تحقيقات وتقارير

“زيادة الأجور” تثير انتقادات الاقتصاديين البرلمان.. “روشتة” جديدة لعلاج الضائقة المعيشية


بعد أن صار الضيق في “معاش الناس” أمراً لا يمكن احتماله، بدأت العديد من الأجهزة التنفيذية والبرلمانية، في البحث عن مخرج للأزمة التي يواجهها غالبية المواطنين، فقد طرحت لجنة برلمانية “روشتة” جديدة لعلاج الضائقة المعيشية المتفشية، وتمثلت أبرز توصيات اللجنة المعنية في “زيادة الأجور”، وهي معالجة عادة ما تثير انتقادات الاقتصاديين المتخصصين الذين يرون في خطوة كهذه “تضخيماً للتضخم” وإنهاكاً للموارد المحدودة بدلاً من دعم الإنتاج وتوسيع رقعته.

وكشفت دراسة أعدها البرلمان، أن الأجور الحالية لا تتجاوز (20%) من تكاليف المعيشة، ودعت إلى قرارات حاسمة وقوية لترشيد الإنفاق الحكومي في جانب المشتريات، وأوصت بزيادة الأجور للعاملين في أجهزة الحكومة المختلفة، وزيادة عدد المستفيدين وسط الأسر الفقيرة من الدعم المباشر، فضلاً عن توسيع مظلة كفالة الطلاب والأيتام، وزيادة الحد الأدني للتمويل بما لا يقل عن الـ(50) ألف جنيه، ونادت الدراسة بتوسيع ونشر مؤسسات التأمين الصحي لأنها لا تتوافق مع الأعداد الكبيرة للمستفيدين.

جاء كل ذلك وغيره خلال ندوة نظمتها أمس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان حول “معاش الناس” بمشاركة البنك المركزي ووزارة التجارة واتحاد العمال.

الأجور والمعيشة:
تناول رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان البروفسير أحمد المجذوب تدني الأجور لا سيما بالقطاع الحكومي، مشيراً إلى أن قضية الأجور ظلت حاضرة في غالب مراحل التطور الاقتصادي لكنها حضرت بصورة كبيرة بعد ارتفاع معدلات التضخم بعد خروج البترول من الموازنة بعد انفصال الجنوب، وقال المجذوب إن الجهات المختصة من الوزارة والمجلس الأعلى للأجور أكدت بأن الفجوة بين الأجور وتكلفة المعيشة ما زالت كبيرة، مشيراً إلى أن اتحاد العمال أوضح أن الأجور الحالية لا تتجاوز (20%) من تكاليف المعيشة حتى وإن وافقت الدولة على مقترحات زيادة الأجور التي طرحها مجلس تحسين الأجور لاسيما بعد ارتفاع تكاليف العلاج والسكن وفرض مبالغ مالية على التعليم وصرف على الخدمات الأساسية كالمياه كلها عوامل جعلت الفجوة بين الأجور وتكاليف المعيشة كبيرة، إلا أن المجذوب أشار إلى أن هنالك تطوراً ملحوظاً في زيادة متوسط دخل الفرد حيث بلغ خلال السنوات الماضية ما بين (300 إلى 1800) دولار، وتوسعت خدمات التعليم والمياه والصحة من خلال زيادة عدد المستشفيات ووصول الاختصاصيين للولايات، والزيادة الكبيرة في أعداد الطلاب المقبولين بالجامعات حيث يوجد حوالي 5 ملايين طالب بولاية الخرطوم، وارتفاع أعداد المواطنين في التأمين الصحي.

تحسين الدخول:
وطرح أحمد المجذوب خلال ورقة وضعها البرلمان حول معاش الناس، عدداً من المقترحات لتحسين الوضع المعيشي وحل قضية معاش الناس، منوهاً إلى أن هذا الأمر لا يمكن أن يعالج إلا بوضع خطة اقتصادية متكاملة من خلال وضع حلول فورية وأخرى متوسطة الأجل وإستراتيجية، وتتمثل الحلول الفورية في تحسين الدخل المباشر للمستهدفين وهم “العاملون في أجهزة الحكومة الاتحادية والولائية، والفقراء غير القادرين على العمل والكسب”. وفقاً لمقترح المجلس الأعلى للأجور، وزيادة المعاشات والتأمين الاجتماعي وإن أدى إلى تعديل الإقطاعيات، والاستمرار في الدعم المباشر للأسر الفقيرة بزيادة عدد المستفيدين وتطوير الدعم حتى يصبح برنامجاً إنتاجياً، فضلاً عن توسيع مظلة كفالة الطلاب والأيتام وزيادة الدعم المقدم لهم، وتوسيع دور الأوقاف وإنشاء صناديق الكفالة، بينما دفع المجذوب بمقترحات لمعالجات غير مباشرة لاسيما في جانب التمويل الأصغر بزيادة الحد الأدنى للتمويل بما لا يقل عن الـ(50) ألف جنيه، ومراجعة وتبسيط وتوسيع الضمانات والتوسع الجغرافي بحيث يخصص محصول معين لكل منطقة حسب طبيعتها، وأشار المجذوب إلى أن حزمة الإجراءات والسياسات والمؤسسات التي أنشئت في مجال التمويل الأصغر في السودان تعتبر الأفضل وغير مسبوقة في كل الأقليم، إلا أن هنالك مشكلات في التطبيق سوف نعمل على معالجتها.

