رأي ومقالات

قصة زيارة نميري لمدرستنا الابتدائية.. تهلل وجه نميري وقال (ياخي) ثم ادار معي حديثا


الصور المبعوثة من اضابير أرشفة التاريخ والاسر للرئيس الراحل (نميري) أعادت لي بعض حيوية ذاكرة الطفولة ، كنا تلاميذ بالمرحلة الابتدائية آنذاك حينما اخطرنا في طابور الصباح ذات يوم ان الرئيس سيزور مدرستنا التي في غضون ساعات تجملت وصف مدخلها بالرمل والحصي وقامت علي جنبات الممر المهيب من المدخل براميل قدت من الاسمنت وعلاها علم السودان المعروف ، حضرنا باكرا وتراصت صفوفنا مثل كتل الطلبة الحربيين ، اذ انتصبت اجسادنا النحيلة صامتة ، تعطلت لغة الكلام وتراجعت حيوية مشاغبات الصباح ، فمن توتر الاساتذة و(الناظر) الذي يكاد يموت من القلق وانتشار بعض الرجال بجلاليب نضيرة وملابس فخيمة أدركنا ان زيارة الرئيس حدث جلل وجليل ، بعد زمن وجيز حضر الموكب ، نقلت صفوفنا لتقف ازاء خطين متقابلين ليمر عبرنا صاحب السعادة والذي اوقف موكبه بعيدا عن مدخل المدرسة ووصلنا راجلا ، كان ربعا ، ازال (النضارة ) السوداء عن عينيه فلمحت اثار (صفد) علي جانب وجهه ، بدا لي ضابط مكتمل اللياقة من واقع نشاط خطوته ، اشتعل المكان بزغاريد وهتاف ، صاح احدهم ابوكم مين فقال جمعنا (نمييييري) لاحظت ان (الناظر) كان يؤمن معنا بقول نميري وقد استبشعت ذاك فالرجل اكبر من الرئيس ولا ينبغي ان يقول هتافنا ! عبرنا (ابوعاج) طربانا جزلا ، أعادونا الي الفصول ، جلسنا داخلها نمارس فضول تلصص النظر عما يجري بالخارج حتي قطع الامر وصول احد الاساتذة للفصل صائحا باسمي ! طالبا الذهاب معه الي مكتب مدير المدرسة حيث الرئيس ، جزعت وارتعدت فرائصي ليس من مقابلة الرئيس فذاك بعمري لم يكن يشكل هاجسا مجلب للقلق ، ما خفت منه ان تكون باننظاري عقوبة جلد ، كنت كثير الشجارات وحتما فان (حميده) قد وشي به ، لحدث فعلنا امس وكان حاضرا وهو تلميذ خفيف اللسان والجنان ، مضيت خلف استاذي وانا موقن بالمصيبة حتي المكتب حيث كان الناظر يشرح ويفصل والعرق يتقطر من كل وجهه وبعض الاساتذة جلوس في مواجهة نميري ، كان هناك ابو القاسم محمد ابراهيم والسيدة بثينة خليل زوجة الرئيس ، كان ابو القاسم كثير الحركة والالتفات ، ما ان دخلت حتي نظر نحوي وابتسم ابتسامته الغريبة تلك التي هي خليط من الود والمكر ثم الوعيد ، كانت له طريقة مضحكة في تعابير وجهه ، ومن حركاته وتبسطه و(اخذ راحته) ايقنت انه صاحب نفوذ عسكري مع النميري ، وقفت مثل ساق الشتيل الني في عاصفة ليس حاضرها فيها ابوقطاطي ! طلب مني النميري الاقتراب ، صافحني بحنو ، مددت يد كأنما غمست في سطل ماء ! من التعرق المربك ، كانت نفسي تلعن زميلي بالفصل حميدة الذي اطلقت نحوه تعبير في سري لا يكتب هنا ، فؤجئت بالرئيس يستفسرني عن صرف الكتب والكراسات وعموم حالنا ، سألني عن والدي فذكرت اسمه حتي الجد المؤسس و قلت انه من (القوات المسلحة) واضفت سندا لروايتي في (الحرس الجمهوري) حينها مال نحوه ضابط مرافق وهمس بشئ فتهلل وجه نميري وقال (ياخي) ثم ادار معي حديثا بسيطا هامسا احسست معه ان الارض تميد تحت الناظر الذي كادت اذناه ان تستطيل للوصول الي المسافة الفاصلة بين اذني وشفة الرئيس ! بعدها طلب مني الانصراف ، لكن لسبب ما لا اعرفه قال ابوالقاسم وهو يضع بوريه احمر من فوق راسه (بتعرف دي) واشار الي (بثينة) كانت ملامحها ساكنة تماما ، ران صمت ، عدد الاعين المركوزة علي اربكني وقلت ببراءة (دي حرم ) ، تعمق الصمت الذي تفجر ضحكا من الجميع ، ذعرت وحرت اين اخطأت اذ كنت اسمع في الاخبار الرئيس وحرمه وحرم الرئيس ! لم اكن ادرك انها صفة ظننت انها اسم للسيدة ، قال الناظر هذه السيدة بثينة خليل فشرحت له بلسان متعثر سبب قولي حرم فعاد فاصل الضحك ثم عدت للفصل مزهوا والرفاق يحاصروني بفضول الاستفسارات وانا ساكت ، رحم الله نميري وتلك الايام

محمد حامد جمعة


‫2 تعليقات

  1. حصل لنا الشرف يا ود جمعة

    أختى الكبرى تشرفت بإلباس الفريق ” عبـــود ” بوكيه الورد

    لا أدري سبب اختيارها …لرتبة الوالد ؟ أم لجمالها الطفولي ؟ المهم أن الأسرة تفاخرت وتشامخت بذلك

    أما أنا ! وما أدراكم من أنا !
    لو كنت وقتها مدرجا في قائمة البشر الذين وصلوا لهذا الكوكب ، فما أحسب أني كنت سأفوز بذلك الاختيار

    ************************
    حقيقي تشوقت لقلمك الأخ محمد حامد

    وقد كنت غائبا أدبر وأخطط أمورا لي مما استدعى سفرا متواصلا ، ولم أحط عصا الترحال عن كاهلي إلا منذ وقت قصير

    وفي انتظار سفر النهاية الحتمية