عالمية

«انتخابات الرئاسة الأمريكية»: بعد المناظرة الثانية.. هل تقترب نهاية ترامب؟


أسبوعٌ سئٌ قضاه المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب وأعضاء حملته، ما بين البحث عن إجابات وتبريرات تحسِّن صورته أمام الناخبين ووسائل الإعلام، وما بين تجهيزاتٍ واستعداداتٍ للمناظرة الرئاسية الثانية ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، والتي عقدت في جامعة واشنطن بمدينة سانت لويس الأمريكية منذ ساعات. وتأتي تلك المناظرة بعد تسريبٍ مسيء قديم خاص بترامب، وكان يسيء للنساء.

ومنذ نشر هذا التسريب، توالت توابعه شيئًا بعد الآخر، وهي جميعًا توابع لا تصب في مصلحة ترامب، وإنما تدينه، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز وتراجع شعبيته بشكلٍ كبير، وبداية تجميع الشواهد إلى جانب بعضها البعض، والتي تشير إلى بداية النهاية بالنسبة لترامب.

وفي هذا التقرير يمد ساسة بوست قُرَّاءه بأهم ما حدث في الأسبوع الماضي، بدايةً من التسريب، مرورًا بردود الفعل، ووصولًا إلى المناظرة الرئاسية الثانية لانتخابات 2016 بين دونالد ترامب، وهيلاري كلينتون.

التسريب

يرجع التسريب الذي تم نشره منذ يومين إلى عام 2005، حيث كان ترامب في حافلة ويتحدث مع بيلي بوش، الذي كان يعمل آنذاك ببرنامج أكسس هوليوود، ويبدو أن التسجيل تم بدون علمهما، وعثر فيه على أنه يتحدث بطريقة مهينة عن النساء، ويتكلم عن قيامه بانتهاكاتٍ جنسية بحقهنّْ، وهروبه من المساءلة لأنه «نجم»، حيث قال ترامب: «حين تكون نجما، يدعنك تفعلها؛ تمسكهن بأعضائهن.. يمكنك القيام بأي شيء».

اعترف ترامب بصحة التسريب، والذي كانت قد حصلت عليه صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، واضطر إلى تقديم اعتذار مصوَّر في فيديو آخر، وذلك بعد ساعاتٍ من نشر هذا التسريب.

وقال ترامب في فيديو الاعتذار، والذي قام بتسجيله أمام برج ترامب في مانهاتن بيويورك، أنه يعترف بهذا التسجيل، حيث قال: «قلت ذلك، كنت مخطئا وأعتذر»، مشيرًا إلى أنه: «أتعهد بأن أكون رجلا أفضل غدًا» واصفًا هذا الجدل حول التسريب بأنه وسيلة لتحويل الاهتمام عن الانتخابات، غير أنه في هذه اللحظة قرر أن يحول حديثه ليتحدث عن الرئيس السابق بيل كلينتون، زوج المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، مبررًا ذلك بأنه قال حماقات، ولكن هناك آخرين – يقصد بيل كلنتون – قاموا بأفعال؛ حيث اتهم ترامب بيل كلينتون بأنه «أساء فعليا معاملة نساء، وهيلاري قامت بمضايقة ضحاياه ومهاجمتهن وإهانتهن وتخويفهن». واختتم هذا الفيديو بأنه سيتحدث أكثر بخصوص هذا الشأن في المناظرة.

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يعتذر فيها ترامب صراحةً عن تصريحاتٍ مسيئة له؛ حيث كان يعمد في السابق إما إلى تبريرها والدفاع عنها ومهاجمة منتقديه، أو التنصل منها مدعيًا أنها لم تصدر عنه من الأساس.

ردود أفعال مُندِّدة

ارتفعت الأصوات المنتقدة للتسريب وما يحتويه من الطرفين؛ الحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري، الذي تبرأ من كلمات ترامب. وقالت مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، تعليقًا على التسريب: «إنه شيءٌ مريع. لا يمكننا السماح لذلك الرجل بأن يصبح رئيسًا»، بينما صرَّح نائب كلينتون، السيناتور تيم كاين في تصريح صحفي للمراسلين أثناء جولته في لاس فيجاس بأن: «هذا الفعل مقزز، ويشعرني بالغثيان».

ومن ضمن ردود الأفعال من داخل الحزب الجمهوري الذي ينتمي له ترامب، قال رئيس مجلس النواب الأمريكي، بول ريان، في بيانٍ له، بأنه «يشعر بالاشمئزاز» مما قاله ترامب، وأضاف ريان، الذي يعتبر أكثر الشخصيات الجمهورية شعبية: «يجب الدفاع عن النساء وتبجيلهن، وأتمنى أن يعمل ترامب هذا الموقف بالجدية التي يستحقها، ويعمل على أن يثبت للبلاد أن لديه احترامًا أكبر للنساء عما يشير إليه ذلك المقطع»، واختتم ريان بيانه مشيرًا إلى أن ترامب لن يظهر معه في المؤتمر الانتخابي يوم السبت بولاية ويسكونسن. وأصدر ترامب إعلانًا بعد هذا البيان بعدة دقائق يشير فيه إلى أن زميله في السباق الرئاسي، حاكم ولاية إنديانا، مايك بنس، سوف يمثله في مؤتمر ويسكونسن.

وقال المرشح الجمهوري السابق ميت رومني، وهو أحد المنتقدين لترامب، على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: «محاولة إقامة علاقة مع نساء متزوجات؟ التبرير لاعتداء؟ مثل تلك الإساءات تحط من قدر زوجاتنا وبناتنا وتشوه وجه الولايات المتحدة أمام العالم».

وقال أيضًا المرشح الجمهوري السابق، جيب بوش، بأنه ليس هناك اعتذار يمكنه أن يبرر ما قاله ترامب. وأعلن رئيس لجنة الإصلاح الحكومي في مجلس النواب جاسون شافيز سحبه دعم ترامب في انتخابات الرئاسة ودعا الحزب لإعادة النظر في ترشيحه بعد فضيحة الفيديو الجديد. وانتقد التسريب آخرين مثل السيناتور كيلي آيوت، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، ورئيس اللجنة القومية للحزب الجمهوري رينس بريبس، والذي يُعرف بدعمه الكبير لترامب، حيث قال في بيانٍ له: «ما قاله ترامب بغيض، ولا ينبغي أبدًا وصف أي امرأة بتلك الألفاظ أو الحديث عنها على ذلك النحو، أبدًا».

المناظرة الثانية: تراجع لترامب.. بلا فائز

استقبلت جامعة واشنطن بمدينة سانت لويس في ولاية ميسوري المناظرة الرئاسية الثانية بين المرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري دونالد ترامب. أدار المناظرة «مارثا راداتز» مذيعة شبكة ABC و«أندرسون كوبر» مذيع شبكة CNN. وجاءت المناظرة بعد أسبوع سيء لترامب وحملته بعد انسحاب العديدين عن تأييده بعد انتشار تسريبه الأخير، ولذلك كانت المناظرة أكثر أهمية لترامب من كلينتون.

المناظرة من بدايتها كانت متوترة بعدما اكتفى المرشحان بهزة رأس خفيفة، ثم تواصل «القصف» بين المرشحين منذ السؤال الأول الذي دار حول مدى تأثير السباق الانتخابي بما صحبه من حملة إهانة وتصريحات غير لائقة على الأجيال الصغيرة وهل يمثل المرشحان قدوة للشباب. كلينتون كانت أكثر هدوءًا من ترامب الذي كان يجول على المنصة أحمر الوجه. وبينما كانت أغلب إجابات ترامب هجوم على كلينتون حتى على مسائل لم يكن لها دخل بها فإن كلينتون وضحت الكثير من النقاط بخصوص مشروعها بخصوص مسائل كسوريا والطاقة والضرائب والرعاية الصحية بينما لم يستطع مديرا المناظرة أن ينتزعا إجابة حقيقية على أي من أسئلتهما من ترامب.

مواقف المرشحين لم تتغير كثيرًا عن المعلن عنهما وما جاء على لسانيهما في المناظرة الأولى. ولكن كلينتون عمدت إلى استخدام ورقة روسيا بقوة هذه المرة. ففي البداية أكدت أن روسيا التي تتهمها المخابرات المركزية الأمريكية باختراق بيانات الحزب الديمقراطي وذلك لآنهم يريدون أن يصل ترامب للرئاسة. كما عمدت على اتهام روسيا ونظام بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب عند سؤالها عن الوضع المأساوي في مدينة حلب. وعادت كلينتون قبل نهاية المناظرة وأكدت أن ترامب هو مرشح الروس المفضل.

كلينتون استخدمت أيضاً ورقة عدم كشف ترامب عن مراجعاته الضريبية حتى الآن. ترامب من جانبه استدعى موضوع البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري أكثر من مرة خلال المناظرة حتى في أسئلة عن موضوعات مختلفة تماماً. هدف كلينتون من المناظرة كان واضحاً، التأكيد على المكاسب التي حصلت عليها بعد المناظرة الأولى واكتساب المزيد من أصوات الناخبين «المتأرجحين» الذين لم يحددوا من سيأيدون من المرشحين بعد ووسعت من دائرة حديثها فتكلمت كثيراً عما فعلته طوال ثلاثين عاماً من العمل العام وركزت على خدمة العائلات والأطفال.

ترامب دخل المناظرة بهدف استعادة ثقة الكثيرين ممن انسحبوا من حوله ولكنه لم يحرز نجاحًا كبيرًا في هذا الشأن بل إنه ربما يكون قد خسر رفيقه نفسه، مايك سبينس، بعدما أجاب على سؤال أندرسون كوبر حول اختلاف وجهة نظر بينس عن ترامب فيما يخص سوريا فقال بأنه لم يتحدث مع بينس في تلك المسألة وأنه يخالف بينس الرأي.

ترامب يهدد ويهين كلينتون

دونالد ترامب عمد إلى إهانة هيلاري، فقبل المناظرة مباشرة عقد مؤتمرًا مع سيدات اتهمن بيل كلينتون بالتحرش أو الاغتصاب ولكنهنّ تراجعوا سابقًا عن تلك الاتهامات. خلال المناظرة نفسها هدد ترامب منافسته بأنه في حالة وصوله للبيت الأبيض فإنه سيقوم بتعيين قاضي تحقيقات خاص للتحقيق في قضية البريد الإلكتروني الخاص بها وسجنها. لم يحدث من قبل في تاريخ الولايات المتحدة أن هدد أحد المرشحين الآخر بالسجن في حالة هزيمته.

ترامب لم يطمئن المسلمين كذلك بعدما أجاب على سؤال حول تصاعد حالة الإسلاموفوبيا بأن هناك مشاكل مع المسلمين وعليهم الإبلاغ عن المشاكل التي يرونها مثل حادث سان برناردينو في اتهام صريح للمسلمين الأمريكيين بالمداراة على مرتكبي الجرائم الإرهابية. كلينتون وصفت تصريحات ترامب عن المسلمين بأنها هدية لداعش وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تستخدم خطاب الكراهية الذي يبثه ترامب لتجنيد المزيد للانضمام لصفوفها.

المناظرة تعرضت لموضوعات أخرى مثل الضرائب، نظام التأمين الصحي، تعيين القضاة في المحكمة العليا، المهاجرين واللاجئين، الطاقة والبدائل النظيفة للطاقة. وبينما أجابت كلينتون إجابات مباشرة عن أغلب تلك النقاط فإن ترامب لم يجب عن معظمها ولجأ إلى مهاجمة كلينتون.

المناظرة الثانية تأتي بدون فائز نظرياً، ولكن عملياً فإنها حافظت لهيلاري على مكاسبها وتقدمها وأضافت إليها المزيد من أصوات الناخبين المتأرجحين، بينما لم يحقق ترامب أي مكاسب وربما يكون قد أحدث شقاقاً بينه وبين المرشح على منصب نائب الرئيس برفقته مايك بينس. كما أنه لم يستطع إقناع المتابعين بما قاله بخصوص التصريحات التي سربت له والتي أثارت الكثير من الغضب حتى وسط أوساط الجمهوريين.

المناظرة الثالثة والأخيرة ستُعقَد في جامعة نيفادا بلاس فيجاس يوم التاسع عشر من أكتوبر الجاري ويديرها كريس والاس، مذيع شبكة «فوكس».

شعبية ترامب في تراجع

زاد الفارق بين المرشحين في سباق الانتخابات الأمريكية، حيث أنه بعد أن كان الفارق لصالح هيلاري كلينتون هو 4% فقط، زادت الفجوة بينهما بعد المناظرة الثانية ليقترب من 7%. حيث تشير معظم استطلاعات الرأي المختلفة إلى أن نسبة فوز كلينتون في الانتخابات وصلت إلى 48.1%، بينما تراجع ترامب لتصل نسب فوزه إلى 41.8%، وتبقى النسبة الباقية من الأصوات لمن لم يقرروا أي المرشحين هو من سيحظى بأصواتهم في الانتخابات.

كما أصدرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها بعد كل مناظرة، والتي أشارت إلى تقدم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، لتصل نسبة فوزها في الانتخابات إلى 84%، بينما تراجعت نسبة فوز دونالد ترامب لتصل إلى 16% فقط. وتجري الصحيفة، بالتعاون مع عدة صحف ومؤسسات إعلامية أخرى استطلاعات للرأي، مع تحليلها إحصائيًا لتعبر عن رأي الشارع الأمريكي، وتشير كل هذه الصحف والمؤسسات بتقدم كلينتون على ترامب في الاستطلاعات المختلفة بنسب مختلفة.

ساسة بوست