منوعات

«اغتيال المحجوب».. قصة قضيَّة هزت مصر في التسعينات كانت البراءة نهايتها


أعتقد البعض أنَّهُ بقيام ثورة 25 يناير(كانون الثاني)، والتي خلعت الرئيس الأسبق «محمد حسني مبارك» من الحكم، ستنكشف الكثير من الأمور، وسنعرف الكثير من أسرار الماضي، وسيجاب عن تساؤلاتٍ كثيرة غابت عنَّا في فترة عهد الرئيس المخلوع، لكنّ هذا لم يحدث، وظلت الأمور كما هي عليه، ولا تزال هناك ملفات أغلقت أحداثها في الماضي، ولم يستطع أحد فتحها مرةً أخرى، ولا تزال أحداثها غامضة، منها: قضية اغتيال رئيس مجلس الشعب الأسبق «رفعت المحجوب»، التي حدثت في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وحكم على المتهمين في القضية بالبراءة في النهاية، وحتى الآن لا نعرف من هو قاتل رفعت المحجوب.

قبل الدخول في القضية: معلوماتٌ عن رئيس مجلس الشعب

في مدينة الزرقا بمحافظة دمياط في أبريل (نيسان) 1926، ولد الدكتور «رفعت المحجوب» رئيس مجلس الشعب المصري، وأستاذ الاقتصاد القانوني، حصل المحجوب على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة في عام 1948، وعلى الدراسات العليا في القانون العام من كلية الحقوق بجامعة باريس، ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد، بالإضافة إلى دكتوراه الدولة في الاقتصاد من جامعة باريس أيضًا، عاد إلى مصر بعد حركة «الضباط الأحرار»، وتولى العديد من الوظائف في جامعة القاهرة، حتى وصل لمنصب عميدًا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في عام 1971.

صورة نادرة تجمع بين رفعت المحجوب يمينًا والرئيس أنور السادات يسارًا
كانت بداية تولى المحجوب للمناصب السياسية في الدولة في عام 1972في عهد الرئيس الراحل «محمد أنور السادات»؛ إذ تولى منصب وزير برئاسة الجمهورية، ثم نائب لرئيس الوزراء في عام 1975، وفي العام نفسه انتخب أمينًا للاتحاد الاشتراكى العربي، وفي عهد الرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك» تولى المحجوب رئاسة مجلس الشعب المصري في عام 1984، حتى اغتياله في أكتوبر (تشرين الأول) 1990.

يقال إن للمحجوب دورًا هامًا في تقوية سلطة «الحزب الوطني المنحل»؛ من أجل منع أية محاولة لاختراق الحزب أو ظهور أحزاب تنافسه، وذلك بمساعدة رجال النظام، وهم «صفوت الشريف»، و«كمال الشاذلي»، و«يوسف والى»، ومعهم «أسامة الباز»، و«جمال عبد العزيز» من رئاسة الجمهورية، وكان دورهم يشبه إلى حد ما دور «اللوبى» في محاولة لإقناع مبارك بتطبيق قراراتهم، التي سيكون لها تأثير إيجابي على وضعهم في السلطة، وكان المحجوب يرغب في أن يصبح نائبًا للرئيس، لكنَّ هذا لم يتحقق.

كيف حدث الاغتيال؟

في أكتوبر (تشرين الأول) لعام 1990حدثت واقعة اغتيال رئيس مجلس الشعب «رفعت المحجوب» كما ذكر موقع المصري اليوم بأنه «أثناء تهدئة سيارة المحجوب من سرعتها لتنعطف من عند فندق «سميراميس»، باتجاه الكورنيش المؤدِّي لفندق «المريديان»، وفى لحظات ظهر أربعة شباب لا تزيد أعمارهم عن 25 سنة يركبون دراجتين بخاريتين، ويحملون أسلحة آلية، وحاصروا السيارتين، ثم ترجَّلوا، وأطلقوا النار على من فيها، فمات المحجوب مباشرةً، ومعه حارسه الشخصيّ المقدِّم «عمرو سعد الشربيني»، وسائقه «كمال عبد المطلب»، و«عبد العال علي رمضان» الموظف بمجلس الشعب. ثم استقل الجناة الدراجتين وهربوا في الاتجاه المعاكس لحركة المرور، إلا أن واحدًا منهم لم يتمكن من اللحاق بهم؛ فأجبر سائق تاكسي على الركوب معه، وعند إشارة فندق «رمسيس هيلتون» نزل من التاكسي شاهرًا سلاحه، وهرب في المنطقة العشوائية القريبة من بولاق أبو العلا».

صحيفة الأهرام أثناء تغطيتها لحادثة اغتيال رفعت المحجوب
ذكر شهود العيان بأن «ملامح الجناة ليست مصرية»، وقال موظف في فندق هيلتون برمسيس بأن «المتهم الهارب كانت لهجته شامية»؛ لذلك نشرت الصحف في اليوم التالي رسومات تخيلية للجناة، تبدو فيها ملامحهم خليجية، وذكرت الصحف أيضَا أن الجريمة قادمة من الخارج، بعد ذلك قامت أجهزة الأمن بإلقاء القبض على المئات من أعضاء الجماعات الإسلامية، وتم تقديم 27 منهم إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ.

