عالمية

مصر.. لا زيت أو سُكر في بقالات هذه المدينة


تحاول لميس عبد الراضي، المرأة الثلاثينية، وربة المنزل، الاهتمام بزوجها وأطفالها الثلاث، وعدم إنقاص طلباتهم، لكن أزمات التموين وسوق الغذاء المصري، لا تدع لها فرصة للقيام بذلك على أكمل وجه. تقول عبد الراضي التي تعيش في منطقة الزاوية الحمراء، بالقاهرة: «في منطقة الزاوية الحمراء، لا يوجد بقّال لديه كيس سكّر ليبيعه، سواء المجمّعات الاستهلاكية أو المنافذ التجارية».

مشكلة لميس، تشابهت مع مشكلة هيام أحمد، السيدة الستينية، التي أبدت امتعاضها حين أخبرتها ابنتها، وهي تأتي لها بالتموين، في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، أن لكل بطاقة تموينية كيس سكر واحدًا فقط. تتساءل السيدة هيام، قائلة: «إحنا داخلين على موسم، كيف سأصنع الحلوى التي يُحبها أحفادي وأبنائي؟ كيف ستعيش أسر أبنائي؟».

أزمة تناقص السكّر في السوق المصرية وغلاء أسعاره التي وصلت إلى 10 جنيهات، بدأت الشهر الماضي، حين تفاجأ المواطنون المصريون، بنفاذ السكر من الأسواق فجأة، حينها ترددت أصوات حكومية، مُؤكدة على أن الأزمة ستنتهي قريبًا، ومُوجهة أصابع الاتهام لما وصفته بـ«جشع التجار».

ونقلت صحيفة الوطن المصرية، في تقرير رصدت فيه أزمة السلع التموينية بعدد من المحافظات، أن اشتباكات نشبت بين الأهالي والمسؤولين عن بيع السلع التموينية لمستحقيها؛ بسبب توقف صرف المقدرات الشهرية من السلع التموينية، والتي وصل العجز فيها إلى 100% نقص في الأرز، و80% نقص في السكر، وعدم توفر الزيت في محافظة الإسكندرية.

ورصد التقرير أيضًا ضبط مديرية أمن السويس، لـ500 كيلوجرام سكّر مُدعّم، خزّنته صاحبة محل تموين بغرض إعادة بيعه في السوق السوداء، استغلالًا للأزمة.

ووصلت الأزمة التي ضربت محافظة السويس، إلى إصدار قرار من النيابة العامة بالإفراج عن 300 طن سكّر سبق ضبطها مع تجّار السوق السوداء، ليعاد بيعها في المجمّعات الاستهلاكية بسعر خمسة جنيهات للكيلوجرام الواحد.

نظام التموين

يؤكد ماجد النادي، المتحدث باسم نقابة بدّالين السلع التموينية (المسؤولين عن البيع في منافذ التموين)، وجود نقص كبير في السلع التموينية هذا الشهر، ويقول النادي: «النقص كبير، ولا نستطيع السيطرة عليه، المواطن يأتينا يريد الشراء بكل نصيبه من الدعم سكّر أو أرز لأنه يسمع إشاعات عن شحّه، وبحسب النظام الجديد للتموين فنحن لا نستطيع منعه».

ومنذ عام 2014، تغير نظام التموين الذي يدعم ملايين المصريين بالسلع الغذائية الأساسية، بعد أن كان يعمل على إمداد كل أسرة بكميات معينة من كل سلعة غذائية أساسية، ليكون النظام أكثر تنوعًا، حيث يتوفر في منفذ السلع التموينية أكثر من سلعة، وبأكثر من سعر، والمواطن من حقه اختيار السلع التي يحتاجها، بحسب حجم الدعم المتوفر له.

وأضاف النادي في حديثه لـ«ساسة بوست»، أن النظام الجديد خلق مشكلةً لدى تجّار التموين: «لا نعلم حجم ما علينا توفيره في المنافذ المختلفة»، مُعلقًا على حادثة الإسكندرية: «لا يوجد بدال تموين لم يتعرّض لمشكلة بسبب الأزمة الأخير ة، هناك بدّالون أغلقوا المنافذ بسبب عدم وجود سكّر أو أرز، خوفًا من الاحتكاك بالمواطنين».

قرار تعويم الجنيه

يقول طارق طنطاوي، رئيس شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية، لـ«ساسة بوست»، إن التخبط بخصوص قرار تعويم الجنيه، تسبب في ارتباك كبير في السوق، بخاصةٍ سوق الأغذية والسكّر الذي تعتمد مصر في توفير جزء كبير من احتياجها منه على الاستيراد، مُضيفًا: «التجّار يلجؤون إلى تخزين ما لديهم من أرز وزيت وسكّر حتى تستقر الحكومة من ناحية تعويم الجنيه، لأن قرار تعويمه بالطبع سيغيّر كثيرًا في الأسعار».

وأوضح طنطاوي أن ثمّة عجزًا في المجمعات الاستهلاكية، ومنافذ البيع في السلع الرئيسية، وأن الرقابة لا يُمكنها أن تُغيّر الكثير من الوضع.

