الصادق الرزيقي

معالجة حكيمة .. الرئيس و وصية الترابي .. المغرب يختار .. السعودية ومصر


نهاية إضراب انتهى إضراب نواب الاختصاصيين من الأطباء، وتم رفع الإضراب وعادت الخدمة الطبية كما هي وأفضل، وخاب فأل بعض القوى السياسية وطاشت سهامها، وقد كانت تمني النفس بأن الإضراب سيسهم في تحريك قطاعات مهنية أخرى وسيكون وبالا ًعلى الحكومة، مقدمة لإضراب شامل ثم عصيان مدني وانتفاضة ثم سقوط النظام ..! تلك كانت أماني خائبة ورجاءات نافقة ماتت فور ولادتها، فالمهم في الأمر أن التعامل الحكومي وخاصة رئاسة الجمهورية كان فيه قدر كبير من الحكمة والتعقل، وانتهجت الدولة نهج التحاور والاعتراف بما في القطاع الصحي كله من مشكلات، ولم يتم دفن الرؤوس في الرمال، وجرت مواجهة الأزمة كما هي رغم علم الحكومة ورئاسة الجمهورية أن الإضراب لم يتجاوب معه احد وواجهته قطاعات الشعب السوداني والمواطن البسيط بالاستهجان والامتعاض والرفض يتناقض سلوك المضربين مع أهم قواعد المهنة ومدونات سلوكها . الآن تم حل المشكلة ورفع الإضراب، فعلى الحكومة سد الذرائع من الآن ومعالجة كل أمراض هذا القطاع وتحسين أوضاع الأطباء والإيفاء بما التزمت به وبسرعة في الاجتماع الذي عقد أول من أمس وأفضى الى رفع الإضراب، ويحتاج هذا القطاع الى رؤية شاملة ومعالجات جذرية وجراحة مؤلمة حتى تستقر أوضاعه وتستمر خدماته. مهمة الرئيس لاتزال أصداء حوار السيد رئيس الجمهورية الأربعاء الماضي قوية ومتتالية، فما قاله لحسين خوجلي وهو يحاوره حول مختلف القضايا الوطنية يستحق النقاش والجدال داخل الوسط السياسي ولدى عامة الناس، لأهمية الموضوعات التي تطرق لها الرئيس، لكن استوقف عدد كبير من المشتغلين بالشأن العام، ما قاله السيد الرئيس عن الدكتور حسن الترابي رحمه الله، وعن وصيته وكأنه أدرك دنو رحيله للرئيس بتوحيد الصف الإسلامي، ولن يختلف الرئيس مع شيخه في هذه القضية على الإطلاق، وباتت مسؤولية جمع شتيت الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي الحديث تقع على عاتق السيد الرئيس بوصفه رئيس المجلس القيادي للحركة ورئيس البلاد ومن يتولى الولاية العامة فيها، وليس ذلك مجرد وفاء للدكتور الترابي وهو في جوار ربه، وإنما لصوابية الفكرة وضروراتها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلادنا والمنطقة. إذا كان ألصق الوطني عبر الحوار الوطني أجمع بأحزابه وتكويناته السياسية رأيه وراء مبادرة الرئيس حتى وصل الحوار الى نهاياته وصدرت وثيقته الوطنية ومخرجاته، فإنه يسهل على الرئيس قيادة مبادرة حقيقية توحد الحركة الإسلامية الموزعة على المؤتمر الوطني والشعبي وحركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل ومحجموعة د.الطيب زين العابدين ومجموعات أخرى وجدت الطريق أمامها مفتوحا ً فخرجت ولم تعد.. في المغرب منعتنا الأوضاع الداخلية وتطوراتها من التعليق على نتائج الانتخابات البرلمانية في المملكة المغربية والفوز الكبير لحزب العدالة والتمنية الذي أعطيَ تفويضاً شعبياً ونال ثقة الشعب المغربي ليقود الحكومة لخمس سنوات قادمة تضاف إلى الخمس سنوات السابقة التي تولى فيها قيادة الجهاز التنفيذي في المغرب الشقيق. تجنب المغرب غداة اشتعال نيران الربيع العربي الفوضى والمصير الذي واجهته عدداً من البلدان العربية التي أجهضت فيها المؤامرات الخارجية الثورات