مقالات متنوعة

إلا ما أرى..!


شاب مصري يعمل سائق (ركشة) استطلعته فضائية الحياة، خلال (3) دقائق لخص حال المواطن المسحوق، كلام بسيط ومباشر لكنه أشعل مواقع التواصل الاجتماعي على نحو لافت، الفيديو، سائق (التوكتوك) كما يُسمى بالمصري، قدم خطبة سياسية ملتهبة خلال هذه الدقائق المعدودة، ليتصل بعد نهاية البرنامج مكتب رئيس الوزراء ويطلب من الفضائية إسم وعنوان الشاب بحجة التعرف على مشكلته وحلها.

بعد التفاعل اللافت الذي حققه الفيديو وحصد ملايين المشاهدات، سُحب من موقع الفضائية، وهناك أنباء عن استقالة مقدم البرنامج الذي بث الفيديو. ليتحول السائق إلى مطلوب، بعد ما غادر سكنه بعد الشُهرة التي حققها، رغم أن الشاب المصري سرد خلال ثوان ضيق المعيشة وتراجع دور مصر بكلمات بسيطة مباشرة، يُمكن لأي مواطن في الشارع أن يرددها، لكن انفعاله السياسي حوّل الدقائق المعدودة إلى خطبة ملتهبة، عطفاً على أنه خاطب أهم مسألة في القضية، وهي الإعلام، الإعلام الكذوب المُضلل، وقد لخص حال إعلام العالم الثالث بإجمال حينما قال “نشوف مصر في الإعلام فيينا، ننزل الشارع، نلاقيها بنت عم الصومال”.

هذه الحالة ليست قاصرة على مصر فقط، هي تعبر عن الإعلام في ظل حكومات ديكتاتورية، فرض صورة مثالية على أجهزة الإعلام الرسمية وشبه الرسمية ولا يهم الواقع كيف يكون، إدارة الإعلام على طريقة (ما أريكم إلا ما أرى) لم تعد تقدم إلا المزيد من الخناق، كما أنها ليس بإمكانها أن تقدم النتيجة المطلوبة، فحينها تخسر السلطة مرتين، مرة أنها تخسر أموالاً وتجتهد في إخراج صورة حسنة، ومرة أخرى، تظهر أنها كذابة ومضللة.

وبعيداً عن المد الإليكتروني الذي حل محل الإعلام التقليدي إلى حد كبير، فالواقع على الأرض لا يكذب، فليس معقولاً أن تتحدث عن وفرة في الوقود، على سبيل المثال، ثم تنزل الشارع لتقابلك الصفوف..الفضاء انفتح على مصراعيه والمعلومة تصلك في مكانك وقت حدوثها، الإعلام الغبي لا يقدم حلاً فحسب، بل أنه يضاعف تكلفة معالجة الخلل الذي يحدثه، وعلى رأسه فقدان الثقة بشكل كامل وبلا رجعة، ماذا يُجبر مواطن على التسمر أمام شاشة لا تُجيد إلى الكذب والتضليل ومغالطة الواقع، بينما الخيارات مفتوحة أمامه، فإن كانت السلطة ليست لديها خيارات غير تعمد التضليل، فالمواطن ليس مجبراً البتة على قبول هذا الخيار، متى تفهم العقليات التي تتحكم في إعلامنا أن عهد سجن المعلومة ولى ولن يعود، وأن الواقع البائس لن يُغيره مكياج الشاشات.

شمائل النور

التيار