الصادق الرزيقي

حوار الرئيس ..


كان السيد رئيس الجمهورية مساء أمس في حواره مع الأستاذ حسين خوجلي في قمة لياقته الذهنية وعمقه ولباقته السياسية وسرعة بديهته، هو يلامس قضايا معقدة وتساؤلات وأوضاع مربكة وشؤون شديدة اللزوجة في ظل مرحلة دقيقة وموهنة يعيشها السودان في الراهن المعاش. فالسيد الرئيس يعلم قبل غيره أن البلاد مقدمة على تحولات كبيرة عبر عنها هو بنفسه عندما أشار للتغيرات الاجتماعية الهائلة التي حدثت في البلاد نتيجة الوعي التعليم والتوسع المعرفي والتطورات الجديدة في مختلف المجالات التي تجلت تأثيراتها على المجتمع وانعكست على الوعي السياسي السوداني وحددت معالم المرحلة المقبلة والتركيبة السياسية والاجتماعية المتشكلة من هذه التطورات . > واستطاع السيد الرئيس التعبير عن أفكاره ورأيه وتوجهات الدولة بتفوق كبير وإدراك عميق، خاصة الأسئلة ذات المحمول الحساس التي سألها حسين عن القبائل والتمرد واليسار والعلائق الاجتماعية بين التيارات السياسية خاصة الإسلاميين واليسار والتكوينات ذات المزاج السياسي الحاد، وكل هذه الإجابات وظلالها مظاهر في حقيقتها لصورة جديدة ظهر بها السيد الرئيس مقرونة بما قاله في بداية الحوار وإشاراته عن توجهات الإنقاذ في أيامها الأول لصياغة مشروع وطني سوداني متفق عليه لا ينسب فقط لحزب أو تنظيم أو مجموعة سياسية تتهمها تريد حكم السودان وحدها . > نجح السيد الرئيس في حواره أمس في صناعة صورته الجديدة بقدراته الذاتية وتجربته وخبرته السياسية وما راكمه من قدره في التعبير عن المواقف والتوجهات بما يضمن الاتفاق لا الخلاف ، واستطاع أن يزاوج بسرعة ما بين القضايا الحقيقة وما يتعلق بالأوضاع المعيشية والتوسع في الخدمات والاحتياجات الضرورية وواجب الدولة في توفيرها للمواطن ومسؤوليتها تجاهه وبين موجبات وحقائق المرحلة السياسية المقبلة وآفاق تحالفاتها وتقارباتها وتحاورها . > والملاحظ في الحوار أن السيد الرئيس كان يجنح للذهاب مباشرة وبدقة الى ما يريد قوله دون الدخول في تفاصيل قد تثير تساؤلات أو خلافات حول تمخضات الحوار الوطني والحكومة المقبلة بعد ثلاثة أشهر وأنضبتها أو رئيس الوزراء القادم، فكل تلك التوقعات والأسئلة المتوقعة من حسين للرئيس، عبر فوقها بسهولة وترك الباب للبشريات العامة والقضايا الرامزة والموضوعات الرئيسة، فالرئيس وضع بعض الأمور في نصابها من أول لحظة باعتبار أنها غير قابلة للجدال والمزايدات السياسية حول وضع القوات المسلحة وأجهزة الدولة والأمنية والشرطة وكل ما يحفظ الأمن والسلام، وأشار إشارات واضحة وصريحة حول التزامه بالحوار الوطني وتنفيذ كل إجماع السودانيين وعدم إجهاض الوثيقة التي شارك فيها الشعب السوداني بكل أطيافه وشرائحه وقطاعاته ورموزه وأحزابه ومنظماته الاجتماعية، وقال الرئيس إجماع الأمة فوق أي اعتبار آخر ولو كان رأيه الشخصي .. > المطلوب من مثل هذه الحوارات التلفازية إعطاء الإشارات العامة وليس التفاصيل الدقيقة وتوجيه الرسائل المراد إيصالها، ولم يكن مطلوباً من الرئيس أن يجيب عن كل الأسئلة أو تُثار أمامه كل القضايا فكل شيء مرهون بوقته ومرتبط بظرفه، وكان كثير من الناس يظن أن الحوار سيغطي كل كبيرة وصغيرة، فهناك ما يقال وما لا يقال، ولم يكن حسين خوجلي يستطيع أن يقفز فوق هذه الحقيقة فهناك ربما موانع كثيرة منها رؤى المطبخ السياسي بالحزب الحاكم وبرئاسة الجمهورية حول توقيتات بعض القضايا، فقضية مثل تشكيل حكومة ما بعد الحوار فيها قدر كبير من الحيطة والحذر أثارتها قد تجلب مفسدة أكبر من مصلحة السؤال، فأية إجابة من السيد الرئيس مهما كانت والرئيس حصيف ومدرك وله من الحنكة والقدرة على الإجابة، إلا أنها كانت ستكون عرضة للتأويل والتفسير بما ينعكس على أجواء التوافق الذي ظهر خلال أيام الحوار الوطني .. وكذلك موضوع رئيس الوزراء فمن الأفضل أن يظل متروكاً لما تقرره الأيام القادمة والمشاورات التي ستتم، فقضايا مثل الدستور الدائم والوثيقة الوطنية وموجهاتها كما تحدث عنها الرئيس أهم بكثير من الغرق في شبر ماء تكثر فيه التكهنات والترشيحات عن هذا وذاك . مهما يكن فإن الحوار أعطى الشعب السوداني كله فرصة وسانحة ثمينة جداً لقراءة أفكار السيد رئيس الجمهورية وما يعتزمه للمرحلة المقبلة، كيف يفكر كقائد للأمة ورمز لها ورئيس للجميع بلا استثناء وبعيداً عن العصبية الحزبية والبغضاء السياسية، قدمه الحوار قريباً من نبض الشعب وملامساً لمزاجه العام..

الانتباهة