وفي مجال التأمين الصحي طالب البرلمان بتوسيع ونشر مؤسساته بالرغم من المؤسسات الحالية، إلا أنها لا تتوافق مع الأعداد الكبيرة للمستفيدين، وتشجيع نظام التأمين الصحي الحر، وتوسيع عدد ونوع الأمراض ومراجعة فئات وأسعار الخدمات العلاجية المقدمة، فضلاً عن تطوير وتقوية العلاقة بين مؤسسات التأمين الصحي ووزارة الصحة الاتحادية، وأضاف: “لا أريد أن أقول هنالك صراع أو خلافات بينهما، لكن هنالك عدم انسجام”.

مراجعة الإنفاق:
ويواصل رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان أحمد المجذوب عرضه لورقة “معاش الناس” التي أعدها المجلس الوطني في إطار سعيه لمعالجة هذه القضية، وفي جانب القطاع المالي طالب المجلس الوطني بضرورة مراجعة ترشيد الإنفاق الحكومي، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحتاج لقرارات حاسمة وقوية، مشدداً على ضرورة التوقف عن شراء السيارات الحكومية مهما بلغت الحكومة لها وفي حال الاضطرار يجب اللجوء إلى الصناعة المحلية.

وقال إن المشتريات الحكومية تعتبر من أكبر مشاكل الإنفاق الحكومي التي تشكل ضغطاً على المال، إضافة إلى ضرورة إيقاف إيجار العقارات للمؤسسات الحكومية وإيقاف التوظيف في كافة الأجهزة الحكومية والاستعاضة بتوفير تمويل للخريجين للعمل في النشاط الاقتصادي الخاص وتابع: “أفضل للخريج القطاع الخاص من أن يوظف في الأجهزة الحكومية ويصبح عاطلاً بوجه آخر للعطالة”، وفي إطار تخفيض الإنفاق الحكومي أيضاً بغية المساهمة في تحسين معاش الناس، طالب البرلمان بضرورة تقليل السفريات الخارجية لاسيما أن هنالك بعض الأمور لا تحتاج سفراً ويجب أن تقوم بها السفارات بالخارج من خلال توسيع صلاحياتها، في وقت طالب فيه بضرورة تخفيض أعداد السفارات الخارجية، وتابع: “لدينا عدد كبير من السفارات ربما أكثر من سفارات الدول العظمى”، فضلاً عن ضرورة تخفيض أعداد السفراء لاسيما أن بعض السفارات يوجد بها حوالي (3 إلى 4) سفراء.

مخاوف الاقتصاديين:
خلال مداخلته في الندوة قال وزير المالية السابق عضو البرلمان علي محمود إن مشكلة معاش الناس لا يمكن حلها بزيادة المرتبات، لأن الزيادة إذا كانت من مصادر غير حقيقية سوف تؤدي إلى ارتفاع التضخم، لذلك يجب أن تكون الزيادة من مصادر متجددة، مطالباً بضرورة زيادة الصرف على التنمية، وأضاف: “هنالك مشاكل في تسويق المنتجات كالسمسم والصمغ والثروة الحيوانية، والآن البهائم بيجيبوها سوق المويلح والأسعار منخفضة”.

بينما طالبت البرلمانية حياة آدم عبد الرحيم القطاع الاقتصادي باستقالات جماعية من إدارة شؤون الاقتصاد السوداني، إلا أن على محمود انتقد حديث حياة وقال إنه في الحديث حول تغيير الطاقم الاقتصادي لا طائل منه، وتابع: “أي مسؤول يأتي في إدارة القطاع الاقتصادي سوف يجد الأمر كما هو ولا يستطيع فعل شيء”، فيما طالب رئيس لجنة الزراعة بالبرلمان عبد الله مسار بضروة العمل على إعادة المواطنين الموجودين في أطراف المدن إلى مناطقهم وتحفيزهم على الإنتاج، مشيراً إلى أن التمويل الزراعي الحالي تشوبه مشاكل كبيرة ويجب إصلاحه.

الخرطوم: صابر حامد
صحيفة الصيحة