عالمية

«فورين بوليسي»: ترامب يريد سرقة نفط الشرق الأوسط.. وهو ليس وحده


رصد «مايكل كلير»، أستاذ دراسات السلام والأمن العالمي في جامعة هامبشير الأمريكية، المحاولات التي قامت بها الإدارات الأمريكية السابقة للسيطرة على حقول النفط في منطقة الشرق الأوسط.

وأشار الكاتب في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية جاء تحت عنوان: «ترامب يريد سرقة نفط الشرق الأوسط.. وهو ليس وحده»، إلى أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 «دونالد ترامب» لطالما صرح برغبته في السيطرة على نفط الشرق الأوسط في أكثر من مناسبة.

«لقد قلت دائمًا، خذوا النفط»، هكذا قال «ترامب» في منتدى القائد العام للقوات المسلحة في 7 سبتمبر (أيلول). كان الاستيلاء على نفط الشرق الأوسط دائمًا إحدى الجمل المفضلة للمرشح الجمهوري حال الحديث عن سياسته الخارجية.

وقال التقرير إنه بالإضافة إلى منتدى السابع من سبتمبر (أيلول)، فقد أعلن «ترامب» تقريبًا نفس الكلمات خلال المناظرة الرئاسية الأولى يوم 26 سبتمبر (أيلول)، وفي خطاب حول السياسة الخارجية في ولاية أوهايو في 15 أغسطس (آب)، وفي العديد من التجمعات الانتخابية الحاشدة خلال فصلي الربيع والصيف.

في كل مرة ينطق «ترامب» فيها تلك الكلمات، كانت تعبيراته تبدو متشابهة: على الرغم من احتلال العراق، كان علينا أن نستولي على نفطها.

ترامب ليس الوحيد

ولم يكن «ترامب» – بحسب التقرير – أول شخصية بارزة في اقتراح الاستيلاء العنيف من قبل القوات العسكرية الأمريكية على حقول النفط في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من كونها سياسة متهورة، فقد سعت الإدارات الأمريكية السابقة إلى تحقيقها.

وفقًا للتقرير، عرض «ترامب» عدة مبررات للاستيلاء على نفط الشرق الأوسط. في المناظرة الرئاسية يوم 26 سبتمبر (أيلول)، قال الملياردير الأمريكي إن تحقيق ذلك في العراق قبل انسحاب القوات الأمريكية نهائيًا في عام 2011 كان ليحول دون ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، بما أن النفط «كان المصدر الرئيسي لدخلهم». (وهذا يتجاهل أن تنظيم داعش يسيطر فقط على حقول النفط في شمال العراق، في حين كانت القوات الأمريكية تتجمع إلى حد كبير حول حقولها الجنوبية).

ذكر تقرير المجلة الأمريكية أنه، ومع ذلك، كانت نية «ترامب» كالتالي: مصادرة النفط العراقي كمكافأة مشروعة لهزيمة الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين» واحتلال البلاد.

«في الأيام الخوالي، كما تعلم عندما كانت هناك حرب، فإن الغنائم كانت تعود إلى المنتصر»، هكذا قال «ترامب» في عام 2011، في إشارة إلى النفط العراقي. وأضاف: «أنت تذهب إلى الحرب. وتكسبها، وتسيطر على النفط».

أشار التقرير إلى أن العراق ليس البلد العربي الوحيد الذي نظر إليه «ترامب» على أنه هدف محتمل للسيطرة الأمريكية على النفط. في عام 2011، عندما اندلع الربيع العربي واندلع التمرد ضد «معمر القذافي» في ليبيا، تحدث بوقاحة حول سرقة النفط في هذا البلد.

آنذاك قال «ترامب»: «أود أن أذهب فقط إلى هناك وأسيطر على النفط»، هكذا قال في قناة فوكس نيوز.

بداية الفكرة

وبحسب التقرير، فإن الحديث عن السيطرة على نفط الشرق الأوسط كان مثارًا للحديث على نطاق واسع بين الصقور الجمهوريين في واشنطن، وقد يكون المرشح الجمهوري قد استلهم الفكرة من أي من الجنرالات السابقين والخبراء الإستراتيجيين.

أوضح التقرير أن المناقشات الأولى لتحرك الولايات المتحدة للاستيلاء على النفط العربي أثيرت في وقت مبكر من السبعينيات، عندما قامت المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط بتأميم حقول أخرى مملوكة لشركات النفط الأمريكية الكبرى وأنشأت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) لتأكيد سيطرة أكبر على تسعير صادراتها.