بعد «مائة جلسة» و«حكم بالإعدام» و«وجود الشهود» كانت البراءة هي النهاية

في العاشر من يونيو (حزيران) 1991بدأت جلسات المحاكمة في قضيَّة اغتيال «المحجوب»، والتي وصلت إلى مائة جلسة، وفي 15مايو (أيار) 1993 ثبتت التهم على المتهمين من جماعة الجهاد الذين قيل إنهم قتلة المحجوب، وحكم عليهم بالإعدام، فقام أحد المتهمين وأنشد قصيدة تحمل اسم «غرباء» في المحكمة؛ فتأثر الحاضرون، وبكى محامي المتهمين أحمد نبيل الهلالي لقناعته التامة ببراءة المتهمين، وقد استمرت المرافعة لمدة ثلاث ساعات، وأطلق على هذه المرافعة اسم «مرافعة القرن».

في جلسة النقض بتاريخ 14 أغسطس (آب) 1993حكمت المحكمة ببراءة المتهمين، وتم الحكم على 10 متهمين بالسجن من 3 إلى 15سنة، لكن التهم لم تكن لها علاقة بحادثة الاغتيال، والسبب في حكم البراءة يعود إلى أن الأدلة التي كانت موجودة في القضية لم تكن كافية، فقد رفض القاضي شهادة 6 من زوجات المتهمين على أزواجهن بأنهم من قاموا بعملية الاغتيال لوجود نص في المادة 67 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 بأنه «لا يجوز لأحد الزوجين أن يفشي بغير رضاء الآخر ما أبلغه إليه أثناء الزوجية، ولو بعد انفصالهما، إلا في حالة رفع دعوى من أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر»، والسبب في وجود هذا القانون هو الحفاظ على المودة والرحمة بين الزوجين، خاصة أن هذا السر عرف به الزوجين أثناء الزواج، لذلك لا يجب إفشاء أسرار الزوجية، وبذلك تكون شهادة الزوجة على زوجها باطلة ولا يؤخذ بها.

جزء من مرافعة أحمد نبيل الهلالي للقضية

في حوارٍ مع المستشار«وحيد محمود» لموقع الوفد، والذي أصدر حكم البراءة على المتهمين ذكر أن المتهمين تعرضوا للتعذيب من أجل الاعتراف على أنفسهم، وظهر هذا من خلال محاضر النيابة التي ذكرت بأن «أحد المتهمين لم يستطع الجلوس على الكرسي فقام بالتمدد على الأرض»، وأشار بأنه لو تعرض هو نفسه للتعذيب الذي تعرض له المتهمين لكان اعترف هو الآخر؛ إذ ذكر أن التعذيب كان صعقًا بالكهرباء وتعليقًا بالأرجل والأيدي.

المستشار وحيد محمود الذي حكم بالبراءة على المتهمين
‮يذكر أن المتهم الثاني في قضية اغتيال المحجوب وهو «صفوت عبد الغنى»، والذي حكم عليه بخمس سنوات، أصبح بعد ذلك عضوًا في مجلس الشورى المصري، وحصل على الدكتوراه في عام7002، وأشرف على الرسالة الدكتور يحيى الجمل، بحضور دكتور أحمد ذكي يماني، ودكتور محمد سليم العوا.‬‬‬‬‬‬‬‬

«عصابة الأربعة» القشة التي قيل إنها كانت السبب في إنهاء حياة «المحجوب»

كانت هناك أحداثٌ يقال إنها السبب وراء حادثة الاغتيال، من ضمن هذه الأحداث، في إحدى جلسات البرلمان في فبراير (شباط) 1988كان هناك استجوب في البرلمان لوزير السياحة في ذلك الوقت «فؤاد سلطان»؛ بسبب بيع أرض سان ستيفانو في الإسكندرية، وعلق المحجوب على هذا الأمر بقوله «النهاردة هنسمح ببيع الفنادق، وبكره نسمح ببيع المصانع والشركات والمستشفيات.. لابد أن هناك من يقف وراء هذه الفكرة الشيطانية»، وعلم مبارك بهذا الكلام عن طريق «صفوت الشريف»، الذي كان يجلس في غرفة داخل المجلس لمتابعة ما يحدث في البرلمان ليقوم بنقله لمبارك؛ ليبدأ الصدام الأول بين مبارك الذي يوافق على مبدأ الخصخصة، والمحجوب الذي يقف ضد فكرة الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة، ويشار إلى أن المحجوب قد تم تعيينه في المجلس بقرار جمهوري.

