تحقيقات وتقارير

الحوار الوطني أوصى بانتخابهم بدلاً عن التعيين ولاة الولايات.. “الناخبون” يحرِّرون “حكامهم” من قبضة المركز


عادت جدلية اختيار ولاة الولايات من جديد إلى السطح، وذلك عقب الإعلان عن اتفاق الآلية التنسيقية العليا للحوار الوطني (7+7) على مقترح انتخاب الولاة بدلاً عن تعيينهم، وهي قضية تُعيد أيضاً ذكرى مفاصلة الإسلاميين الشهيرة التي حدثت في العام 1999م ذلك أن اختيار الولاة كان أحد أسبابه الرئيسية، لكن في الوقت الحالي فإن القضية تدفع بتساؤلات على شاكلة هل زالت الدوافع التي دعت إلى إلغاء انتخاب الولاة، وما هي السلبيات التي انعكست على الولايات من حرمانها حق اختيار حكامها، خاصة أن الولاة الحاليين لم يمضِ على تعيينهم سوى شهور قليلة.

ولاء للمركز
ويرى نائب مجلس الولايات والوالي السابق بدوي الخير إدريس الذي شغل منصب الوالي عبر التعيين المباشر والتعيين عبر المؤسسات، أن الاستقرار المنشود للولايات لا يتم إلا عبر إشراك المؤسسات الولائية في عملية اختيار الوالي، معتبراً في حديثه لـ(الصيحة) أن الاختيار المباشر للوالي دون إشراك هذه المؤسسات يؤدي إلى عدم الاستقرار وأضاف قائلاً: “لأن الوالي المعيَّن لا يكون ولاؤه كاملاً للولاية وإنما سيكون للمركز وهي الجهة التي عينته في هذا المنصب”.

ويشير الخير إلى أن الولايات لا يحكمها المؤتمر الوطني وحده وإنما يشترك معه شركاء آخرون ممثلون في الحركة الإسلامية والزعماء المحليين، معتبراً أن الوالي المعين سيكون مصيره عدم الاستقرار في إدارة الولاية حال لم يستطع إرضاء كل هذه الجهات، وأشار إلى أن هذا الأمر يظهر بصورة أكثر وضوحاً في الوفود الكثيرة القادمة من الولايات بطلباتها، حيث يرغب كل وفد في إثبات كونه الجهة صاحبة الفضل على الوالي، مما يجعل اختيار الوالي عبر مؤسسات الولاية هو العلاج الشافي لهذا التغول، كما يحقق الاستقرار في الولاية. ويلفت الخير الانتباه إلى ضرورة أن تكون المجالس التشريعية في الولايات شريكاً أساسياً في اختيار الوالي عبر الانتخاب مما يسهم بشكل فعّال في استقرار الولاية، منبهاً إلى أن الوالي لا يمثّل المؤتمر الوطني فقط في الولاية المعنية وإنما هو ممثل لجميع مكونات الولاية المختلفة. ويرى الخير أن الطريقة التي تم الاتفاق عليها في اختيار الوالي عبر الانتخاب الحر المباشر ليس بالضرورة أن تتم بتصويت جميع أهل الولاية، حيث يمكن الاستعاضة عن ذلك بطرح انتخاب الوالي عبر المجلس التشريعي بالولاية. ويقول الخير إنه من الضروري معالجة السلبيات المتعلقة بالاصطفاف القبلي مع أو ضد الوالي عبر الممارسة وليس بالحرمان من ممارسة حق كفله الدستور لأهل الولايات، معتبراً ظهور سلبيات كالاصطفاف القبلي، أمراً طبيعياً في مثل هذه الحالة. ويخلص الخير إلى أن التعيين المباشر يجعل الوالي وكأنه ليس جزءاً من مكونات الولاية، نتيجة أن الولاية نفسها ليست طرفاً في تعيينه، مشيراً إلى أن من أبرز عيوب التعيين المباشر هو جعل الوالي أكثر ولاء للمركز بدلاً عن الولاية ومؤسساتها، مما يجعله أشبه بموظف في ديوان الحكم الاتحادي.

