الطيب مصطفى

تعالوا إلى كلمة سواء


ظللنا نحذر من أخطار محدقة ببلادنا نكاد نراها رأي العين في دول كانت آمنة مطمئنة في محيطنا الإقليمي دهاها ما نخشى أن يصيبنا مما تسببت فيه قياداتها السياسية المتخاصمة المتحاربة المتشاكسة التي أعماها شح النفس الأمارة بالسوء فانزلقت ببلادها في حروب طاحنة أهلكت الحرث والنسل قتلاً وتدميراً وتشريداً وخراباً قل نظيره في التاريخ.

كنت والله ممن يسخرون من الحكمة المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية والتي تقول: (سلطان غشوم ولا فتنة تدوم) معتبراً ذلك من فقه تبرير الطغيان السياسي الذي أخاطه (ترزية الفتوى) من علماء السلطان الذين أخضعوا هذه الأمة للجبابرة والفراعنة مما هوى بها إلى قاع التخلف والجهالة العمياء .

لكني تأملت فيما حدث للعراق بعد إنهاء حكم طاغيته صدام حسين الذي لا ينكر إلا مكابر أنه كان دكتاتوراً متجبراً حكم العراق بأسلوب الحجاج بن يوسف الثقفي ولا أظن أن عاقلاً اليوم مهما بلغ بغضه لصدام يشكك أو يعترض على أن الرجل كان رحمة كبرى بالعراق مقارناً بحال أرض الرافدين اليوم والتي مُزقت ودُمِرت وقُتٍل الملايين من شعبها وشُرد بما ربما لم يشهد التاريخ له مثيلاً هذا فضلاً عما حدث له من تقسيم طائفي بغيض أنهى دوره القومي في مواجهة العدو الصهيوني المحتل وأسلمه لدولة الفرس من رافضة إيران التي تسعى لإعادة أمجاد امبراطوريتها الفارسية القديمة في ذات الأرض التي كانت تحتلها ذات يوم.

ذلك ما جعلنا اليوم نترحم على روح الشهيد صدام حسين الذي واجه الموت بشجاعة وأسلم الروح بعد أن نطق بالشهادتين مشهداً العالم أجمع على انتمائه لدين الآباء والأجداد.

ذلك أيضا ما جعل أحد حكام الخليج يعترف متحسراً ، بعد فوات الأوان ، ويقول : (لقد كان صدام حسين جبلاً لطالما عصمنا من الفرس فأزحناه بأيدينا بالتعاون مع الأعداء لنسلمه ونسلم أمتنا لعدو مغتصب خدعنا وجعلنا نهدر أموالنا ونشن الحرب على أنفسنا)

تلك هي عبر التاريخ التي ينبغي أن نعيها نحن السياسيين ونحن نخطط لمستقبل بلادنا التي تعاني من حروب ومن مشكلات اقتصادية وسياسية ومؤامرات دولية توشك أن تطبق علينا وتمزقنا إربا.

الحصيف العاقل أيها الناس هو من يختار ببن الشرين أيهما أخف ضرراً؟

لا يشك متشكك أننا نعاني من أزمة اقتصادية خانقة ومن ترد مريع في شتى مناحي الحياة ..غلاء طاحن وتدن في خدمات الكهرباء والمياه والتعليم والصحة وعجز في ميزان المدفوعات وانهيار كبير في الصناعة وفساد وتضييق على حرية التعبير والحريات الصحافية.

في هذا الجو الخانق أقر السيد رئيس الجمهورية والحزب الحاكم بأن هناك أزمة دعا الجميع إلى التوافق على حلها من خلال حوار شامل.

نقفز مباشرة إلى واقعنا الحالي لأقول أن هناك من يرفع شعار إسقاط النظام مهما كان البديل أو حتى لو كان البديل هو الشيطان الرجيم ..لا يهم أن يسقط بالبندقية والسلاح أو من خلال الانتفاضة المسلحة.

أقولها بملء فيّ إن من يقولون ذلك هم من يطلبون إعادة مأساة العراق وأقسم بالله إن هؤلاء هم العدو الحقيقي فبالله عليكم كيف يستقيم أن نوازن بين حالنا البائس الآن مع توافر الأمن الذي نحمد الله عليه وبين بديل نخشى أن يقذف بنا إلى ما يشبه الحالة السورية التي شردت نساء ورجال الشام في المنافي بعد أن فتكت بمئات الآلاف منهم ودمرت مدنها وقراها وردتها إلى عصور سحيقة من التخلف والبؤس والشقاء؟!

ما أقصر نظر من يفقد (جنا يعرفه) ليبدله (بجن لا يعرفه) وما أغبى وأحمق من يفقد المعلوم ولو كان بائساً ليبدله بالمجهول الذي قد يكون هاوية عميقة أو قفزة في الهواء تكسر عنق صاحبها .. إنه لمن الخطر الداهم أن نفقد استقراراً وأمناً تحت حكم معلوم مهما كانت درجة عدم رضانا عنه لنسلم رقابنا لحملة سلاح يشهرون سيوفهم في وجوهنا.

صحيفة الصيحة


تعليق واحد