الصادق الرزيقي

ملامح التغيير ..


ما شهدناه بالأمس في الساحة الخضراء من تدافع جماهيري ضخم، لم نشهده لسنوات طويلة، ذكَّرنا بأيام الإنقاذ وهبتها الأولى، لهو أبلغ دليل على أن السودان بالفعل مقبل على تحولات إيجابية كبرى، تجديداً للأفكار والمفاهيم وعودة ظافرة للوعي والروح إلى جسد حسبناه تراخى أو مات في مرقده، لكن خروج جماهير ولاية الخرطوم وحماسها وكل قطاعات وشرائح الشعب يوم أمس، يجعلنا نوقن أن بلدنا موعودة بالاستقرار والسلام والطمأنينة والأمان، وستخرج من الوحول والرمال المتحركة الى فضاء فسيح من التوافق والتعاضد والوئام الوطني الكبير .. > فالجماهير التي تخرج بهذا الحجم لا تخادع نفسها ولا يمكن إغواءها وجمعها بمال أو إغراء أو ترغيب، وقد فات زمان تحشيد الناس عن طريق الترغيب والترهيب، فمن خرج خرج عن قناعة ومن احتفل بالأمس اختار الغد والمستقبل وراهن على حقيقة صغيرة وهي أن ما تم إنجازه في الحوار الوطني وما توافق عليه أهل السودان، هو المخرج الوحيد من الراهن بكل إشكالاته ومعضلاته وعقباته، وهو الطريق الأوحد المتبقي من بين الطرق الملغومة الملأى بالأشواك والنتوءات والصخور والحفر والمطبات والعبوات الناسفة .. > ما تختاره الجماهير طواعية هو الصحيح دائماً، فهي لا تجتمع على ضلالة المسعى والخبال، ولا تلتقي لقاء المغنم والمكسب، فجماهير ولاية الخرطوم قالت كلمتها الداوية أمس، كما كان عهدها، لأنها كانت واعية ومدركة ماذا يعني الحوار المفضي الى الاستقرار وبناء الوطن والتوافق بين أهله والمضي به الى الذرى الشم كسائر البلدان التي نهضت وشقت طريقها بقوة الى غاياتها. > لن يتجادل اثنان في أن المرحلة المقبلة من أهم المراحل في تاريخ السودان، فقد بدأت ملامح التغيير ومنظومته ظاهرة للعيان وشاخصة الأبصار والالباب في خطاب السيد رئيس الجمهورية في الجلسة الختامية للحوار الوطني، فما سيتخذ من إجراءات وقرارات في الفترة القريبة المقبلة تنفيذا ًلمخرجات المؤتمر وتطبيقاً للوثيقة الوطنية، هو تحول حقيقي وانقلاب مفاهيمي شامل سيمضي كالتيار الجارف لا يتوقف خاصة أن قواعد اللعبة السياسية في طريقها للتغير منذ الأمس، وستنهض في البلاد حقبة أخرى تقوم على الانفتاح والإصلاح السياسي مع بناء دستوري جديد . > من المفرح حقاً إنه في حال مضينا بقوة في إنفاذ ما توافق عليه الناس في الحوار الوطني، وحدث تطور كبير في المشهد السياسي وعادت الروح والقوة الى الممارسة الحزبية ونشطت وحمي وطيس تنافسها، فإن الولاءات التحتية والروابط الدنيا التي تقوم على القبلية والمناطقية والأعراق وغيرها من الولاءات غير المنتجة ستنتهي، وسيعود السودانيون الى ولاءات حديثة وسليمة، هي الولاء للفكرة والموقف السياسي والآراء السليمة بعد سنوات طويلة من التقوقع والتمرغ في رماد تلك الولاءات التحتية المهلكة .. وما أضر بالحياة العامة أكثر من ولوغ مكونات العمل السياسي وتأثر الدولة بالقبليات والمحاصصات التي كانت تقوم على العنصر والعرق والجغرافيا المكانية، وهو الأمر الذي أبعد الكفاءات والخبرات وفتح المجال واسعاً لمعادلات لا تقوم على حقائق وحيثيات موضوعية ..وانتهى بالفعل توظيف الانتماءات والهويات القبلية والمكانية لإكساب مجموعة او سلطة او أفراد ميزات إضافية تعزز وجودها وأنصبتها في المشاركة في الحكم. > قد لا يفهم بعض الناس أن ما يجري أكبر من كونه يصف بجمهورية ثانية أو ثالثة، فنحن نقف على عتبات تحول كامل في مفاهيم إدارة الدولة وسلوكها السياسي، ونرسي دعائم وركائز هياكل جديدة للدولة وكيفياتها تختلف كلياً عن ما سبق، فالجهاز التنفيذي ونمطه وطريقة عمله وصلاحياته وخصائصه ستتبدل في النظام المختلط ما بين الرئاسي والبرلماني، والتفاعلات الاجتماعية ستستقر وتقوى إيجابياً وتترشد في تجلياتها اذا كانت السياسة ستكون مبرأة من الانغماس الأعمى في ما يوهن كيان وتماسك المجتمع . > على كلٍ .. السودان يقدم نفسه للآخرين بتجربة فريدة وتوجه فعال في إعادة بناء الدولة والأمة على أساس متين لا يتضعضع ولا ينتكس، وهذا يتطلب التزاماً وصدقاً وصبراً..

الانتباهة