الطيب مصطفى

تعالوا إلى كلمة سواء (2)


كنتُ قد ختمتُ مقال الخميس بالتحذير من أن نسلّم رقابنا، ونحن نبحث عن البديل، لحملة السلاح ممن يشهرون أسيافهم في وجوهنا، وذلك بعد أن ذكّرت بما حدث ويحدث في العراق اليوم من موت ودمار وخراب واحتلال وانقسام طائفي مريع أسلمه لروافض إيران الفارسية بعد زوال حكم طاغيته صدام حسين، وتساءلت: أيهما أرحم بالعراق، حاله اليوم أم حاله تحت صدام؟

لم أجامل البتة، وأنا أناقش قضية البدائل، فقد قلت إننا نعاني من أزمات اقتصادية خانقة، ومن نقص في الخدمات مريع وانتقاص للحريات كبير، ثم دعوتُ إلى النظر الفاحص والمقارنة بين البدائل حتى نختار بين أخف الضررين وأقل الشرّين تجنيباً لبلادنا الويلات التي انزلقت إليها عدة دول في محيطنا الإقليمي المشتعل.

لم يكتمل المقال، فقد كان يلزمني أن أوضح أنني لم أقصد بحديثي عن تلك البدائل المرعبة في دول الجوار القريب والبعيد الاستسلام لواقعنا الحالي البائس سيما وأن رئيس الجمهورية نفسه أقر واعترف بأن هناك أزمةً وحروباً وصراعاً واضطراباً سياسياً اضطره إلى إطلاق نداء لجميع القوى والأحزاب السياسية والحركات المسلحة بأن تتداعى إلى حوار شامل يجمع أبناء الوطن للتوافق على مشروع وطني ديمقراطي يتراضى عليه الجميع.

أقفز مباشرة إلى الواقع الحالي لأقول إن مخرجات الحوار التي توافق عليها المشاركون حوت كثيرًا من المطلوبات السياسية، وإذا كانت بعض القوى السياسية، ونحن منها، تعتبر تلك المخرجات منقوصة ولم تستجب إلى كل ما تتطلع إليه فإني أشهد بأنها تمثل خطوة إيجابية بل تحركاً لا بأس به إلى الأمام وأن الأوفق أن نكون قوة دفع من داخل آليات الحوار بدلاً من أن نكون خارجها، فأنا ممن يؤمنون بالحكمة العظيمة (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، ولا توجد مقارنة البتة بين خيار الحرب الأهلية التي نخشى أن تنزلق إليها بلادنا وخيار التراضي الوطني السلمي حتى ولو تم ذلك بتدرج أبطأ مما نريد .

صحيح أنه لكي يكون الحوار الوطني شاملاً نفتقد قوى مؤثرة من بينها الحركات المسلحة (الدارفورية وقطاع الشمال) والتي أظن أنه بدون استصحابها ستظل رحى الحرب مشتعلة، وكذلك بعض القوى السياسية المهمة مثل حزب الأمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي ولا خلاف في أن أبواب السودان ستكون مفتوحة لضم أولئك الممانعين من خلال التفاوض وقد طالبنا الطرفين خاصة الحكومة بتقديم التنازلات الكفيلة بضم جميع الممانعين إلى مائدة الحوار والتوافق الوطني.

ولكن دعونا نسأل: أيهما أجدى لهؤلاء الممانعين؟ خفض الجناح والتواضع قليلاً، خوفاً من حساب الله العزيز ومن لعنة التاريخ، بالانضمام إلى النسبة الغالبة من القوى السياسية التي انخرطت في الحوار والتي تضم عدداً كبيراً من الحركات المسلحة أم (ركوب الرأس) والإصرار على التمترس خلف مواقفهم المتعنتة السابقة التي لم يحصدوا منها حتى الحصرم؟

كتب اللواء الهادي بشرى بعد أن قرأ مقالي حول الأخطار المحدقة بالسودان والتحذير من الحروب الأهلية التي ضربت عدداً من الدول في محيطنا الإقليمي.. كتب لي الآتي: (ما طالعته بعمودك اليوم رأيته واستقر في قناعتي ووجداني منذ (21) سنة بعد مشاركتي في المعارضة داخلياً وخارجياً فعدت والحمد الله)، وأضاف أنه شارك بعد عودته إلى حضن الوطن في البناء ودفع الأعداء.

ما صار إليه الهادي بشرى اقتنع به كثيرون من أن المعارضة من خارج الوطن تضع ممارسيها في مهب رياح كثيرة وأجندات خطيرة تتحكم فيها الدول المستضيفة خدمة لأهدافها وسياساتها التي كثيراً ما تتعارض مع مصالح السودان.

الصيحة