الطيب مصطفى

خطيئة الأصدقاء الجهلة


ويواصل العلامة الشيخ محمد الغزالي تعرية التقاليد الراكدة والوافدة من خلال المقارنة بينها وبين الإسلام، وأرجو أن تتابعوا الأسطر التالية من كتابه (قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة):

لو قام في هذا العصر مجتمع إسلامي واضح المعالم في بيان مكانة المرأة وميدان عملها ومجالي نشاطها لاختفى من الدنيا فساد كثير.

إن أصحاب الطباع السليمة يكرهون الاختلاط المسعور في حضارة الغرب والتكشف الفاضح هناك واستخفاء جو الأسرة وانطلاق الغرائز دون ضابط، وهم يتطلعون إلى بديل أفضل فلا يجدون.

لأن صياح الغلاة من المسلمين ألقى في روعهم أن الإسلام سجان المرأة وعدو اكتمالها الإنساني، وأنه تحت ضغط المدنية الحديثة أذن لها بالتعليم وهو كاره، وأذن لها بالذهاب إلى المسجد يوم الجمعة وهو ضائق.

وربما تشبه بعض حكامه بالغرب فسمح للنساء بأن يشاركن في الانتخابات وينتظمن في مجالس الشورى وهؤلاء الحكام موضع سخط المتدينين.

ولو نجح أهل الدين في تولي السلطة لغُلقت على النساء الأبواب، ولم ير وجه واحدة منهن.

أقول : والكارهون للإسلام والخائفون من عودته لهم العذر عندما يلتقطون للدين هذه الصورة الكالحة الشائهة، والغلاة من الصنف الذي ذكرنا آنفاً يشبهون أهل الكتاب الذين قيل لهم عند بعثة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ “.

هؤلاء الغلاة يخفون عن عمد وسوء قصد أن المسلمات كن يصلين في المسجد الصلوات الخمس من الفجر إلى العشاء، وكن يشاركن في معارك النصر والهزيمة وكن يشهدن البيعات الكبرى، وكن يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر.. كانت المرأة إنساناً مكتمل الحقوق المادية والأدبية وليست نفاية اجتماعية كما يفهم أولئك المتطرفون الجاهلون، وكما أشاعوا عن الإسلام فصدوا عنه ونفروا منه، يقول الأخ الأستاذ أحمد موسى سالم “الشرع في حكمة الخالق وعدله هو نصير المرأة ومنصفها ومانحها كل الحقوق التي تقررت للرجل، والتي تكفل حرية إرادتها في علاقتها به وتعاملها معه”.

وهذا المعنى يؤكده قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة حين يقول: “سبقت الشريعة الإسلامية كل شريعة أخرى في مساواة المرأة بالرجل، فأعلن الإسلام حريتها واستقلالها يوم كانت في حضيض الانحطاط عند جميع الأمم، ومنحها كل حقوق الإنسان، واعتبر لها كفاءة شرعية لا تنقص عن كفاءة الرجل في جميع الأحوال المدنية من غير أن يتوقف تصرفها على اذن أبيها أو زوجها وهذه المزايا لم تصل إليها حتى الآن بعض النساء الغربيات”.

نعم توجد استثناءات قليلة تعد من قبيل الشذوذ الذي يؤكد القاعدة، وهذه الاستثناءات لم تنشأ لإهانة المرأة وإنما وضعت لتنسجم مع طبيعتها أو وظيفتها الاجتماعية، وإلا فالأساس العام قوله تعالى : ” وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا “.
إن حاجة العالم إلى الإسلام ملحة بيد أن ناساً من ذوي الجهالة والجراءة لا يعلمون ويكرهون من يعلم، لا يعملون ويكرهون من يعمل وقفوا في هذا العصر سداً أمام تيار الإسلام يعكرون صفوه ويمنعون ورده، ويصدون الأمم عنه.

هؤلاء الأصدقاء الجهلة أخطر على دين الله من الأعداء الحاقدين، والغريب أن صوتهم بعيد المدى كأن هناك شياطين خفية تمده بالقوة، هل هؤلاء الشياطين هم أعوان المستعمرين؟..

الدور الغائب للمرأة

يتنافس الحزبان اللذان يتناوبان الحكم في الولايات المتحدة على استرضاء اليهود ونصرة قضاياهم وترسيخ أقدامهم في كل ميدان..

والأميركيون ـ إذ يفعلون ذلك ـ يخونون مبادئ الفضيلة والعدالة وحقوق الإنسان ثم هم يهدرون مصالح بلدهم عندما يؤثرون اليهود على العرب وعندما يضحون بمليار مسلم من أجل عشرة ملايين يهودي.

ويظهر أن القيمة الاقتصادية للعرب والمسلمين ـ على ثقلها ـ لا تخيف الشعب الأميركي، ولا تلزمه خط الاعتدال.

والغريب أن رجلاً من أعظم رجالات أميركا ومن أشهر قادتها حذر قومه منذ قرنين خطر اليهود، وقال : “إذا لم يتنبه الدستور الأميركي لاستبعادهم في خلال المائة عام القادمة فسينسابون إلى البلاد بأعداد كبيرة ويتمكنون من تدمير المجتمع الأمريكي وتبديل القيم الإنسانية التي قام عليها.

هذا الرجل الناصح المخلص هو “بنيامين فرنكلين” ولكن صيحته لم تجد آذاناً صاغية ولا ضمائر واعية، ولن يعرف الجمهور التائه خطأه إلا بعد فوات الأوان

واليوم يتسابق المرشحون لرياسة الولايات المتحدة التي منح اليهود وعوداً من جيوب الآخرين ومن حقوقهم المادية والأدبية: هذا يقول: القدس كلها عاصمة إسرائيل إلى الأبد، وهذا يقول: لا دولة للفلسطينيين، وهذا يقول: برنامج حرب الكواكب لحماية أميركا وإسرائيل، وهذا وهذا كأن إسرائيل أهم من أن تحسب الولاية الحادية والخمسين في العالم الجديد.

ولكن شيئاً شاذاً لفت نظري وأرجو أن يلفت أنظار القراء العرب، هو أن مرشح الحزب الديمقراطي للرياسة له زوجة شديدة التعصب لاسرائيل تعلن ولاءها لليهود ظاهراً وباطناً وتذكر أنها ستقضي بقية عمرها في إسرائيل إن فاتها انفاق أيام الشباب مع الصهاينة الزاحفين، وقد ذكرت إحدى الصحف العربية الكبيرة هذه القصة المثيرة تحت عنوان “ملكة إسرائيلية في البيت الأبيض”.

ولا أدري لماذا عادت إلى ذهني قصة “ايزابيلا وفرديناند” بطلي القضاء على الأندلس منذ خمسة قرون، أنها قصة ذات مغزى، بيد أننا نحن العرب مصابون بفقدان الذاكرة وإنعدام الوعي.

المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي ولا سياسي، لا دخل لها في برامج التربية ولا نظم المجتمع لا مكان لها في صحون المساجد ولا ميادين الجهاد.

ذكر اسمها عيب، ورؤية وجهها حرام، وصوتها عورة، وظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش.

المرأة اليهودية تشارك مدنياً وعسكرياً في قيام إسرائيل، وها هي ذي توشك أن تكون ملكة في البيت الأبيض تضع اللمسات الأخيرة في الأجهاز علينا، ولا يزال نفر من ادعياء التدين يجادلون في حق المرأة أن تذهب إلى المسجد وتحضر الجماعات، إننا نموت قبل أن يحكم علينا غيرنا بالموت، فهل نعي ونرشد؟.

الصيحة