منوعات

6 مساجد في دول غير عربية تخبرنا عن أسرار بنائها.. فماذا قالت؟


يمثل المسجد بالنسبة للمسلمين الرمز الديني الذي يجمعهم أينما حلّوا، ولا يتوقف دوره عند إقامة شعائر الصلاة فحسب، ولكنه يتجاوز ذلك إلى تأثيره البالغ في شتى مناحي الحياة، وأهمها تقوية روابط المجتمع الإسلامي وإفادته، ولذلك نرى في مختلف دول العالم الاهتمام ببناء المساجد، والسخاء في الإنفاق لتجهيزها ورعايتها.

ويبلغ عدد المساجد في العالم، وفقًا لتقرير شركة «ديلويت» للخدمات المهنية والاستشارية، الصادر في شهر يونيو عام 2015، حوالي 6.3 مليون مسجد، بمعدل مسجد لكل 500 مسلم، ومن المتوقع أن يزيد عددها ليصل إلى 3.85 مليون مسجد بحلول عام 2019، مع معدل نمو سكاني يبلغ 1.3% سنويًّا.

ويحفل تاريخ المساجد بالعديد من النماذج الأثرية العريقة، التي ما تزال قائمةٌ بعمارتها وزخارفها، في بلدان غير عربية، وفي هذا التقرير سنستعرض حكايات بناء بعض هذه المساجد، والأحداث التاريخية الفاصلة التي شهدتها.
1- مسجد «كأنِّي أكلت».. مثال حي على ثمرة الزهد

يقع هذا المسجد الصغير في منطقة «الفاتح» بالعاصمة التركية «إسطنبول»، ويعود تاريخ إنشائه إلى القرن الثامن عشر في العهد العثماني، وتقف وراء تسميته قصة غريبة يرويها لنا الكاتب العراقي «أورخان محمد علي» في كتابه «روائع من التاريخ العثماني»، فيقول: كان يعيش في منطقة «الفاتح» شخص ورع يُدعى «خير الدين أفندي»، وعُرف عنه بأنه عندما يمشي في السوق وتتوق نفسه لشراء فاكهة، أو لحم، أو حلوى، يقول في نفسه بالتركية «صانكي يدم»، أي كأنني أكلت، ثم يضع ثمن هذا الطعام في صندوقٍ له، ومضت الأشهر والسنوات، وهو يكف نفسه عن لذائذ الطعام، وكانت النقود في صندوقه تزداد شيئًا فشيئًا، حتى استطاع أن يبني بها مسجدًا صغيرًا، ولما كان أهل المنطقة يعرفون قصته أطلقوا على المسجد اسم «كأني أكلت».

ومن وجهة نظر «عبد الصمد آيدن» نائب مفتي منطقة «الفاتح»، فإن الحكمة من قصة مسجد «كأني أكلت» تكمن في الحث على التوفير الممكن، وعدم التبذير والاقتصاد قدر المستطاع بكل المواد، خاصةً أننا نعيش في مجتمعات استهلاكية كبيرة، ولذلك يمثل هذا المسجد درسًا للرجل في إدارة أعماله، والمرأة في تدبير شؤون منزلها.
المسجد بعد تعرضه للحريق في الحرب العالمية الأولى

ويَسَعُ المسجد مائتي مصلٍّ، وتغير شكله بعد تعرضه للحريق في زمن الحرب العالمية الأولى، ولكنه خضع لعلميات ترميم عام 1995، ليظهر بصورته الحالية.
2- مسجد «نيو جيه».. تزيِّنه المجسمات الصينية من الخارج والزخارف الإسلامية من الداخل

يعتبر هذا المسجد هو الأقدم بين مساجد شمال الصين، فقد بُنِيَ عام 996م حسبما جاء في «تاريخ قانغشانغ»، وتبدأ قصته بقدوم أحد العرب، ويُدْعَى الشيخ قُوام الدين، إلى الصين، وبصحبته أبنائه الثلاثة، والذين رغم ذكائهم وكفاءتهم إلا أنهم رفضوا أن يعملوا بالبلاط الملكي الصيني.

