داليا الياس

صروح للأمل 1


في غمرة الأحداث التي صاحبت المجال الطبي مؤخرا.. والتي استوجبت الكثير من التمعن والتدقيق في التفاصيل والمواقف.. دفعتني الأقدار للبحث عن طبيب متخصص في الأنف والأذن والحنجرة ليقف على شكواي (الباردة) التي لن تجد مبتغاها في المستشفيات العمومية.
وبعد الاستعانة بصديق من الأطباء المميزين – دفعت به الظروف إلى خارج البلاد وحرمتنا من تلقي العلاج على يديه – أشار علي بالتوجه لأحد المراكز الطبية يعرف بـ(مركز أفريقيا) المتخصص في أمراض الأنف والأذن والحنجرة والذي لم أكن قد سمعت به من قبل ولكني أثق في اختيار صديق.
يممت وجهي صوب المركز المعني الكائن في تلك الضاحية المميزة المتاخمة لشارع أفريقيا المتعارف عليه بشارع المطار- ولا أعلم هل تمت تسمية المركز على ذلكم الشارع أم على تلكم القارة على أمل أن تنطلق خدماته في أصقاعها!- وتوجست من الموقع الجغرافي الذي يستدعي أن تحشو محفظتك بكل ما تملك من أوراق مالية على اعتبار أن المواقع الجغرافية المميزة تلازمها أسعار باهظة في الخدمات كما هو متعارف عليه في بلادي.
دخلت لذلكم المكان الأنيق الذي يسترعي انتباهك بهدوئه ووقاره ونظافته.. ثم يتلقاك موظفو استقباله بابتسامة ودودة نادرا ما تتوفر لدى موظفي الاستقبال لدينا فيشعرونك بالحميمية والأمان ثم يفاجئونك بقيمة الكشف المعتدلة على عكس توقعاتك.
ثم تضامن حظي السعيد يومها مع أقداري وكتب لي أن أتلقى الفحص الطبي اللازم على يد شاب خلوق ومهذب يبدو على محياه النبوغ والثقة يسمي (د. أسامة محمد خالد) لا يوحي شكله ولا عمره بدرجته العلمية المتقدمة ولا يمكنك أن تتوقع أنه يدير هذا المكان بقبضة من الحنكة والمسؤولية والطموح.
ولكم أن تعلموا أن شكواي كانت قد أعجزت الأطباء زمنا طويلا في الداخل والخارج وظلت تباغتني من حين لآخر فتقلق منامي وتربك أيامي ولكنها لم تصمد أمام هذا العلاج الأخير وولت دون رجعة.
كل ما تقدم دفعني للإعجاب بهذا الصرح والعاملين عليه على اعتباره إشراقة نبيلة في عالم الطب وتوطين العلاج بالداخل. ودفعني ذلك للتقصي والاستفسار فعلمت أنه كان حلما يراود عصبة من الشباب نجحوا في إنزاله لأرض الواقع وصبروا عليه وثابروا فيه دون أن يتخاذلوا أو يفكروا في الفرار إلى الخارج رغم إمكانياتهم ومؤهلاتهم المميزة والمطلوبة بشدة.
كانت الفكرة أن يقدموا خدمة طبية ممتازة بسعر معقول يناسب الجميع.. فبينما تفرض المؤسسات الطبية ذات الأسماء البراقة أسعارا فلكية على معظم العمليات الجراحية تجد مركز أفريقيا يجري ذات العمليات بأقل من نصف القيمة…!!
والهدف الأساسي من كل ذلك هو إشاعة الإنسانية وممارسة الطب الرسالي.. ثم السعي لتوطين العلاج بأنواعه بكل ما يصاحبه من فوائد للبلاد والعباد.
وأبرز ما يميز المكان توفر الاستشاري ذي الخبرة.. من ناحية التشخيص الصحيح وهو ما نعانيه غالبا. وكلنا نعلم أن المرضى السودانيين في الغالب طيبون ويسهل استغلالهم وخداعهم ويعتنقون ما يقال لهم دون تدقيق وهذا يتطلب وجود الطبيب الأمين الصالح التقي.
وكحال جميع الأطباء في هذا المركز المشرف.. يتحدث د. أسامة عن لحظات الفرح والحزن التي تعتريهم.. فهم يفرحون كالأطفال لنجاح العمليات ويعتزون بالدعوات الصادقة من قلوب الناجين وذويهم. مثلما يعتصرهم الألم لرؤية أطفال صغار فقدوا قدرتهم على السمح جراء الإهمال الأسري أو الأخطاء الطبية.. ولكنهم – كما قال – يحيلون ذلك الألم إلى أمل يعبرون به كل ما يعترضهم من عوائق ليجعلوا من هذا الصرح ملاذا ومنبعا للصحة والعافية والإنسانية.
تلويح:
كل ما يحتاجه النجاح والأمل والتقدم والتطور والتميز والإنسانية والضمير والمهنية.. هو الإنسان.

اليوم التالي