مقالات متنوعة

سجوننا


قبل أعوام ضاقت السجون بالشعب السوداني بعد أن ضاقت به الحياة بسبب سياسات الحكومة ، فدخل الكثيرون إلى عالم الجريمة عبر بوابات مختلفة ضاربين بالقانون عرض الحائط ، فضيق المعيشة لا يحميه القانون مهما كانت سطوته ، ولم تجد حكومتنا الموقرة حلا غير ان تقوم بتأهيل السجون وتوسيعها وإنشاء أخرى جديدة لتستوعب عددا أكبر من المواطنين الذين سيطرقون باب الجريمة ، فأسست عام 2000 سجن الهدى وقد انشئ بحيث يستوعب 15 ألف نزيل وبذا يكون هو الأكبر من حيث الطاقة الإيوائية في السودان شرقه وغربه وشماله .

قبل الإنقاذ كانت السجون تستوعب القليل وكان سجن كوبر ،أكبرها ، لا يستوعب الرقم الذي يستوعبه اليوم 3 آلاف سجين ، وقد ضاق هو والسجون الأخرى بالمساجين ، وبدلا من ان تعمل الحكومة في اتجاه تقليل الجريمة فكرت في إنشاء سجن جديد يسع أكبر عدد ممكن من المساجين فولد سجن الهدى في الوقت الذي تسعى فيه دول كثيرة في العالم إلى تحقيق أقصى درجات الاستقرار لمواطنيها لخفض الجريمة والتخلص من السجون و قد نجحت .

اعلنت السويد عام 2013 عزمها إغلاق 4 سجون على أراضيها بسبب تراجع مستوى الجريمة فيها ، الأمر الذي جعل عددا منها فائضا عن الحاجة ،ويشير المسؤولون في السويد إلى أن السبب هو النهج الليبرالي للحكومة والتركيز القوي على مبدأ خدمات التأهيل، إضافة إلى ضمان حياة مستقرة وسهلة تلبي طموحات المواطن .

في هولندا أظهرت بيانات حكومية تراجع أعداد السجناء بصورة كبيرة، حتى بات عددهم أقل من أعداد حراس السجون والعاملين فيها.. في الوقت نفسه ، أشارت تقارير أن وزارة العدل الهولندية ستعمل على إغلاق بعض السجون وتسريح العاملين بها،وقد تم تحويل سجن قديم إلى فندق خمس نجوم تتوفر فيه جميع وسائل الراحة يحتوى على 150 غرفة و7 أجنحة فخمة و4 مميزة تحمل أسماء لها علاقة بالسجن .

في تركيا صديقتنا تم تحويل سجن (أولوجانلار) الذي أنشئ عام 1925 قبل سنوات الى متحف يمكن للزائر ان يعيش من خلاله لحظات المساجين عبر التجول داخل الزنزانات والغرف وساحات السجن ومشاهدة مقتنيات المساجين ومذكراتهم وكتبهم إلى جانب المكتبة و مركز ثقافي يستضيف الحفلات الموسيقية والمؤتمرات والدورات ويتضمن أيضا قاعة لعرض الأفلام ومحال لمزاولة الحرف اليدوية.

أمريكا حولت أحد سجونها إلى معرض فني يسلط الضوء على مبدعين وشخصيات عامة ناضلوا من أجل حرية التعبير وتعرضوا للاعتقال السياسي في أماكن وأزمان مختلفة، حيث اختير السوداني محجوب شريف شاعر الشعب من ضمن هذه الشخصيات.

قبل يومين أعلن والي شرق دارفور انه تم وضع خطة محكمة لضبط أمن الولاية وتم إنشاء سجن في حلفا القديمة لمتفلتين ، فإن فكر الوالي قبل ذلك في وضع خطة محكمة لتحسين حياة الناس والارتقاء بها لكان اهون له ألف مرة من إنشاء سجن في حلفا القديمة ، وهذا السجن سيؤرق الحكومة أكثر مما يريحها .

الجريمة في أية دولة تقلّ تبعا لتحسن الأحوال المعيشية ونمو الاقتصاد وتوفر الحريات والإحساس بالامان والتقدير والانتماء ، وهي كلها تشكل حاجات الانسان الأساسية ، والحرمان منها هو الذي يقود الإنسان إلى التمرد وارتكاب الجرائم، فكل دول العالم أدركت هذه الحقيقة وبنت استراتيجياتها على هذا الأساس حتى تسد الذرائع أمام مواطنيها ، والسودان مؤهل لأن يغلق كل سجونه ، فلماذا لا نفكر في التخلص من سجوننا مثل غيرنا من الدول ؟

اسماء محمد جمعة

التيار