وأضاف التقرير أن الفكرة تصاعدت إلى ذروتها في أواخر عام 1973 وأوائل عام 1974، عندما فرضت الدول العربية حظرًا على شحنات النفط إلى الولايات المتحدة (ردًا على شحنات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل خلال حرب أكتوبر) وأعلنت منظمة أوبك زيادة قدرها أربعة أضعاف في أسعار النفط – مما تسبب في نقص شديد في الطاقة في الولايات المتحدة والركود لاحقًا.

وردًا على هذه الاعتداءات، دعا عدد من النقاد والسياسيين الأمريكيين إلى تحركات عسكرية لمعالجة هذه المشكلة.

الاستيلاء على النفط العربي

في عددها الصادر في مارس (آذار) عام 1975، نشر «مايلز أجنيتوس» في صحيفة «هاربر» مقالًا حول فكرة الاستيلاء الأمريكي على النفط، ولاقى المقال الذي جاء تحت عنوان «الاستيلاء على النفط العربي»، اهتمامًا واسعًا.

وفقًا لما جاء في التقرير، فإن «أجنيتوس» أكد في المقال أن استجابة الولايات المتحدة الخجولة للحصار، وزيادة الأسعار كانت تعادل «التهدئة» التي تبناها رئيس الوزراء البريطاني «نيفيل تشامبرلين» مع «أدولف هتلر» في ميونيخ في عام 1938.

كما أشار المقال إلى أن الطريقة الوحيدة «لكسر أوبك» كانت بغزو واحتلال حقول النفط في المملكة العربية السعودية وجلب الشركات الأجنبية لاستئناف الإنتاج. وادعى «أجنيتوس» أن الهدف سيكون «احتلال الاحتياطيات النفطية الكبيرة والمركزة، والتي يمكن أن تنتج بسرعة من أجل وضع حد للندرة المصطنعة من النفط وبالتالي خفض السعر».

أثار المقال – وفقًا للتقرير – عاصفة من الجدل، خاصة مع ما ذكره «أجنيتوس» من أن الاستيلاء على حقول النفط السعودية يمكن أن يتحقق مع مشاركة حوالي 40 ألفًا من القوات الأمريكية، بالإضافة إلى دعم جوي وقوة بحرية.

وذكر «أجنيتوس» أن روسيا قد تميل لعرقلة مثل هذه العملية، ولكن الاتحاد السوفيتي كان ينقصه القوات بعيدة المدى اللازمة لتحقيق ذلك، وعلى أي حال كان ليرتدع عن اختيار معركة مع دولة قد تصبح دولة نووية كالولايات المتحدة.

أشار التقرير إلى أن محللين آخرين، مع ذلك، لم يكونوا متفائلين جدًا. خلصت دراسة خلال فصل الصيف لعام 1975 أجراها خبراء عسكريون من مكتبة الكونجرس، إلى أن مثل هذه العملية تتطلب أكثر بكثير من القوات التي أشار إليها المقال، وستؤدي إلى أضرار واسعة النطاق لحقول النفط ذاتها، وبالتالي محو أي فائدة اقتصادية من الغزو.

يعود الفضل على نطاق واسع إلى تداول تقرير الخبراء العسكريين إلى خفوت حماسة الكثيرين في واشنطن، الذين كانوا على استعداد للنظر في الاستيلاء على حقول النفط في المملكة العربية السعودية، والفكرة لم تلق أبدًا الدعم من المسؤولين الأمريكيين.

وتابع التقرير بقوله إنه وبعد منتصف السبعينيات، اختفى مفهوم «الاستيلاء على النفط العربي» من الخطاب الرسمي، ولكن ليس مفهوم استخدام القوة العسكرية لضمان وصول الولايات المتحدة إلى مناطق في الشرق الأوسط.

عندما احتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان وأطاح رجال الدين الإسلامي بالشاه من إيران – حتى ذلك الحين أوثق حلفاء واشنطن في منطقة الخليج العربي – تعهد الرئيس «جيمي كارتر» باستخدام «أي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية» للتغلب على أي تهديد للتدفق الآمن لنفط الشرق الأوسط (سياسة معروفة باسم «مبدأ كارتر»).

لا دم مقابل النفط

وعندما احتلت القوات العراقية الكويت في أغسطس (آب) عام 1990، أذن الرئيس «جورج بوش الأب» باستخدام القوة لمنع العراق من غزو المملكة العربية السعودية ومنع صادراتها النفطية.

وقال الرئيس الأمريكي السابق آنذاك في خطاب متلفز يوم الثامن من أغسطس (آب): «بلدنا تستورد الآن ما يقرب من نصف النفط الذي تستهلكه وقد تواجه خطرًا كبيرًا على استقلالها. الاستقلال السيادي للمملكة العربية السعودية هو مصلحة حيوية في الولايات المتحدة».