من وجهة نظر طنطاوي، أن حل الأزمة هو «إصدار الحكومة قرار تعويم الجنيه، سواء بشكل تدريجي، أو بشكلٍ كامل، أو أن يظهر مسؤول حكومي، لينفي نية الحكومة اتخاذ قرار تعويم الجنيه في الفترة الحالية».

من جانبه، أيّد مصطفى السعدني، أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة دمنهور، رؤية طارق طنطاوي، مرجحًا أن سبب الأزمة الحالية في السلع الأساسية في مصر هو «جشع التجار»، الذين قال إنّهم «يفضّلون تخزين السلع مع حالة الارتباك الموجودة في السوق مع ضعف الرقابة على عملية البيع والشراء في مصر، لرفع أسعار السلع الغذائية ليستفيدوا أكبر استفادة ممكنة ممّا يملكون من مواد».

ولا تُعد أزمة السكّر والسلع التموينية التي تمر بها مصر، الأزمة الأولى، ففي مايو (أيار ) الماضي، عانت البلاد من أزمة في الأرز الذي يُنتج محليًّا بمتوسط 104%، أي أن مصر لا تحتاج إلى استيراده، فقد قرر وزير التموين وقتها، خالد حنفي، استيراد 180 ألف طن لكفاية حاجات السوق المصري.

مصر لا تساعد الإنتاج المحلي

«كان إنتاجنا من السكر يصل إلى ثلثي احتياجات مصر طول السنة، بواقع مليوني طن، الإنتاج من سكر القصب والبنجر سويًا اليوم لا يتخطى المليون طن»، هكذا يشرح فريد واصل، نقيب الفلاحين المصريين، الوضع الإنتاجي للسلع محل المشكلة. ويقول واصل، إن «إهمال الحكومة للقطاع الزراعي يجعل الفلاحين يعزفون عن الزراعة».

هذا الإهمال، بحسب واصل، لا يقف عند السلع الإستراتيجية فقط: «كمزارع كنت أعمل على زراعة المحاصيل البستانية، كالفواكه وغيرها، توقفت عن ذلك لصالح زراعة اللب؛ لأن سعره مضمون»، مُضيفًا أنّ كثيرًا من مزارعي صعيد مصر، والذين كبروا وتربوا على زراعة القصب قد تركوه لصالح محاصيل أخرى أكثر ربحية».

ويُرجع واصل الأزمة الحالية إلى فشل سياسات الحكومة في تشجيع الفلاحين المصريين على زراعة المحاصيل الأساسية، وتوريدها للحكومة: «الحكومة تحاسب الفلاحين بالأسعار العالمية إذا كانت منخفضة، وإذا زادت تتعلل بمشاكل التمويل والاقتصاد لتحاسب الفلاح بسعر أقل»، مُوضحًا: «الفلاح في الخارج يتم دعمه وتشجيعه على زراعة المحاصيل ذات الفائدة في الدولة، هذا لا يحدث في مصر».

ولفت طارق طنطاوي، رئيس شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية، إلى أنّ الحكومة المصرية، حددت سعر أرز الشعير، بـ2400 جنيه للطن الواحد، لكن المورّدين من الفلاحين أو التجّار الوسطاء، ورّدوا أقل بكثير مما تم زراعته، اعتراضًا منهم على السعر، مُوضحًا أن مثل هذا يحدث أيضًا مع ما تنتجه مصر محليًّا من السكر، فيما يخضع الجزء المُستورد لمشكلات السوق.

توصل «ساسة بوست» مع أحمد كمال، معاون وزير التموين، والمسؤول عن ملف أزمة نقص السلع التموينية في المجمعات الاستهلاكية، لاستيضاح أسباب الأزمة، وخُطة الوزارة للتعامل معها، فقال إنّ الأزمة بدأت مع صعوبة استيراد الكميات التي لا يوفرها الإنتاج المحلي، بسبب غلاء أسعار السكّر عالميًّا، ونقص الاعتمادات الدولارية لدى المستوردين، الأمر الذي شجع التجّار المحليين على إخفاء جزءٍ من كميات السكر المتوفرة لديهم لرفع سعره، الأمر الذي سيعود عليهم بالربح في النهاية، على حد قوله.

وأضاف كامل أن الوزارة «توفر احتياطيًّا إستراتيجيًّا للسلع المهمّة، يكفيها لمدد طويلة، فالرئيس كلّف الحكومة بتوفير احتياطي إستراتيجي من السلع لمدة 6 أشهر، وكوزارة التموين فنحن نحتاج من السكر 120 طنًّا كل شهر يتم ضخّه في المجمّعات الاستهلاكية».

وزعم كامل أن الوزارة اهتمت بتوفير السكر للقطاع الخاص أيضًا، فضلًا عن مراقبة الأسواق، وضخ كميات أكبر من السكر، ومراقبة أسعارها حتى انتهاء الأزمة، ومع ذلك فقد رفض تسمية مدة محددة لانتهاء أزمة السلع التموينية، لكنه شدد على أن «إجراءات حل الأزمة، ستنفذ قريبًا، وبالتالي فإن حلها لن يأخذ وقتًا طويلًا».

ساسة بوست