الطيب مصطفى

اللحظة الفارقة


نحن بين يدي لحظة مفصلية فارقة يتحتم علينا أن نبذل غاية الجهد في سبيل اتخاذ القرار الصحيح بشأنها مبتغين في ذلك أولاً رضوان ربنا سبحانه ثم تحقيق المصلحة الوطنية العليا بعيداً عن أي مكتسبات شخصية أو حزبية.

أقول ذلك على خلفية انعقاد مؤتمر الحوار المحدد له يوم غد العاشر من أكتوبر والذي تشتجر القوى السياسية حوله وتتعارك بين قادح ومادح وبين مشارك ومقاطع فأي الخيارين أولى بالاتباع يا ترى؟.

هناك دعوة من رئيس الجمهورية للقوى السياسية جميعها سواء تلك الموالية للحكومة وحزبها الحاكم أو المعارضة بما فيها الحركات الحاملة للسلاح لأن تشارك في مؤتمر عام بغية إيجاد حل للأزمة السودانية يتراضى عليه الجميع بما يعني أن الرئيس أقر بأن هناك أزمة سياسية خانقة ألقت بأثقالها على الوطن وعلى الشعب اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً تقتضي أن يتداعى الجميع لإيجاد حل يتوافقون عليه جميعاً عبر رؤية مشتركة تنقل البلاد إلى مربع جديد ينهي الاحتراب ويحقق السلام والحكم الراشد وفق مسار ديمقراطي.

لن أغرق في تفاصيل ما جرى من عراك وجدال وصراع واتفاق خلال الفترة الماضية منذ أن ابتدر الحوار قبل أكثر من عامين ولكني سأقفز إلى المشهد السياسي الحالي مباشرة لأبين أهم ما يحيط به من تحديات لأصل إلى ما أراه محققاً للمصلحة الوطنية العليا.

هناك تياران رئيسيان ، الحكومة وحزبها الحاكم والأحزاب المتوالية معها وتيار آخر هو المعارضة بأحزابها وحركاتها المسلحة وتتفاوت تلك الأحزاب في درجة قربها وبعدها من الحكومة وثقتها في مدى التزامها بما يتم الاتفاق عليه.

جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ أن انعقد الحوار لأول مرة قبل أكثر من عامين ووقعت خارطة طريق بين الحكومة والمعارضة المحاورة اتفق الجميع على أن تقود البلاد نحو التغيير السلمي الديمقراطي.

كذلك وقعت اتفاقية بين الآلية التنسيقية للحوار ممثلة بغازي صلاح الدين عن المعارضة وأحمد سعد عمر عن الحكومة وبين السيد الصادق المهدي والحركات المسلحة في أديس أبابا بدعم من الاتحاد الأفريقي ممثلاً برئيس الآلية الأفريقية ثابو إمبيكي.

بالرغم من أن وثيقة خارطة الطريق ووثيقة اتفاقية أديس أبابا جمعت معظم القوى السياسية بما فيها تلك الحاملة للسلاح، إلا أن الحوار تعثر نتيجة لبعض الخلافات التي حدثت بين الأطراف المختلفة المنخرطة وقتها في الحوار .

كنا في منبر السلام العادل من بين الأحزاب السياسية التي جمدت مشاركتها في الحوار احتجاجاً على ما نراه خرقاً لخارطة الطريق التي تم إقرارها من قبل الحكومة وأحزاب المعارضة المحاورة لكن القوى التي لم تنسحب من الحوار وأخص بالذكر المؤتمر الشعبي بزعامة المغفور له بإذن الله د.حسن الترابي وغيرها من الأحزاب والحركات المشاركة في لجان الحوار قدمت أوراقاً معتبرة خاصة في بندي نظام الحكم والحريات حظيت بموافقة معظم المشاركين في الحوار وخرجت تلك الأوراق المقدمة من المؤتمرين في توصيات ستجاز غداً خلال المؤتمر العام.

ما دعانا اليوم إلى الانخراط مرة أخرى في الحوار هو الخوف على مستقبل بلادنا التي نخشى أن تنزلق إلى حرب أهلية كالتي انزلقت فيها دول كانت آمنة مطمئنة في محيطنا الإقليمي ذلك أن السودان يعاني من هشاشة في بنيته الاجتماعية والسياسية سيما وأن الحكومة قد التزمت للتحالف الذي يضمنا مع آخرين (تحالف قوى المستقبل للتغيير) بإنفاذ المخرجات المتفق عليها والعمل على أن يكون الحوار شاملاً يضم القوى الممانعة بما يحقق السلام ويوقف الحرب وينقل بلادنا إلى مسار ديمقراطي حقيقي.

بالرغم من تقديرنا للأسباب التي جعلت الممانعين يرفضون الانضمام إلى مسار الحوار إلا أنني على المستوى الشخصي أفرق بين الأحزاب الراغبة في السلام وبين تلك التي اتخذت من البندقية وسيلة للتغيير ولكي أكون أكثر وضوحاً فإنّي أفرق ببن حزب الأمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي الذي ارتضى الحوار وانضم إليه من أول يوم رغم أنه غادره لاحقاً لأسباب معلومة وبين الحركة الشعبية (قطاع الشمال) بزعامة عرمان والحلو وعقار والتي أعلم يقيناً أنها لا ترضى بغير البندقية وبغير إسقاط النظام خياراً وهو ما أخشى وأحذر من أن يقود بلادنا إلى حريق كبير أرى نذره وميض نار تحت الرماد .

بالنسبة للحركتين الدارفوريتين جبريل ومناوي فإن حدسي يقول لي إنهما راغبتان في السلام الأمر الذي يدعونا إلى أن نطلب من الحكومة ومن المحاورين جميعا خلال المرحلة القادمة بذل الغالي والنفيس في سبيل إقناعهم للانخراط في الحوار والجنوح للسلام.

نعد بأن نلتزم بما تم التوافق عليه وبأن نبذل جهدنا في سبيل تحقيق الانتقال ببلادنا إلى بر الأمان بحول الله وقوته.

الصية