رأي ومقالات

كيف اصبحت واحة سليمة في السودان مستقَرا لعدد كبير من المصريين، وتضاعفت أعدادهم بالتزاوج والمصاهرة؟


السودان من «أرقين» إلى «سليمة»!
لا أبالغ فى القول إن رئاسة السيسى والبشير للجنة العليا السودانية- المصرية المشتركة فى انعقادها الحالى، عشية عبورنا التاريخى إلى سيناء فى 73، هو حدث يمثل عبورا استراتيجيا ورؤية ثاقبة حكيمة للقيادة السياسية.. هو حدث سارّ للعقلاء فى البلدين، ومفاجأة غير سارّة للذين حاولوا ومازالوا يباعدون بين شعبين تربطهما أواصر أنساب ومصاهرة، ضاربة فى جذور التاريخ، ومانعة لكل أسباب الفتن.

أين الشقيقة مصر؟ تساؤل اعتدنا سماعه من أشقائنا فى السودان، وبالأخص خلال السنوات الأخيرة، التى شهد بلدهم فيها تدفقا ملحوظا من الاستثمارات الدولية والعربية من دول الخليج والسعودية، ومؤخرا الجيش الأردنى، القائم بزراعة 25 ألف فدان لمواجهة الشح المائى فى وطنه.. أين الشقيقة مصر؟ والسودان هى عمقها الاستراتيجى الأمنى، والتاريخ شاهد على دورها بعد نكسة 67!! أين الشقيقة مصر؟ والسودان هى عمقها الاستراتيجى الغذائى.. فهى الأرض الحاضنة لأكثر من 300 مليون فدان من أجود الأراضى الزراعية الخصبة والمرعى الغنى بحوالى 100 مليون رأس أبقار- أغنام- ماعز- إبل، وهى ثروة كفيلة بسد احتياجات الأمة العربية من الغذاء والكساء.

تضاعفت تساؤلات الشارعين المصرى والسودانى قبيل انعقاد اللجنة العليا المشتركة بتساؤلات أكثر شفافية، وهى: كيف نحول ملف العلاقات من قيوده الأمنية الحالية إلى رحاب وآفاق التنمية المشتركة؟ كيف نزيل هواجس موقف السودان من سد النهضة؟ كيف نحول المثلث الذهبى فى حلايب وشلاتين وأبورماد من كلمة إلى واقع تنموى؟

تساؤلات أتمنى أن يتناول الإجابة عنها الرئيسان بكل صراحة وشفافية قبل تناول أى موضوع آخر فى جدول الأعمال أو استحداث موضوعات أخرى لملف حافل بشوائب وشكوك، يجب تنقية الأجواء منها لخلق مناخ أكثر نقاء يحقق طموحات الشعبين فى نجاح اللقاء المرتقب، وأن يختلف عن غيره فى تحويل توصياته إلى حقائق على أرض الواقع، وبالأخص أن التاريخ يشهد على أحلام لم تتحقق مثل اتفاقية «الحريات الأربع»، أى حريات التنقل، والإقامة، والعمل، والتملك، وهى الحريات التى أشهد بكونها «خارج الخدمة» منذ مولدها قبل اثنى عشر عاما، وتشهد عليها تلك الواقعة.

فى يناير 2005 تلقيت تكليفا، بصفتى رئيسا لمركز بحوث الصحراء آنذاك، بالسفر إلى السودان ضمن وفد من خمسة خبراء متميزين فى مجال الأراضى والمياه، من مركزى بحوث الصحراء والبحوث الزراعية، لدراسة إمكانية استصلاح واستزراع 1.6 مليون فدان بمنطقة «أرقين» بالولاية الشمالية بالسودان، وكان مقترحا زراعتها بالقمح لاستكمال احتياجاتنا.. تقرر سفر الوفد بالطريق البرى حتى يتسنى لنا لقاء وزير الزراعة السودانى فى المنطقة الحدودية لزيارة المنطقة المستهدفة وتبادل المشورة مع الخبراء السودانيين، لرفع تقرير مشترك إلى رئاسة الجمهورية فى البلدين، لاتخاذ القرار التنفيذى فى ضوء نتائج دراسات الخبراء.

تحركنا من القاهرة فى سيارات دفع رباعى لتحمل مشقة ووعورة بعض الطرق الصحراوية غير المأهولة، حتى أوشكنا- بعد عناء يومين- أن نصل لإحدى نقاط حرس الحدود السودانى حينما فوجئنا بما لم يخطر على البال والخاطر، وهو رفض دخولنا، بالرغم مما أسهبنا فى شرحه عن أهمية الزيارة وموعدنا مع معالى وزير الزراعة السودانى وكبار مسؤوليه و… و… إلى آخره من حقائق تبخرت فى الهواء أمام إصرار رئيس النقطة السودانى على ضرورة إثبات هوياتنا بجوازات سفر وليس ببطاقات شخصية كما كنا نظن وكما قيل لنا!!!! حتى يتسنى للسلطات تسجيل خاتم تاريخى الدخول والخروج على جوازات السفر!! وكنت المحظوظ، ومعى زميل آخر بالوفد، الحاملين بالمصادفة جوازى سفر، منحانا شرف عبور سلك شائك يفصل الحدود، مع ضوء الفجر، طبقا لنصيحة أمنية من حرس الحدود المصرى بعدم العبور ليلا لتفادى مخاطر إطلاق نار عشوائى يتكرر حدوثه بالمنطقة لمطاردة المهربين!!

