجابه بأمانة من حملوا إليه مجوهرات كسرى، فقالوا له: (لقد عففت فعفت رعيتك). ومأخوذة من أخلاق الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي ضرب أروع الأمثال في العفة والزهد في مال بيت المسلمين..

اللهم هذا قسمي فيما أملك…

نبضة أخيرة:

ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.

احمد يوسف التاي

الصيحة