الظافرة خشية أن تقود الى خيارات غير مرغوبة لقوى دولية عديدة، وكانت الحكمة المغربية حاضرة وتعامل العاهل المغربي الملك محمد السادس ببعد نظر وثقة في النفس وواقعية سياسية تحمد له، تاركاً الديمقراطية المغربية تنمو وتتطور وتتعزز وسط الشعب المغربي مفاهيم القبول بالآخر والحوار والتعامل بالحسنى وعدم إقصاء أحد .. وكلف يومها في تلك الفترة 2011 عبد الإله بن كيران رئيس حزب العدالة والتنمية وهو التيار والحركة الإسلامية المغربية بتشكيل الحكومة . ولما للحزب الحاكم الجديد من برامج ومنهج وتصميم، استطاع بن كيران وحزبه الإبحار بالمركب المغربي وسط تلاطمات الموج الهائج في المنطقة، تقديم تجربة فريدة في الحكم والقيام بإصلاحات عميقة في الاقتصاد وكافة مؤسسات الدولة وتجذير الديمقراطية والاهتمام بالريف ومعالجة قضايا المواطن وترقية الخدمات وتطويرها والحفاظ على الاستقرار الأسياسي والاقتصادي ومواقف المغرب القومية والقارية والدولية، وقد انعكس كل ذلك على المواطن الذي اطمأن بوجود حكومة مسؤولية تتحلى بصدقية كبيرة وجدية في العمل ونهج قويم في المواظنة ما بين المطلوب في الداخل المغربي وتعاون المغرب مع الخارج ودوره الإقليمي والدولي . وكانت هذه النجاحات هي الخلفية التي دخل بها حزب بن كيران الانتخابات الأخيرة التي انتهت الأسبوع الماضي ، والحقيقة التي لن يتجادل فيها اثنان أن الديمقراطية في بلداننا اذا تركت لتنمو وتتقدم فإن الحركات الإسلامية والتيارات الوطنية المرتبطة بالانتماء الحقيقي وما قامت عليه الأمة هي التي تربح، وقراءة بسيطة لنتئج الانتخابات المغربية النزيهة الشفافة تكشف أين هي الأحزاب العلمانية والاشتراكية والتغريبيين وأين هم الإسلاميون ..؟ الخلاف السعودي المصري من يتابع الإعلام المصري هذه الأيام وبعض وسائل الإعلام السعودية، يشعر أن الخلاف بين بلدين كبيرين في العالم العربي والإسلامي،قد تفاقم بدرجة كبيرة وربما يصل الى الحافة إن لم نقل نقطة اللاعودة، رغم نفي الجهات الرسمية في البلدين أن سوء التفاهم واختلاف وجهات النظر بين الجانبين سحابة عابرة عما قليل ستنقشع .. لكن الواضح أن مواقف القاهرة من فترة طويلة لم تكن محل ارتياح سعودي خاصة موقفها من التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب ، وما يجري في سوريا واليمن ورفض مصر المشاركة بفاعلية وقوة في عاصفة الحزم ، ثم الغزل الصريح وعودة العلاقات بين القاهرة وطهران ، وجاء تصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي قبل أيام ليخرج الخلاف الى العلن ، وقبله بيومين كانت مؤسسة النفط السعودية وشركة أرامكو ونظراً لترتيبات أخرى تعلن وقف إمدادات البترول لمصر، فلربما كانت وسائل الإعلام وخاصة في مصر هي السبب في ربط وقف إمدادات البترول بالخلاف السياسي حول سوريا والقرار الروسي في مجلس الأمن ، لكن ذلك لا ينفي على الإطلاق أن تباعد الخطى السعودية المصرية هو واقع يجري أمام الأعين ويملأ السمع والمشهد العام . من يستفيد من الخلاف هم أعداء الأمة العربية والإسلامية، فأكبر دولتين لهما وزن إستراتيجي وسياسي في المنطقة إن توسع خلافهما ستكون له آثار غير محدودة على الجسد العربي وستخلف واقعاً انقساميا ًخطيراً ، فالهوة يبدو أنها تتسع، فالإعلام المصري خاصة القنوات الخاصة تصب الزيت على النار .. فلكل فعل رد فعل ..

الانتباهة