تحقيقات وتقارير

فوضى النقل.. مركبات بلوحات مجهولة تتسيد الخطوط.. السلامة في خطر


لا يزال البعض يتذكر مشهد (الكمسنجي) الذي يحمل ورقة في يده يدون عليها أرقام لوحات المركبات وفقا لأسبقيتها بدخول موقف النقل العام.. صارت مثل هذه المشاهدات من بقايا الماضي.
الحقيقة أن مواقف المواصلات تم تعويمها بالمرة، وما عاد المواطن يذهب لمحطة بعينها من أجل استقلال المركبات العامة لوجهته، كما كان يحدث سابقاً، عندما كان لكل جهة مسار محدد بعلامات وأرقام داخل الموقف الواحد، بل بات الأمر شبيهاً بلعب الأطفال.. كل سائق يقف في المكان المريح بالنسبة له وكل (كمسنجي) لديه صلاحيات باستحداث موقف خاص به يجمع فيه ما يشاء من مركبات النقل العام، يحدد وجهتها وتعريفة نقلها.

نصف المأساة
تمثل قضية المواصلات نصف مأساة سكان ولاية الخرطوم ولن يكابر أحد لينفي وجود مصالح شخصية تقف خلف الأزمة برمتها، فخلو المواقف من المركبات العامة لم يحدث من فراغ، إنما تم بواسطة أياد أرادت ملء جيوب محددة بالجنيهات كما وصفها مولانا بابكر أحمد علي قشي رئيس لجنة التحصيل غير القانوني الذي كشف عن مبلغ يتراوح بين (8-11) مليار جنيه يتم تحصيله شهريا خارج إطاره القانوني ليذهب لجيوب أشخاص. وأقرَّ قشي بوجود جهات تتحصل رسوما من المواصلات علانية في المواقف العامة رغم صدور قرار يُجرم تحصيل أي مبالغ غير مجازة من المجلس التشريعي وبإيصال إلكتروني، لكن لا قانون ولا أجهزة الدولة الرسمية كافة استطاعت ردع المتحصلين غير القانونيين لشدة سطوتهم وقوة نفوذهم كما يتضح من شكوى مولانا قشي، المؤسف أن هؤلاء المتحصلين للأموال غير القانونية استطاعوا دفع المركبات للخروج من مساراتها المخصصة لها داخل المواقف العامة من أجل فرض تعريفة جديدة تناسب أطماعهم الشخصية ونهمهم لجمع الأموال السائبة.. وقد تمكنوا من تنفيذ إرادتهم رغم أنف خطوط اتصال مولانا بابكر قشي الثلاثة التي قال إنه خصصها للمواطنين لسماع شكواهم.

السائب يعلم السرقة
لن نطلب من أحد التضامن مع مولانا بابكر أحمد علي قشي في شكواه من عدم تنفيذ قراره القاضي بمنع تحصيل رسوم خارج الإطار القانوني، فقط أشرنا لها ليعلم مولانا قشي أن المواطنين يحسون بضعف آليات تنفيذ قراراته، وأن خطوط هاتفه التي خصصها لم تجد نفعا.. والمهم أن بعثرة المركبات من مواقفها المخصصة لها وعدم وجود رقابة عليها أفرز قضايا أمنية لا تقل أهمية عن فوضى إلغاء التعريفة الرسمية بحسب (سوسن عبيد) طالبة بإحدى الجامعات الحكومية بالخرطوم، حيث أشارت سوسن إلى خطورة وجود مركبات تحمل لوحات دول مجاورة مثل ليبيا تعمل في نقل المواطنين، وأبدت تخوفها من أن مثل هذه المركبات غير المسجلة داخل السودان وغير معروفة الجهة أو الصاحب، يمكن أن تستخدمها عصابات مجرمة في تنفيذ مخططات خطف أو نهب مسلح، خاصة وأنها تعمل في النقل لجهات طرفية مثل أمبدة وأطراف أمدرمان. واستدركت سوسن عبيد بأن وجود مركبات مجهولة تعمل في نقل المواطنين تمثل خطورة كبيرة على الأمن والسلم. ورأت من الضرورة بمكان منعها من العمل في خطوط النقل العام بأسرع وقت، والتحفظ عليها قبل حدوث مكروه لأحد. وأكدت عدم منطقية أن تسمح الدولة بمثل هذه الفوضى في النقل لدرجة أن يضطر المواطن للمخاطرة بركوب مركبة ليست معروفة وغير مؤمن عليها مما يعرض حياته للخطر بعدة طرق معروفة ومتوقعة الحدوث.

رعب أسري
تجاوز المواطن قضية انعدام المواصلات ومضاعفة تعريفتها بواسطة (الكمسنجية)، حين لاحت أمامه ظاهرة انتشار المركبات المجهولة في مواقف المواصلات، كما يصفها عيسى مبارك يسكن الحارة (38) أمبدة، فالأولى أهون قدرا ما دام المواطن لا يشعر بالخطر، ولكن أن تظهر مركبات بلوحات أجنبية، فهذا هو الخطر الحقيقي على سلامة المواطن. ويعترف عيسى، وهو أب لبنت تدرس بإحدى الجامعات، بأنه حذَّر ابنته من الصعود لأي مركبة تحمل لوحات غير سودانية. وأقر أن هذه الطريقة ليست كافية لسلامة الراكب ما دام المتنافسون على رسوم التحصيل أجبروا المركبات على الخروج من المواقف، وبالتالي صارت المركبة مجهولة حتى (للكمسجني) الذي يتولى شحنها بالركاب عكس ما كان متعارفاً عليه سابقاً حين كانت كل مركبة تخرج من الموقف يكون الكمسنجي سجل رقم لوحتها بطرفه.

الخرطوم – محمد عبد الباقي
صحيفة اليوم التالي