المهم، عبرنا الأسلاك الشائكة فى دراما بوليسية يطول شرحها لنواصل أنا وزميلى رحلتنا فى الأراضى السودانية حتى وصلنا، فى منتصف النهار، إلى موقع استقبال الوزير السودانى آنذاك، د. صادق عمارة، وكبار مسؤوليه لنا، فى حرارة وكرم أزالا الكثير من عناء المهمة الرسمية الشاقة، التى استنكر وقائعها الوزير السودانى، هامسا فى أذنى بمفاجأة صادمة، وهى أن شرط عبورنا بجوازات سفر كان بناء على تعليمات السلطات المصرية وليس السودانية!!!! وأفاض فى شرح هموم ومواجع عدم التزام مصر باتفاقية الحريات الأربع بهواجس أمنية، بالرغم من كونه أحد العاشقين، كالكثيرين غيره فى السودان، لمصر، وحماسه للتعاون الزراعى مع مصر.

بالرغم من انقضاء سنوات طويلة على حوارى مع الوزير السودانى، فإن درسه المستفاد مازال فى عقلى وقلبى، وهو أن طموحات وأحلام الشعبين المصرى والسودانى فى تحقيق الحريات الأربع وغيرها لن تتحول إلى واقع قبل أن تتحول الأحاديث الهامسة إلى حوار مفتوح بمصارحة كاشفة دون تكبر أو استعلاء.

أعود إلى مهمتى عام 2005 لدراسة إمكانية زراعة 1.6 مليون فدان بـ«أرقين»، والتى حظيت باهتمام رئاسى وإعلامى آنذاك، بالرغم من أن فريق الخبراء المصريين انتهى إلى عدم ملاءمة المنطقة للمشروع المقترح لأسباب فنية، تم استعراضها فى تقرير موثق بتحاليل كيميائية وصور فضائية وأسانيد جيولوجية، بالرغم من أن مضمون التقرير جاء مخالفا لرؤية الجانب السودانى، وهو ما دفع خبراءنا إلى تأكيد رغبة التعاون الزراعى باقتراح موقع آخر أكثر ملاءمة، وهو «واحة سليمة».. فما هى الواحة ومبررات اختيارها؟

تقع واحة سليمة فى الولاية الشمالية السودانية جنوب الحدود المصرية بحوالى 60 كيلومترا، وهناك طريق تاريخى يصلها إلى درب الأربعين، الذى اشتهر بتجارة الإبل من سوق دارفور لتسويقها بسوق إمبابة بالجيزة، وهو ما جعل واحة سليمة مستقَرا لعدد كبير من المصريين، الذين تضاعفت أعدادهم بالتزاوج والمصاهرة، حتى صارت الواحة، اليوم، نموذجا لطموحاتنا وأحلامنا فى التعايش مع أشقائنا بالسودان. لماذا اقترحنا شمال واحة سليمة لتكون بديلا عن «أرقين»؟

فى نوفمبر من عام 1981 قام مكوك الفضاء كولومبيا بالتقاط صور رادارية لمنطقة واحة سليمة، أوضحت وجود بعض الأنهار والوديان القديمة المدفونة تحت الرمال، بالإضافة إلى بعض التراكيب الجيولوجية، الدالة على احتمالية استيطان الإنسان القديم لها، كما دلت الحفائر فى المنطقة المقترحة للتعاون الزراعى مع السودان، شمال واحة سليمة، على أنها تقع داخل منخفض، يبلغ سمك الحجر الرملى فيه أكثر من 750 مترا فوق صخور القاعدة، وأنها تتمتع بظروف مشابهة (من الناحية الجيولوجية التركيبية وظروف تواجد المياه الجوفية) لمنطقة شرق العوينات.

من هنا نقترح على اللجنة العليا فى اجتماعها الاطلاع على نتائج الدراسة وتوصياتها، التى يمكن إيجازها فى اختيار منطقة واحة سليمة نموذجا لمناطق التكامل الزراعى مع السودان للأسباب التالية:

■ توافر الإمكانيات المائية والأرضية لهذه المنطقة.

■ تشكل المنطقة امتدادا طبيعيا إلى الجنوب من منطقة شرق العوينات التى تشهد مشروعات للتنمية.

■ ارتباط واحة سليمة بعدة طرق بجنوب مصر، حيث تقع على الامتداد الجنوبى لدرب الأربعين، الذى يشهد أيضا مشروعات للتنمية الزراعية بمصر.

■ ارتباط المنطقة بالمناطق الشمالية المنتجة بالفعل سوف يوفر مجهودات البحث عن أسواق لتسويق المنتجات.

ألا هل بلَّغت.. اللهم فاشهد.

بقلم
إسماعيل عبد الجليل
المصري اليوم


‫2 تعليقات

  1. الآن تم بيع كل الخزان الجوفى لشركات إماراتية وقطرية ومصرية وكان من الممكن زراعتها قمحا وتصدير الفائض – وبصراحة يجب على الحكومة المصرية الإنسحاب من النتوء المحتل (ور سرة وأرقين وإشكيت ) 38 كلم داخل المسطح المائى ثم دفع تعويض سنوى للنوبيين الذين فقدوا أراضيهم ومزارعهم سواء فى السودان أ مصر .