ورصد التقرير حدوث شيء غريب فيما بعد: قطاع كبير من الرأي العام الأمريكي تمرد على احتمال نشوب حرب من أجل غرض واضح وهو السيطرة على إمدادات النفط. انتشر شعار «لا دم مقابل النفط» على نطاق واسع في مظاهرات السلام في جميع الأنحاء في خريف عام 1990، وسرعان ما وجد طريقه إلى خطاب الديمقراطيين المناهضين للحرب في الكونجرس.

وبحلول ديسمبر (كانون الأول)، توقف «بوش» عن استخدام النفط مبررًا للتدخل في الخليج وكرس كل غضبه على الفظائع العراقية تجاه حقوق الإنسان في الكويت وسعي بغداد لامتلاك أسلحة الدمار الشامل بدلًا من ذلك.

حساسية «جورج بوش الأب» إزاء نفور الرأي العام الأمريكي لحرب تم خوضها لاعتبارات مالية بحتة – وبعيدًا عن المزيد من الأهداف النبيلة، مثل تخليص العالم من طغاة أسلحة الدمار الشامل – هذه الحساسية ورثها ابنه الرئيس الأمريكي السابق «جورج دبليو بوش»، الذي تحاشى الحديث عن النفط عندما حشد التأييد لغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003. مرة أخرى، كان القلق بشأن أسلحة الدمار الشامل هو ما مهد الطريق، جنبًا إلى جنب مع الأسف الأخلاقي على التجاوزات الاستبدادية لصدام.

وعلى الرغم من ذلك، وكما أورد التقرير، كان هناك من يعتقد في إدارة «جورج دبليو بوش» أن السيطرة الأمريكية على صناعة النفط ينبغي أن تستخدم لأغراض عملية بشكل أكبر: لخصخصة شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة (شركة النفط الوطنية العراقية) وتقسيم أصولها بين الشركات الغربية والشركات الأمريكية في المقام الأول.

العراق 2003

حين احتلت القوات الأمريكية بغداد أول مرة في أبريل (نيسان) من عام 2003، بدا أن حافز الخصخصة كان لا يزال راسخًا على أجندة واشنطن. قام «بول بريمر»، الذي اختاره بوش لقيادة سلطة الاحتلال، بوضع صناعة النفط تحت سيطرة «فيليب كارول»، المدير التنفيذي لشركة نفط أمريكية، بغرض تمييع سيطرة الدولة العراقية على هذه الصناعة. ولكن ومع ازدياد معارضة الاحتلال الأمريكي، ثَبَتَ أن ضمان ولاء عمال قطاع النفط العراقي كان أكثر حيوية من خصخصة ممتلكات الدولة، وهكذا فشلت خطة التبرع بممتلكات شركة النفط الوطنية العراقية لشركات أمريكية.

قال التقرير: «حين يقول ترامب «كان يجب أن نأخذ النفط» فإنه يشير بالأساس إلى لحظة الهلوسة تلك في ربيع عام 2003 حين بدا أن قوة الولايات المتحدة غير محدودة وأن القرار ما زال بيد واشنطن. في تلك الأيام المحمومة، لا بد أن فكرة مصادرة الممتلكات الوطنية العراقية الأغلى ومنحها إلى الشركات الأمريكية بدت عملية سهلة نسبيًا: أرسلوا بعض قوات الاحتلال إلى حقول النفط ومصافيه، أخبروا عمال النفط الوطنيين والمنظمين أنه تم استبدال عمال أمريكيين بهم، وقوموا بنشر بعض قوات المارينز للتعامل مع أي عدم رضا قد ينجم عن القرار».

ورغم أن البعض في محيط بوش-تشيني بدا مقتنعًا أن الفائدة ستكون أكبر من المخاطر، إلا أن أولئك الذين كانوا يقودون العملية سرعان ما عرفوا أن نجاح المهمة الأمريكية في العراق – وسلامة الموظفين الأمريكيين هناك – لم يكونا يسمحان بأي شيء من هذا القبيل. وكل حكومة محلية قد تحل محل نظام صدام حسين المتفكك وتخضع لوصاية أمريكية ستصر على ملكية حقول النفط.

اختتم التقرير بقوله إن «ترامب» بلا شك سيتحدث عن «أخذ النفط» مجددًا، فهذا مثلما رأينا فكرة لها جذور عميقة في أوساط نخبة راسمي السياسة الأمريكية. لكنها فكرةٌ رُفضت مرارًا وتكرارًا من قبل أولئك الذين يأخذون بالاعتبار التداعيات السياسية والعسكرية لمثل هذه الخطوة، والذين لا يجدون فيها سوى كارثة.

ساسة بوست