مقالات متنوعة

غرب كردفان ..تلك الولاية الخضراء..!!


لعلها الولاية الأكثر خضرة في السودان لكنها اختارت لنفسها أن تموت كل صباح, وتسمع الناس بكاء ونواح الثكالى , وبالأحرى اختار لها أهلها ذلك..عند الساعة التاسعة صباح أمس هبطت بنا الطائرة بمطار بليلة الدولي وصوت المنادي داخلها كان يصيح بأن درجة الحرارة الخارجية ثماني درجات، نزلنا وكانت الأمطار قد توقفت لحظتها, ولكن الوديان والخيران لا تزال تمارس هوايتها في الجريان نحو الانحدارات ,والسحب متناثرة والسماء غائمة كأنها تريد أن تمطر ثانية ..دخلنا غرب كردفان صباحاً وشعرنا أن الشمس نائمة وكأنها لم تنهض وليست لديها الرغبة أصلاً في النهوض .. كل شيء هنا أخضر ومليح والأعشاب متسلقة أسطح المباني وأبواب وجدران الغرف, وجمال طبيعي يغطي المساحات يتجلى في هدوء الناس غير انه يغيب فجأة حين يغضب أهل هذا البلد ويثورون لأبسط الأسباب, بيد أنهم في ثباتهم على درجة من الذوق المجتمعي والكرم الحاتمي. قد هبطنا مطار بليلة وكانت لحظتها طائرة نائب الرئيس الرجل الهمة حسبو محمد عبدالرحمن جاثمة بالمطار وقيل لنا هو ووفده الرفيع وعلى مدى يومين يغوصون في عمق ديار المسيرية يبحثون عن طرق ونوافذ الخروج من المشكلات القبلية والصراعات التي تطاولت, وعادة تحدث على خلفية أسباب طفيفة, وسرعان ما تتوسع وتفتك بالمجتمعات. وليت نخب ومثقفي غرب كردفان وما أكثرهم, أدركوا هذا الخطر الذي غيب عن الآخرين أهم ملامح الولاية وجهها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المشرق, وعادة ما يظهر الوجه الكالح حين يغطي لون الدم الأحمر لون الولاية الأخضر الطبيعي الحسن الذي لا يصل إلى حقيقته إلا الذي يزورها في الأيام العادية, فيشعر بهذا الجمال ويتحسس الخضرة وألوان الطبيعة وأحياناً أقول في نفسي لا غرابة فيما يحدث بغرب كردفان من حين لآخر, لأن الولاية قد ورثت كل مخلفات الحرب السابقة مع جنوب السودان, وهي لا تزال تلتصق مع دولتهم المنفصلة على بعد 40 كيلو متراً من مدينة هجليج البترولية ..إن ولاية غرب كردفان ورثت كل مخلفات الحروب لغتها وأدواتها وتشكيلاتها , وعندما انفصل الجنوب وجدت نفسها وجهاً لوجه مع الواقع القديم, وان شحناته تملأ النفوس ولم تعمل المؤسسات المعنية دورها ولم تقم بمهتمها في امتصاص تلك الشحنات من صدور الشباب والكهول الذين تشبعوا بها في فترات سابقة, وقد لا تتناسب مع الواقع الجديد , ولا تزال حاضرة عندهم وهي كما يقول الناس أهم ما احتفظت به من إيقاعات ومكاسب, ومع كل ذلك هناك إشراقة كبيرة تبدو في الأفق والمستقبل وهي اهتمام الدولة في الفترة الأخيرة ممثلة في جهود نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن وحكومة الولاية برئاسة الوالي ابوالقاسم الامين بركة ,وما يجري من مصالحات وامتصاص لبعض الشحنات, ولكن هذا يجب أن يتبعه جهد مجتمعي ومنظمات وواجهات وبرنامج مخطط له يتم تنفيذه وسط هذه المجتمعات المنتجة, وهذا يتطلب الإحياء الثقافي والإعلامي وصناعة خطاب موجه وانتشار لإذاعات (الإف. إم ) وتوزيعها في كل المحليات لتغطي كل المجتمع المستقر و (الظاعن )لأن هذه الوسائط بمقدورها تشكيل القناعات والرأي العام وسط تلك المناطق النائية عن المركز الذي لا يرى تفاصيل مشكلاتها وتجسيداتها كما تبصر هذا المجتمع بما يدور حوله من استقرار ونعيم للمجتمعات الأخرى ..ان مجتمع غرب كردفان مجتمع قنوع بما يمتلكه من موارد طبيعية, وهو مجتمع منتج يعيش في بيوت عادية يزينها بنقوشه وزخارفه الفنية المتواضعة, فهو بحاجة إلى جهد بسيط يستوعب طاقاته المهدرة وبرامج طموحة تملأ وقت فراغه الى جانب خدمات بسيطة تصنع الاستقرار للثروة الحيوانية والزراعية وتمنع احتكاكات المزارعين والرعاة التي ظلت تحدث من حين لآخر, وتفسد أصل العلاقة التي هي في الأصل تكاملية لا تنافرية

فضل الله رابح

الانتباهة