الطيب مصطفى

بين موسى وجبريل ومناوي.. ولكِنَّ أخْلاقَ الرِّجالِ تَضِيقُ..!


كنت قد تناولت في مقال الأمس رسالة اللواء الهادي بشرى الهاتفية القصيرة التي بيَّن فيها كيف انتصر على نفسه الأمَّارة بالسوء والراغبة في شنِّ الحرب على الدولة السودانية بدعم من خارج متربِّص ومتآمر قلنا إنه يجيد تسخير المعارضين لصالح أجندته الشريرة. وكنت كذلك قد بيَّنت حكمة الاختيار بين الشرّيْن، أيهما أخف، تجنباً لمآلات مدمرة أكاد أراها رأي العين من خلال النيران المضطرمة في دولٍ شتى في محيطنا الإقليمي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فإذاقها الله صنوفاً من الذُّل والقهر والخراب والدمار والموت الزؤام.

أقولها موقناً، إن ما أدلى به الهادي بشرى أصبح بمثابة القناعة الراسخة التي استقرت لدى النخب بل بين معظم أهل السودان.

الكاتب الصحافي د.عبد اللطيف البوني تساءل في مقال عميق: هل حققت الحروب التي اشتعلت في السودان الأهداف التي اندلعت من أجلها، خاصة تلك المتعلقة بالمناطق التي ثار بنوها وحملوا السلاح للمطالبة بحقوقها أم أن تلك الحروب كانت وبالاً وموتاً وتشريداً ودماراً وخراباً؟! ثم لماذا لم تحدث انتفاضة شعبية تقتلع النظام كما حدث في أكتوبر 1964 وأبريل 1985؟! ثم تساءل: (أليس هو خوف الناس من حكم الذين يحملون السلاح بينما الناس لا سلاح لهم فأصبح الخيار بين جٍنّاً تعرفه وجِنَّاً لا تعرفه)؟! ثم سأل مرة أخرى: (هل تفاوض هؤلاء الحاملون للسلاح حول برامج تنموية أو خدمية في مناطقهم أم أن المفاوضات اقتصرت على اقتسام السلطة)؟!

هكذا سقطت دعاوى التهميش وانهزمت كل مبررات التمردات وأصبح ذلك رأياً عاماً تتداوله النخب المثقفة في الخرطوم الآمنة نسبياً وتتناقله مختلف فئات الشعب السوداني، وأقولها بملء فِيّ إن ما حدث في أحداث سبتمبر 2013 من تخريب طال المتاجر وطلمبات الوقود وسيارات المواطنين في الطرق العامة هو الذي صد سكان العاصمة عن المشاركة في تلك التظاهرات وهو ذات ما حدث في أحداث الاثنين الأسود التي انفجرت في أغسطس 2005 عقب مصرع قرنق والذي حرك الشعب في اليوم التالي لحماية عاصمته من أولئك المتمردين الذين استباحوا الخرطوم في ذلك اليوم المشؤوم وهي ذات المشاعر التي عمَّت الخرطوم عقب فشل محاولة خليل إبراهيم في غزو الخرطوم فقد فرح الناس بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية بعد الرعب الذي ملأ جوانحهم في ذلك اليوم العصيب فما أعظم نعمة الأمن الذي فقده من كانوا أفضل منا عيشاً وأكثر أمناً وها هم اليوم مشردون في شتى أطراف الدنيا..

قد لا تعلم قيادات الحركات المسلحة أن مواطن الخرطوم الذي يئِنُّ من وطأة الغلاء الطاحن ومن تدهور الخدمات وضيق العيش والضرائب الباهظة أصبح يتمتَّع بوعيٍ وحكمة تعصمه من الانتحار بسيف المعارضة المسلحة أو السلمية التي تدعوه إلى انتفاضة غير مأمونة العواقب أو يمكن أن تهوي به إلى المجهول.

مخطئةٌ هي الأحزاب التي تتحالف مع حَمَلة السلاح وما من ثغرة تمكِّن أعداءها من انتياشها وتحطيم سمعتها واغتيالها سياسياً أفضل من خطيئة انحيازها إلى حملة السلاح.