صورة نادرة تجمع بين مبارك وحسين سالم يقف في المنتصف من ناحية اليسار
هناك واقعة أخرى في 5 مارس(آذار) 1990، يقال أيضًا إنها «القشة التي قصمت ظهر البعير» في إحدى جلسات البرلمان، قام العضو علوي حافظ بتفجير قضية عصابة الأربعة، وشهدت هذه القضية تورط «مبارك» مع «حسين سالم»، و«منير ثابت»، واللواء «عبد الحليم أبو غزالة»، في قضية السلاح وشركة الأسلحة البيضاء والتلاعب بالمعونات الأمريكية، لكن يقال إن «صفوت الشريف»، والذي كان يتابع الجلسة كالعادة من غرفة داخل البرلمان، أرسل ورقة إلى المحجوب بأمر من مبارك، يطلب منه شطب كل الأسماء التي ذكرت في الاستجواب؛ حتى لا تكون إدانة لهم بعد ذلك، وبالفعل قام المحجوب بشطب هذه الأسماء، لكن هناك بعض المعلومات التي تقول بأن المحجوب أخذ المستندات التي تدين مبارك من «علوي حافظ» في هذه القضية، ورفض إعطاء هذه المستندات لصفوت الشريف عندما طلبها منهُ؛ لتكون دليل إدانة لمبارك بعد ذلك.

بالطبع كلّ هذه تخمينات، لا نستطيع أن نجزم بها، وإنما نعرضها من أجل استكمال القصَّة الصحافيَّة فقط.

هل لمبارك علاقة باغتيال رئيس مجلس الشعب؟

في حوار لجريدة صوت الأمة مع ابنة المحجوب «قالت بأن مبارك ظلَّ أربعة أشهر لم يتحدث مع والدها بعد استجواب البرلمان في قضية «عصابة الأربعة»، ولم يكلمه إلا ليلة حادثة الاغتيال؛ ليطلب منه العودة لمصر لمقابلة الوفد السوري، لكن رفض والدي العودة، لكن أمام إصرار مبارك وافق على العودة، والذهاب لمقابلة الوفد السوري»، وذكر الموقع نفسه على لسان ابنة المحجوب، بأن ليلة الحادث حدثت عدة تغييرات، منها: تغيير خط سير الموكب بدلًا من الكوبري ثم فندق المريديان، وأصبح خطّ السير من الكورنيش من أمام فندق سميراميس، المنطقة التي وقعت فيها حادثة الاغتيال، بالإضافة إلى تغيير طاقم الحراسة إلى أشخاص أقل كفاءة، وهذا ما ذكره أيضًا اللواء «خيري راغب عبد الرحمن زاهر» مدير الشئون الإدارية لشرطة الحراسات الخاصة في شهادة بقضية الاغتيال، «بأنه جاء قرار من الرئاسة بنقل، كل طاقم الحراسة الخاص بالمحجوب، للأمانة العامة لمجلس الشعب»، ووضع طاقم حراسة آخر بدلًا منه.

وهذا ما كشفت عنه المعلومات والبيانات الأمنية أيضًا، عن وجود إهمال في تأمين المحجوب على الرغم من وجود معلومات تؤكد تخطيط اغتيالات سياسية في مصر، وفي شهادات الشهود ذكر أمين الشرطة «إيهاب السيد نافع» عدم وجود مرايات جانبية في السيارة لـ «مراقبة الطريق لحماية المحجوب، على الرغم من طلب المحجوب وضع مرايات جديدة، بدلًا من القديمة التي أتلفت»، بالإضافة إلى تصريح إدارة المرور عن عدم استقبالها لإشارة عن خط سير موكب رئيس مجلس الشعب؛ مما جعل محامي المتهمين «أحمد نبيل الهلالي» يُعلِّق على هذا الأمر في المحكمة بأنه «يبدو أنهم كانوا قافلين يوم الجمعة»، وأعلنت إدارة «فندق المريديان»، بعدم إخطارهم بقدوم رئيس مجلس الشعب للفندق للقاء الوفد السوري.

جاء في شهادة الرائد «محمد بركات» ضابط أمن الدولة الذي شارك في القبض على المتهمين، في المحكمة «بأن جهة ما لا يعلمها هي التي كانت تتولى عملية القبض على المتهمين، وكان دور الداخلية هو تأمين عمليَّات القبض فقط، ولم يستطع بركات تحديد هويَّة الجهة التي تتولى عمليات القبض على المتهمين»، الغريب في الأمر أن القاضي «وحيد محمود» قاضي قضية اغتيال المحجوب، ذكر في حواره لموقع الوفد أنه عندما تم استدعاء وزير الداخلية محمد عبد الحليم موسي في ذلك الوقت للشهادة، قال إن «الجناة ليسوا مصريين، وهذه الحادثة بفعل أجنبي».

يظلُّ لغز اغتيال المحجوب قائمًا حتى الآن، ويمكننا التساؤل: لماذا لم تتحرك الجهات المعنية بالتحقيق في هذه القضية التي هزَّت مصر، وخرج المتهمونَ فيها براءة؟

ساسة بوست