مزمل ابو القاسم

مستشفى الخرطوم وجامعة الخرطوم


لا شك ولا جدال، على أن موافقة السلطات على إعادة (تشغيل) مستشفى الخرطوم تمثل واحدة من أحلى وأشهى ثمرات الاتفاق الذي أنهى به نائب الرئيس إضراب الأطباء.
* أفرح الخبر السعيد كل المهتمين بالشأن الصحي، لأن ما حدث لأكبر وأهم وأعرق مستشفيات السودان كان محزناً بحق، ومجافياً للعقل والمنطق، ومناهضاً للمصلحة العامة.
* ظل مستشفى الخرطوم منذ إنشائه في العام (1904) ملء السمع والبصر، لأنه لم يكتف بمعالجة ملايين من السودانيين فحسب، بل ساهم على مدى أكثر من قرنٍ كامل في تأهيل وتدريب عشرات الآلاف من أطباء السودان.

* معظم القامات السامقة في مجال الطب بالسودان تخرجت في جامعة الخرطوم (منذ أن كانت تحمل اسم كلية غردون التذكارية) وتدربت في مستشفى الخرطوم، الذي ظل يمثل منارةً للعلم، قبل أن يكون ملجأً للمرضى، وترياقاً ناجعاً للآلام.
* تفكيكه شكل ضربةً موجعةً للقطاع الصحي في السودان، لأنه لم يكن في أي يومٍ من أيام عمره المديد مجرد (مستشفى ولائي)، بل تمددت خدماته وخيراته، وامتدت أياديه البيضاء لتصل كل شبرٍ في ربوع الوطن الحبيب.
* كان يضم كل التخصصات الطبية تقريباً، من نساء وتوليد، وباطنية، وأنف وأذن وحنجرة، وكلى وجراحة (عامة وأطفال وعظام وتجميل)، ووحدات مناظير، وصحة نفسية، وعلاج طبيعي، وعناية مكثفة، وطوارئ، ومسالك بولية وخلافها.

* برروا تفكيكه بأنهم يستهدفون نقل الخدمات الصحية إلى الأطراف، وكأن ذلك الهدف السامي الجميل لا يتحقق إلا بهدم أكبر وأهم منارة علمية في المجال الطبي، وأفضل مركز للخدمات الصحية في السودان.
* زعموا أن تلك الخطوة المؤلمة تمت بمباركة قيادة الدولة، علماً أننا أثبتنا في هذه المساحة قبلاً أن السيد الرئيس لم يطلب تفكيك المستشفى العتيق كما ادعوا، بل وجَّه بتحويله إلى مستشفى مرجعي، وطلب تحجيم المستشفيات الخاصة والمراكز العلاجية التي أحاطت بأعرق مستشفيات السودان (وأفريقيا والعالم العربي)، إحاطة السوار بالمعصم، وامتصت دماءه، وأعاقت عمله، وكانت المحصلة المؤلمة إزالة مستشفى الخرطوم، لصالح الكائنات الطفيلية المحيطة به.

* مستشفى الخرطوم مثل جامعة الخرطوم، ويماثلها في الأهمية والعراقة والتفاني في خدمة الوطن، هل يمكن أن يفكر أي عاقل في تفكيك جامعة الخرطوم وتحويلها إلى جامعة ولائية؟
* معالجة أوجه القصور التي اعترت أداء مستشفى الخرطوم لا يتم بمحوه من الوجود، وإلغاء تاريخه الباذخ، وتحويله إلى أطلال تنعق فيها البوم.
* لو تم تحويل المستشفى إلى مركز قومي لمعالجة الأورام كما زعم من أشرفوا على تفريغه من كل تخصصاته تقريباً، لربما قبلنا الثمن الباهظ والخطوة الموجعة، لكن من ينظر إلى حال مستشفى الذرة هذه الأيام سيبكي مرتين، مرة على فقدان ذلك الصرح الباذخ، ومرة على الكارثة الإنسانية التي تتمدد فصولها في مستشفى الذرة كل صباح.
* سيدي نائب الرئيس، لو لم تفعل طيلة الفترة التي أمضيتها في منصبك الحالي سوى موافقتك على إعادة تشغيل مستشفى الخرطوم لكفاك.. هنيئاً لك ولكل أهل السودان بهذا القرار التاريخي العظيم.

صحيفة اليوم التالي