وقام ابنه ناصر الدين بعد ذلك ببناء هذا المسجد في ضاحية بكين الجنوبية، بأمر من الإمبراطور الصيني، وكان حجمه صغيرًا في بادئ الأمر، ولكنه شهد العديد من عمليات التوسعة في عهد أسرتي «مينغ» و«تشينغ» في الفترة من عام 1368 إلى عام 1411م.

وتبلغ مساحة مسجد «نيو جيه» حوالي ستة آلاف متر مربع، ولا يختلف مبناه عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلًا وتوزيعًا، حيث يحفل سطحه بالمجسمات الصينية التقليدية، بعضها على شكل أسود وتنانين، ولكنه يتميز من داخله بالطراز الإسلامي للزخارف واللوحات الخطية التي تزينه، وتقع قاعة الصلاة في الناحية الشرقية من المسجد، وتتسع لحوالي ألف مصلٍّ.

وتعرض المسجد أكثر من مرة للتخريب، أو للحريق، أو للتهديم بفعل الزلازل، وفي كل مرة كان المسلمون الصينيون يقومون بترميمه بمعاونة السلطات، مع الحفاظ قدر الإمكان على خصائصه المعمارية، وأقسى ما مرّ على المسجد في تاريخه، ما حدث في مرحلة الثورة الثقافية في ستينيات القرن العشرين، عندما تعرض مع غيره من الرموز الدينية التابعة لمختلف المعتقدات في الصين للتخريب المتعمد، ولكنه أعيد ترميمه بعد ذلك، واستعاد رونقه.
3- مسجد «كوبيه».. المسجد الصامد أمام المحن

يقع هذا المسجد في مدينة «كوبيه» على بعد 30 كيلومترًا من مقاطعة «أوساكا» بجزيرة «هونشو» اليابانية، ويعتبر أول مسجد في اليابان، حيث يعود تاريخ افتتاحه إلى عام 1935، وتم تمويل إنشائه عن طريق حملة التبرعات التي قام بها المسلمون في اليابان عام 1928.

ووقف المسجد الذي بُني على الطراز التركي صامدًا أمام العديد من التحديات والصعاب التي مرَت عليه، وكانت أولها عندما تعرضت مدينة «كوبيه» للقصف الجنوني لسلاح الجو الأمريكي في الحرب العالمية الثانية، والذي دمر المدينة بأكملها، ولكنه لم يُصب المسجد سوى ببعض الشقوق على الجدران الخارجية، وتحطم نوافذه الزجاجية، ولجأ الجنود اليابانيون إلى الاحتماء بسرداب المسجد، والذي تحول إلى مكان لتخزين الأسلحة، وملجأ لضحايا الحرب.
المسجد بعد تعرضه للقصف في الحرب العالمية الأولى

ولم تكن هذه المرة الوحيد التي يستطيع فيها المسجد تجاوز الكوارث بنجاح، ففي عام 1995، عندما ضرب اليابان زلزال «هانشين أواجي الكبير»، والذي يعتبر ثاني أسوأ زلزال في تاريخ اليابان؛ لما ألحقه من خسائر كبيرة، وبالأخص في مدينة «كوبيه»، صمد بنيان المسجد أمام الزلزال ولم ينهدم؛ مما جعل اليابانيين ينظرون بتعجب إلى ما حدث.
4- مسجد بورصة الكبير.. الإبداع الهندسي يضع حلولًا للتعصب الديني!

يعود تاريخ بناء المسجد وفقًا للمصادر التاريخية التركية إلى عام 1396 في عهد السلطان «بايزيد الأول»، عندما قامت الدولة العثمانية بشراء المنازل والعقارات الكائنة في وسط مدينة بورصة التركية؛ لتهدمها وتقيم مسجدًا محلها، لكن صاحبة البيت الذي توسط تلك المنازل كانت سيدة مسيحية عجوز، فرفضت بيع بيتها وأصرت على موقفها رغم المحاولات الكبيرة لإقناعها بذلك.

وبعد كثير من المفاوضات قبلت السيدة المسيحية التنازل عن بيتها مقابل تعويض مالي كبير جدًّا، وبشرط ألا تقام الصلاة في مكان البيت، وهو الأمر الذي قبله المفتي العثماني واعتبره حقًّا لها، ولكن هذا الشرط شكّل عقبة في طريق البنائين والمشرفين على إقامة المسجد في بداية عمليات الإنشاء، إذ جرى التقليد الهندسي أن تقام أماكن الوضوء والخدمات على أطرافها لترك المساحات الكبرى للمصلين، ولكن المعماري الشهير «علي نصار»، والذي تولى وضع تصميم المسجد، توصل إلى حل إبداعي يتمثل في إقامة نافورة ماء وسط المسجد، يستخدمها المصلون للوضوء، وفوقها قبة لإدخال ضوء الشمس، مما يعمل على سهولة وصول الإضاءة الطبيعية إلى داخل المسجد.
نافورة المياه تتوسط المسجد

وإلى جانب هذه القصة، فهناك قصة أخرى وراء القباب العشرين التي تعلو المسجد، فقد نذر السلطان بايزيد الأول إذا انتصر في معركة «نيقوبولس» عام 1396، أن يبني عشرين مسجدًا، ولكن بعد المعركة أفتاه العلماء بأن ينبي مسجدًا كبيرًا بدلًا من عشرين مسجدًا صغيرًا، على أن تعلو المسجد عشرون قبة ترمز كل واحدة إلى مسجد صغير.

ومن اللافت للنظر في أجزاء المسجد منبره التاريخي العتيق، والذي صنع من الخشب المعشق، ولم يُستخدم مسمار واحد لتثبيت أجزائه، وقام الفنان التركي الذي صممه بحفر نموذجًا رائعًا للمجموعة الشمسية على أحد جوانبه.
5- مسجد «فرحات باشا».. يقف شاهدًا على جرائم الصرب ضد المسلمين

في مايو 2016، حضر أكثر من عشرة آلاف شخص إعادة افتتاح هذا المسجد، بعد أن دمره الصرب خلال حرب البوسنة والهرسك 1992- 1995، والتي دمرت نسيج البوسنة المتعدد الأديان، والراسخ منذ قرون، وشاركت تركيا في تكلفة إعادة البناء، وقال رئيس الوزراء التركي «أحمد داود أوغلو» في حفل الافتتاح: «كنا هنا في السابق، وها نحن هنا الآن، وسنظل هنا على الدوام».

ويعتبر مسجد «فرحات باشا»، والذي يطلق عليه أيضًا اسم «فرهاديا»، تحفةً من العمارة العثمانية في القرن السادس عشر، وأحد المساجد الستة عشر بمدينة «بانيا لوكا»، وأحد مساجد البوسنة والهرسك الـ 534 التي دُمرت، أو أصابها الضرر على أيدي صرب البوسنة، والذين كانوا يهدفون لجعل تلك المنطقة من البوسنة جزءًا من صربيا المجاورة.
صورة قديمة للمسجد- أبريل 1941

ولكن في عام 1995 بعد مقتل أكثر من مئة ألف شخص، تم التوصل إلى اتفاقية سلام تقضي بتقسيم البلاد إلى جزأين أحدهما للصرب، والآخر للكروات والمسلمين، ونصت الاتفاقية على منح اللاجئين حق العودة إلى منازلهم، وإعادة إعمار مسجد «فرحات باشا».

وتعرضت عملية إعادة الإعمار إلى عدة عراقيل، ففي عام 2001، فشل حفل وضع حجر الأساس للمسجد؛ بسبب قيام مجموعة من القوميين الصرب بقتل أحد الزوار المسلمين، وإصابة العشرات بجروح؛ مما اضطر قوات «الناتو» إلى إجلاء السفراء المدعوين إلى الحفل بالمروحيات.

ولم تثنِ هذه الحادثة القائمين على إعادة إعمار المسجد عن استكمال مهمتهم، حيث قاموا بتحديد أماكن كثير من قطع ركام المسجد، وجمعوها وباستخدام أجهزة الحاسوب وضعوا ما يزيد على 3500 قطعة منها في مكانها الصحيح، واستغرق إعادة بناء المسجد 15 عامًا.
6- مسجد «باريس».. هدية فرنسا لأرواح المسلمين التي ذهبت لأجلها

كانت نقطة الانطلاق لتأسيس هذا المسجد بعد الحرب العالمية الأولى، والتي دفع فيها 70 ألف مسلم حياتهم ثمنًا للدفاع عن فرنسا وتحريرها من النازية؛ مما جعل المفكر والصحفي الفرنسي «بول بورداري» يتحمس للدعوة إلى إنشاء مشروع للاعتراف بالجميل الذي قدمه المسلمون لفرنسا، وقام بتأسيس «لجنة المؤسسة الإسلامية» عام 1916.

وأتتت جهود «بورداري» ثمارها بتزايد مؤيدي المشروع من المثقفين والسياسيين؛ مما جعل البرلمان الفرنسي يصادق عليه، ويرصد ميزانية قدرها 500 ألف فرنك لعملية البناء، إلى جانب تبرع بلدية باريس بالأرض التي سيقام عليها، وفي 15 يوليو 1926، دُشّن مسجد باريس، وفتحت أبوابه للمصلين والزائرين.

ويقع المسجد في الدائرة الخامسة بباريس، والتي تشتهر بكونها قلب الحي اللاتيني، والذي يوجد به أشهر المؤسسات العلمية مثل: جامعة «السوربون»، ومعهد العالم العربي، بالإضافة للمباني التاريخية مثل: مبنى «البونتايون»، والذي يوصف بمقبرة عظماء فرنسا، وأيضًا مبنى مجلس الشيوخ الفرنسي.

ويتميز مبنى المسجد الذي صممه المعماري الفرنسي «موريس مانتو»، وشارك في تنفيذه 450 حرفيًّا قدموا من المغرب، بالطراز الأندلسي الواضح في مئذنته المرتفعة بطول 33 مترًا، مما يذكرنا بمئذنة مسجد قرطبة، وتبدو باحته الداخلية المزينة بالرخام وكأنها مستوحاة من قصر الحمراء في غرناطة.

ومن يذهب لزيارة المسجد سيمر على قاعة الشرف المحاذية لقاعة الصلاة، وسيجد فيها قطعًا حرفيةً رائعةً تشد انتباهه، فهناك السجاد العجمي من إيران، والأثاث الخشبي المصنوع من جذوع أشجار الأرز في لبنان، وثريات الحديد المشغول التي تشتهر بها مدينة فاس المغربية.
جدار المسجد من الداخل

وعند دخولنا قاعة الصلاة سنرى تحفةً معماريةً تتميز بجمعها بين الطابع القديم والحديث، حيث ما زالت تحتفظ بالطريقة التقليدية في الإنارة، والمعتمدة على ثريا مُعلقة في قبة المسجد تزن حوالي 300 كيلوجرام، وإذا ما تأملنا جدران المسجد سنشاهد عليها أبياتًا شعرية منقوشة نظمها الفقيه والشاعر المغربي «أحمد سكيرج»، والذي نظم العديد من القصائد في مدح الرسول مُحمَّد، وله الكثير من المؤلفات في الطريقة «التيجانية» الصوفية، وكان أحد المرافقين لسلطان المغرب آنذاك «يوسف بن الحسن»، في حفل افتتاح المسجد.

 

 

ساسة بوست


تعليق واحد

  1. الصورة لمسجد ديماوكوم أو المسجد الزهري هو مسجد يقع في منطقة داتو سعودي امباتوان في مدينة ماجوينداناو في الفلبين، تم تمويل بناء المسجد من قبل عمدة منطقة داتو سعودية امباتوان سامودين ديماكون، وكانت الأرض التي تم بناء المسجد عليها من ممتلكات عائلة رئيس البلدية ، وقد صبع المسجد باللون الوردي ليرمز إلى السلام والمحبة، وقد بني من قبل العمال المسيحيين ليرمز إلى التعايش بين الأديان .
    (ويكيبيديا)