جمال علي حسن

أهم دروس الإضراب


التطورات الإيجابية التي حدثت في قضية الأطباء وتعاطيهم بشكل موضوعي مع الالتزامات التي قدمتها الدولة لحلحلة قضاياهم وقضايا القطاع الصحي.. لا شك أن هذه التطورات التي حدثت قد أزالت عملياً مخاوف اختطاف الملف من رصيف الأزمة وتوظيفه سياسياً.. هذه المخاوف كنا قد عبرنا عنها في أكثر من مقال قبل رفع الإضراب.. وطالبنا برفع الإضراب بعد أن وصلت رسالته وأدى مهمته حتى تفيد التجربة لإعادة تقديم وتفعيل أداة الإضراب نفسه دون حساسية، وسيكون ذلك في مصلحة الإضراب المطلبي كأداة فاعلة وحق مشروع .
لقد بدد الأطباء هذه المخاوف تماماً وهم يستدركون أهمية ضبط الجرعة والاقتداء بأدبيات تخصصهم نفسه في التعامل مع العلاجات والأدوية بشكل علمي .
لكن بقي التذكير بضرورة الانتباه إلى أن إضراب الأطباء كسابقة جديدة في عهد الإنقاذ في استخدامهم لهذه الأداة بحجمها الذي رأيناه يمكن أن يوصف بأنه كان ناجحاً في جانب مهم جداً بأنه كسر الخوف التقليدي عند السلطات والأجهزة في بلادنا من مثل هذه التحركات المطلبية الجماعية باعتبارها مشروعات تفلت وفوضى وليست محض ممارسات ديمقراطية تعكس صوت شريحة محددة مهنية أو حرفية أو أياً كان تصنيفها وتصنيف قضيتها فهي أداة تعبير واحتجاج ومطالبة بتصحيح وضع خاطئ أو رفع ظلم يقع على هذه الشريحة أو تلك وليس كما يصورها الفهم التقليدي لها باعتبارها شرارة نار تهدد أو ستهدد الاستقرار العام في البلاد وتفتح المجال للفوضى أو لنوع من الثورة ضد النظام الحاكم فيكون التعامل معها بأعلى درجات القمع والمنع والحسم الأمني .
ولو نجح إضراب الأطباء في تصحيح التعاطي مع الإضرابات كممارسات احتجاجية سلمية مطلبية مشروعة في حدودها المنضبطة فإن ذلك سيحدث تطوراً عملياً في نشاط ودور النقابات بشكل عام أو الأجسام التي تمثل شرائح مهنية أو غيرها .
المظالم والتقصير والأخطاء والأوضاع المهنية التي تحتاج الى تصحيح ليست حصراً على الأطباء وحدهم، والأصلح للحكومة وللشرائح المهنية المختلفة أن تكون هناك نقابات حقيقية فاعلة وتكون هناك آليات وأدوات سلمية للتعبير عن مطالبهم وتصحيح أوضاع قطاعاتهم بصورة سلمية واعية تراعي واقع الإمكانيات المتاحة لمعالجة قضاياهم أو إنصافهم هنا وهناك .
بلادنا تحتاج كثيراً لنفض الغبار عن الأدوات والخيارات السلمية وإعادة تشغيلها واستخدامها بديلاً للعنف والسلاح والتمرد والفوضى والتخريب.. والحكومة نفسها مثلما تحتاج لوجود معارضة سياسية وطنية حقيقية فهي تحتاج أيضاً لوجود كيانات نقابية مطلبية حقيقية حتى لا يلجأ المهنيون لأجسام بديلة وطارئة تعبر عن مطالبهم .
هنيئاً للوطن بهذا الفعل المنضبط في جرعته والذي خيب ظنون الكثيرين وقد كنت أنا منهم بأن هذا الإضراب كان في طريقه لأن يخرج عن المسار المطلبي المحدد ويخرج عن إطاره وحدوده المشروعة .

اليوم التالي