الانتخاب أو التعيين
من ناحيته، يحصر أستاذ العلوم السياسية د. صلاح الدومة رؤيته في اعتقاده بأن أفضل طريقة لاختيار الولاة هي عبر الانتخاب أو التعيين من رئيس الجمهورية لكن قبل ذلك يرى الدومة في حديثه لـ(الصيحة) أنه من الضروري وجود إرادة سياسية لحسم كل السلبيات التي صاحبت التجربة السابقة، بما فيها تفشي الفساد جراء غياب الإرادة السياسية التي يرى الدومة أنها لا تزال غائبة، مما يجعل لا معنى لوجود الولاة الذين يواجهون بصراعات المصالح من مختلف مكونات المؤتمر الوطني والولاية.

خطوة إيجابية
أما أستاذ الإدارة والحكم اللامركزي بجامعة بحري د. أبكر عمر أبكر، فيرى إن عملية اختيار الولاة عبر الانتخاب مضت في بداياتها دون الإشكالات التي أدت إلى إلغائها في (2015) بظهور كثير من السلبيات خاصة في الولايات التي تتعمق فيها الناحية القبلية وهذا نتيجة عدم وجود ضوابط ومعايير محددة لاختيار الوالي ما يفتح الشهية للصعود إلى منصب الوالي دون كفاءة وإنما من باب الاحتماء بالقبيلة التي أصبحت الملجأ بعد أن غاب التنافس بين التنظيمات. وأوضح أبكر في حديثه لـ(الصيحة) أن جميع المتنافسين على المنصب في تنظيم واحد ما يحد من معيار الكفاءة والقبول الجماهيري في مقابل معيار الانتماء القبلي.

وينظر د. أبكر إلى توصية مؤتمر الحوار الوطني بشأن اختيار الولاة بالانتخاب بأنه مسعى إيجابي من أجل تركيز المفهوم الديمقراطي في المجتمع، ويقول إن الخطوة مدخل جيد نظرياً لكن من جانب الممارسة فإنها تضع له معايير تنظيم قوية لتأطير طريقة الاختيار مما يعيد المشكلات التي أوجبت اختيار الولاة بالتعيين الذي خلق درجة من الانسجام والتوافق في بعض الولايات وفي بعض الولايات حدث العكس، ويختم أبكر قائلاً: “على العموم لا نستطيع الحكم بنجاح تجربة التعيين من عدمه لأنها لم تكمل فترتها المقررة لها بأربع سنوات وهي التي يمكن أن تظهر من خلال مؤشرات نجاح التجربة أو فشلها”.

يذكر أن عملية انتخاب الولاة أو تعيينهم واحد من أقوى أسباب المفاصلة التي وقعت داخل صفوف الإسلاميين والتي دار حولها صراع كبير فانحازت مجموعة من الإسلاميين إلى رئيس البرلمان وقتها د. حسن الترابي الذي ناصر الانتخاب، فيما تمسكت مجموعة القصر بقيادة الرئيس البشير بطريقة التعيين. وبعد هذه الواقعة بسنوات، تم إجراء تعديلات دستورية عاجلة تتعلق بالحكم اللامركزي، أجازها البرلمان، وذلك عندما دعا رئيس الجمهورية في خطابه في فاتحة آخر دورة للبرلمان التي سبقت انتخابات (2015)، لإجراء تعديلات دستورية للعودة لتعيين حكام الولايات بدلاً من انتخابهم الذي تم التوافق عليه في دستور (2005) تمشياً مع اتفاق السلام الشامل، وبرر الرئيس البشير في خطابه دعوته لهذا التعديل بأنه يأتي تفادياً لأخطار أمنية وحساسيات جهوية وقبلية بسبب انتخاب ولاة الولايات الذي نتجت عنه صراعات حادة إبان مؤتمرات الحزب الحاكم الخاصة باختيار مرشحيه لحكام الولايات والذي اعتبره الرئيس مهدداً للأمن القومي للبلاد.

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة