الصادق الرزيقي

لحظة عروج نحو المجد ..


لم يترك يوم أمس 10/10/2016م في قاعة الصداقة بالخرطوم، بحشده وحضوره بجماله ..بزهوه بشموله برجاله.. وبسطوعه المشع بنسائه وظلاله، وهو يختال في أروقة الزمن يحلق في فضاء تاريخنا العريض، لم يترك هذا اليوم وصفاً لواصف، ولا كلمة لمتكلم، ولا رواية لراوٍ، فكل شيء فيه كان لا يدركه خيال الشعراء ولو كان يرتاد الثريا ..! > هو يوم من أيام التاريخ الخالدات، سطر فيها شعبنا العملاق ملحمة جديدة وكتب في صفحات الزمن درسا ًبليغاً لغيره من الشعوب يلهمها كيف يكون طريق النجاة والخلاص من الماضي بآلامه ومراراته والدماء المسفوحة بفعل الانقسامات والحروب والخصام السياسي .. > هو يوم فتحنا فيه مشكاة تطل على الغد والمستقبل، والرجاءات كانت تنمو وتطول سيقانها، والانتظارات الطويلة من أجل نهاية سعيدة لما يبرح الوطن كانت تطوقنا من كل جانب ومكان، لكن يوم أمس أهال التراب على ماضٍ كئيب، وفتح باباً على مدىً رحيب ..فيه تجتمع الإرادة الوطنية لتختار خياراتها، وتلتقي فيه التطلعات المشروعة لتنتخب مساراتها، وتؤسس وطناً في قلب الوطن، يسع الجميع، وتسمو مناراته فوق كل الجراح كأنه شمس تنشر رداءها في كل صباح . > كان يوم أمس تاريخا ًيكتب بأقلام من بهاء على صفحات صيغت من وهج النجوم، لم يكن السودان في حاجة إلى أكثر من نفض الغبار عن قلوب أبنائه وهو في خصامهم السياسي غارقون تائهون، ولم يكن ليحتاج إلى أكثر من مبادرة صادقة قوية نابعة من القلب ليجتمع أبناؤه عليها، ليتشاوروا ويتدارسوا أمرهم ثم يقرروا بإرادتهم الحرة ماذا يريدون لوطنهم وماذا يطلبون من أجل أن يبقى قوياً وشامخاً وسامقا ًكما الجبال .. > جاء أشقاء السودان وجيرانه وأصدقاؤه من كل حدب وصوب وفج، من أقاصي الدنيا وأدناها إليه، كلهم استدفأ بهم يوم السودان الخالد، ضمهم إليه، نثر عبيره عليهم، كان حضورا ًعلى عتبة وطن تتشكَّل أيامه القادمات ويصنع مستقبله من بين دم الخلافات وفرث الشقاقات الحزبية والسياسية التي تطاولت من ستين عاماً بلا فائدة . > كان وجود قادة الدول الشقيقة والصديقة في الخرطوم أمس لحضور الجلسة الختامية للحوار الوطني وليكونوا شهوداً على توقيع الوثيقة الوطنية، هو الحدث الأكثر دلالة ولا يعني غير شيء واحد وقد جاء في كلماتهم أنهم سيدعمون الحوار الوطني والسودان في طريقه المفضي إلى استقراره وسلامه. > يعني أنهم سيغلقون الأبواب الى الأبد أمام كل عمل يستهدف السودان ويسعى لإضعافه أو النيل منه، وهم بذلك في بلدانهم لن يأووا أي متمرد أو حركة مسلحة أو حزب أو مجموعة تعمل من أجل التخريب والتدمير والحرب وإشعال نيرانها داخل البلاد . > يعني أنهم يقفون مع هذه المبادرة الوطنية السودانية الخالصة من أجل استمرارها ونجاحها، وسيحثون الآخرين من أجل نجاحها، سيبشرون بها ويستلهمون منها، ويعلقونها كالتميمة في رقبة قارتنا السمراء وفي جيد أمتنا العربية، لعل ما بها يفيد وما ينتج عنها يصبح صالحا ًللتطبيق في كل مكان وشبر من أصقاع عالمنا الإفريقي والعربي . > ويعني عندهم أن السودان الذي جمعهم ليكونوا حضوراً ..سيكون قوياً منيعاً عزيزا ًوذخراً لقارته التي ما خذلته ولعالمه العربي الذي وقف معه في كل ساعات العسرة والتماس النصرة، فالسودان اليوم مُحصَّن ومُصان بأشقائه وأصدقائه وجيرانه، فلا مكان لمعتدٍ أثيم ولا مجال لمخرب مرتزق أو متمرد مأجور . اذا كانت هذه هي معاني مشاركة الرؤساء والقادة أمس، فإن الخرطوم بادلت ذات المشاعر والمعاني، فالرئيس إدريس دبي اتنو رئيس جمهورية تشاد رئيس الاتحاد الإفريقي وهو أكثر من أخ وجار، فتشاد والسودان شعب واحد في بلدين، والرئيس محمد ولد عبد العزيز رئيس جمهورية موريتانيا الإسلامية رئيس الجامعة العربية لهذه الدورة وهو صاحب مكانة عزيزة في نفس السودانيين، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتعني مصر للسودان الكثير فهي أخت شقيقة وجارة يربطنا بها التاريخ والنيل وعلاقات لا تنفصم، والرئيس يوري موسفيني الذي أقبل على السودان بعد سنوات من الجفاء ووقف موقفاً مشرفا ًباسم بلاده والقارة الإفريقية ضد المحكمة الجنائية الدولية. هؤلاء القادة شهدوا ميلاد حقبة جديدة في السودان، وكلنا كنا على موعد مع التاريخ، وبلدنا يصعد عروجاً الى سماء الاستقرار والسلام والمجد ..

الانتباهة