الصادق الرزيقي

أرض السُّّمُر ..!!


> تداعى عدد من الخبراء وأهل الدراية والدُّربة والرأي أول من أمس، لمشاهدة العرض الترويجي الأول لعمل تلفزيوني ضخم لم يشهده السودان من قبل، وسيكون له أثر بالغ ونقطة تحوُّل هائلة في تقديم السودان وتحسين صورته، وهو مُنجز إبداعي لم يسبق أن توفر للعقل الإبداعي في بلادنا من إنتاجه وإنجازه والإطلال على عالم السودان الجميل الفسيح والغوص في بؤر السحر والجمال والإشراق فيه. فسلسلة أفلام (أرض السمر) التي ستُدشَّن قريبا ًفي نوفمبر المقبل، هي انقلاب حقيقي في مفاهيم الأفلام التوثيقية، التي تجعل من التاريخ وزمانه، ووقائعه وأوانه، والإنسان في جغرافيته ومكانه، حقيقة إبداعية معرفية واقعية تمشي على رجلين، وتحديق في أفق مفتوح على امتدادات زمانية ومكانية باهرة تتجسد في شعار هذه الأفلام (أرض السمر السودان كما لم تره من قبل) ..

> هي سلسلة أفلام كما وصفها أصحابها ليست محاضرات تاريخية أو جولات سياحية تأخذ بمعارف الجغرافيا والتاريخ، فقد سعت المجموعة التي أنتجت الفكرة التي نبعت في شركة نبتة التي يقودها الأخ المخرج المستهام المشوق بهذا النوع من الأعمال سيف الدين حسن ومعه عدد كبير من المبدعين في مجال العمل المرئي، سعت هذه المجموعة بأعينها الفاحصة المدققة بعد أن شحذت سنان الجمال الذي يسكنها، الى اقتفاء آثار الإنسان مذ قديم الزمن حتى اليوم، حضاراته ممالكه القديمة ونتاجاته وإسهاماته التاريخية في محيطه في العالم القديم، وغاصت في لجة عميقة فيها تعدد الألسن والسحنات والأعراق والثقافات لتجمع المكونات التي صاغت الإنسان السوداني عبر الحقب المختلفة، وحركت هذه الثلة المبدعة من الشباب السوداني أعينها في عبقرية المكان ودلالاته، لتجعل من الجغرافيا ..
النيل والوهاد والوديان والغابات والصحارى والجبال والهضاب والسهوب الممتلة والسهول والماء السكوب .. صورة جديدة للسودان ممزوجة بواقعه وحاضره وتفاعلاته المختلفة، كأنما سعف النخل والأعذاق، وشجر التبلدي والحراز بهاماته التي تطاعن الشمس والأعناق، هي ملحمة الأرض والإنسان في دوران الزمن الذي لا ينتهي بالسودان من ممر الى مقر ومستقر ..! > فالصورة في هذه السلسلة من الأفلام التي بلغت (52) فيلماً مدة كل فيلم (30) دقيقة، هي أساس هذا الاستدعاء الذكي لهوية كانت بذرتها تتكون من آلاف السنين، في مهد الحضارات وموطن الإنسان الأول، فالصورة هنا لا تحتفي بالمكان، إنما تغوص في أعماقه تعبر عنه وظلاله وتأتي بكل تفاصيله الساكنة والمتجددة، وتنسج من مزيجه مع الإنسان وحضارته، حُلة وبُردة من خيوط السيلكون وحرير الضوء لتعطي صورة بصرية باهرة مدهشة أعدت بتقنية عالية تعد الأحدث في عالم التصوير المتحرك اليوم .

> تجولت هذه الأعين الساحرة المسحورة بالمكان والزمان، في كل أرجاء البلاد من شرقه الى غربه وشماله وجنوبه، وقفت في كل مكان كان فيه نبض للتاريخ والماضي والحضارة، أو فيه معالم للجغرافيا يتشكل منها مرآى الأمكنة، وكانت اللغة التلفازية المستخدمة هي الأكثر تشويقا ًفي هذه الأفلام، زوايا التصوير وأبعادها، والتفاصيل الجزيئية التي التقطتها عدسة الكاميرا للأرض والشخوص وحبات المطر وذرات التراب والطين وضجة الحصى وصخب الصخور، تصاحبه موسيقى تصويرية وخلفيات من منمنمات لمعزوفات من التراث الغنائي والموسيقي السوداني الأصيل . > ويقوم الراوي (د. أسامة الأشقر) بكل خبراته وعلمه ومعرفته بتقديم القصة كلها في السلسلة الخمسينية، في قالب حكائي ممتع وسهل، بسيط وواضح، شديد الجاذبية، يقوم على الحقائق التاريخية والواقع الماثل بكل تجلياته وتأثيراته على مسيرة الإنسان السوداني .

إذا كانت هذه السلسلة من الأفلام ذات الإبهار العالي الممتلئة بالإثارة التي تصنع الدهشة الكاملة، ستقدم السودان لنا ولغيرنا كأن لم نره من قبل او لم يروه، ستكون فتحا ًفي مجال الإعلام والمعرفة والثقافة، فعلينا أن نفتح لها الأبواب للعبور بقوة الى الفضاء العالمي، لأنها تقول لنا ..لكم (بلد ووطن) امتلأ حتى فاض بالحضارات والتاريخ، وبين يديكم جغرافيا وخيرات لم يهبها الله لغيركم، وأنتم (إنسان) عظيم قلَّ أن يوجد له أتراب ونظائر وأشباه .. فلننتظر جميعاً يوم تدشين هذه السلسلة فلن تكون صورة السودان بعدها كما كانت ..

صحيفة الإنتباهة