لبنى عثمان

أقنعة


وجوه كثيرة مختفية هناك خلف حصون الحياة.. خلف جدران الإهمال والنسيان تربطنا بخيوط الكف فننكسر ونتجدد مع حركة إيماءاتها.. تلعب بألواننا حسب طقسها النفسي.. تمطرنا حباً حين تأتي وتكسونا صيفا جين تذهب فتحرقنا شمسها فنمُسي ورقا أصفر يتطاير في أزقة الخريف.. فيتزايد ألمنا ويكبر انكسارنا وندرك في قرارة أنفسنا أننا صُدمنا فلم تعد الوجوه هي الوجوه.. وأصبحت هناك حواجز تعترض خيالنا الجامح فتتبعثر آمالنا.. وتتشت أحاسيسنا في اللا موجود.. ويلي ذلك صمت وهدوء يرافقه الكثير من انكسار الذات وانهزام النفس.. فتصبح لدينا رغبة في التلاشي والهروب من مواجهة واقع مرير أشد هزيمة وأنكى ألماً يُسلط أسلحته بكل شراسة.. فنخسر المعركة وندرك أننا لم نعد العدة لمواجهة الآتي وكيفية التعامل معه..
محطات كثيرة نمر بها تغير ملامح خارطة العمر.. وجوه عدة بأقنعة ملونة.. أصبحت وباءً اجتماعيا أصاب أغلب العلاقات الإنسانية.. حتى أصبح كل طرف يعيش بشخصيتين إذا لم تكن ثلاثا.. وبمجرد أن يتعايش الأطراف تبدأ الأقنعة بالتساقط وتظهر الحقائق وتتهاوى الأقنعة المزيفة مهما كانت درجة إتقانها..
(على سبيل المثال.. لا الحصر).. علماً بأن الأمثلة كثيرة.. عندما يشعر الرجل بانجذاب نحو إنسانة ما.. فإنه يعدد محاسنها ويكتب فيها الشعر والغزل ويتمنى إشارة منها، فطلباتها أوامر.. هي الوديعة في نظره.. المرحة.. الجميلة والمتحدثة اللبقة الاجتماعية.. الرشيقة الناعمة.. الحالمة والرومانسية.. ثم يتحول كل المدح إلى ذم وتستيقظ الشخصية الأخرى في داخله.. وتصبح الرقيقة الجميلة أنثى مملة.. عادية.. تخلو من أي روح للجمال لأنه ببساطة قد اعتادها ولأنها أصبحت سلعة مستهلكة وبنظرة أصبحت خاوية المشاعر وأنثى غير متجددة.. وسرعان ما يذهب ليبحث عن أنثى بشكل جديد وحب جديد ومميزات ذات ألوان مختلفة..
وكذلك الحال مع الفتاة.. لو اختارت إنسانا من بين العشرات الذين تصادفهم، فهي تطير به إلى عنان السماء.. فهو الرومانسي.. الكريم الفارس الذي ظلت تحلم به منذ أعوام.. الملتزم بواعيده.. لا يقطع أمرا إلا بعد أخذ رأيها ولا يجبرها على فعل ما لا تقتنع به.. فحنجرته لاتخرج إلا الدرر ولسانه لا يقطر إلا عسلا.. وبعد أن تستنفذ كل مطلباتها ورغباتها وأمانيها التي رأت في شخصه أنه سوف يحققها لها.. تستيقظ الشخصية الأخرى في أعماقها ويصبح هذا الإنسان في نظرها جمادا لا يملك من الصفات والمميزات إلا الملامح.. فهو متسلط.. بخيل.. مخادع وشكاك وخائن..
وهكذا كل طرف يقتنص للآخر هفوة وعلى أهبة الاستعداد أن ينالوا التغيير والتجديد.. غير عابئين بانكسار الأنفس ولا هدم حصون المشاعر والأحاسيس، وتنتحر كل معالم للمودة والعشرة وإن طال أمدها.. بسبب التباعد الروحي والنفسي، فتنطلق التعاسة بلا حدود ولا قيود..
رفقاً بقلوبنا فما هكذا الحياة ولا هكذا أسلوب التعايش فما زلنا.. بشرا.. نحب ونكره.. نحس ونتألم.. وفي الآخر نبتغي راحة البال وهدوء النفس واستقرار الحياة بشيء من الثقة.
إذن لابد أن نخرج من حالة التمزق والتشتت ونتحرر من الحلقة المفرغة والمفزعة حتى لا يكون الفرق شاسعا بين الواقع والحلم وتضطرب مشاعرنا وتتضارب أحاسيسنا ويثور وجداننا على أمانينا ونصل لمرحلة نتلاعب فيها بالأحاسيس نقتل فيها الحب وتضيع بها الثقة وتصبح دواخلنا مكباً لمخلفات التجارب العاطفية.. فنفقد قدرتنا على الموازنة ويتعطل عقلنا وتنشغل جوارحنا بين القفز والسعي لتحقيق المستحيل الذي لن يتحقق ونكون ضيعنا ما يمكن تحقيقه…
* أنين *
رفقاً بتلك القلوب..
فقد أنهكتها أقنعة التجارب..

اليوم التالي


تعليق واحد

  1. مقال رأئع وعبارات رصينة لمستي الوتر الحساس بالنسبة للحياة العاطفية للرجل والمراة من يفهم مقالك ويطبقو علي ارض الواقع ؟ نسبة الطلقات انتشرت بصورة مخيفة وسط المجتمع السوداني نسبة لي الاسباب اعلاها مقالك مفروض ينشر في ارقي الصحف والمجلات كتر الله من أمثالك .