ليت جبريل ومناوي يُصدِّقاني أن الخرطوم ربما تكون قد خرجت عن بكرة أبيها يوم حُرِّرت هجليج وكانت كل الشوارع تقريباً تضج بأبواق السيارات فرحاً عارماً ربما لم أره في حياتي كما انفعل مواطنو الخرطوم بصورة غريبة بمآسي التطهير العرقي التي عانت منها بعض مدن وقرى جنوب كردفان (أب كرشولا والله كريم مثلاً).. كذلك ليت المعارضة تعلم أن المواطن قد يلعن الحكومة ويسخط ويمتعض ويغضب ويسُبُّ ويكفهِرّ لكنه لن يفكر في بديل يأتي من تلقاء حَمَلة السلاح أو قل عرمان، الذي أزعم أنه رُجِم ودُمِغ وشوِّهَتْ سمعته جزاءً وفاقاً لجرائمه الكبرى بأسوأ مما دُمِغ الشيطان الرجيم!

ذلك ما ظللْت أنبِّه إليه الباحثين عن سراب الانتفاضة أو إسقاط النظام، فالخرطوم اليوم ما عادت هي خرطوم الأمس والسودان الذي أزال نظامي نميري وعبود ليس هو سودان اليوم المهدَّد بالاستئصال من قِبَل مشروعات عنصرية بغيضة تتربَّص به بالليل والنهار وتتلمَّظ في انتظار الفريسة.

لو سأل لوردات الحرب أنفسهم: ماذا حققوا لأقاليمهم.. مئات الآلاف وربما ملايين ماتوا أو شردوا.. دمِّرتْ المنشآت.. انتشرت الأمية.. توقفت التنمية وغير ذلك كثير.. من هو المسؤول عن ذلك؟ إنه من أشعل الحرب، موظِّفاً نفسه ومنصِّبها، عنوةً، ناطقاً باسم من سماهم بالمهمشين، لكن ماذا حقق لأولئك المهمشين؟

عندما أعقد المقارنة بين موسى محمد أحمد، الذي جنح إلى السلم وهو يفتتح كل حين بعض مشاريع إعمار الشرق التي رأيت جانباً منها بعد عرض قدمه المهندس/ أبوعبيدة دج وبين دارفور التي أرهقها من فرضوا أنفسهم عليها وأشعلوا نيرانها قتلاً وخراباً ودماراً وتشريداً لا أجد غير بيت الشعر المعبر:

لعمرك ما ضاقَتْ بٍلادٌ بأهَلِها

ولكِنَّ أَخْلاقَ الرِّجالِ تَضِيقُ

متى بربك يلعن قادة الحركات المسلحة الشيطان ويكتفوا بما ولغوا فيه من دماء ويستغفروا ربَّهم قبل أن يصيبهم ما أصاب سابقيهم؟!.

صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. الشعب السودانى شعب لماح وذكى ، ويعرف كيف يقارن بين الوضع الحالى وما ستؤل اليه اذا جاء عرمان وزمرته ، ويعرف هذا الشعب الطيب الصابر المحتسب ان ليل ضيق العيش وشظف الحياة لا بد ان ينجلى قريبا وقريبا جدا ، فلا يمكن ان تستمر الأحوال بهذه الكيفية فهى سبع عجاف وسبع سمان ونواميس الكون تقول ذلك ، يحكمنا الشيطان الرجيم ولا الملعون عرمان ، يحكمنا ابليس ولا عبد العزيز الحلو ، هؤلاء لا يعرفون غير لغة الرصاص ، اما الصادق المهدى ومحمد عثمان الميرغنى فنقول لهم ان هذه البلاد اذا كانت حكرا لكم فلن تكون حكرا لابنائكم فاتعظوا وقد بلغتكم من الكبر عتيا ولن يغادر هؤلاء قبل ان يهيلوا عليكم التراب ، اما هذه الحكومة الغبية فعليها ان تتعلم شيئا من عقود الحكم هذه فبدلا من مجابهة الصخر ومعاندة البحر وبدلا من مواجهة القوى الكبرى عليها ان تتعلم شيئا فكل الحكومات شمالا وشرقا وجنوب تلعب لصالح شعوبها ومن ولدوا بعد هذه الحكومة شبوا عن الطوق وتعلموا السياسة الا هؤلاء !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!