منوعات

قصة «زرافة» محمد علي باشا .. احتفى بها الفرنسيون وكانت تتناول 25 جالونًا من اللبن يوميًا


بين حين وآخر يتبادل زعماء الدول الهدايا بينهم البعض، والتي تتمثل في عدة أشكال، مثل إعانات مالية لمساعدة حليف ما، أو توفير الأسلحة اللازمة، أو تبادل بعض الأشياء القيمة، لكن الأمر أخذ منعرجًا آخر في عهد محمد علي باشا، بعد أن تحولت العطايا إلى حيوانات.

في الفترة 1821: 1832 شن محمد علي باشا حروبه على اليونانيين، وكانت الدولتين العظمتين، انجلترا وفرنسا، تقفان ضده، إلا أن القنصل الفرنسي في مصر، «برناردينو دروفيتي»، أشار عليه بأن يلطف الأجواء معهما من خلال إهدائهما الزرافتين، واللتين حصل عليهما من السودان بحكم سيطرته عليها.

ووفق ما هو منشور في صحيفة «الراكوبة» السودانية كان محمد علي حينها يهدف إلى التأييد الخارجي إيذاء مغامراته في تكوين إمبراطوريته، كما أمر الملك الفرنسي شارل العاشر وزارة خارجيته بأن تناشد كل قناصل دولته في الخارج، وكذلك المواطنين المسافرين لبقاع العالم المختلفة، بالعمل على تزويد حديقة باريس النباتية ومتحف التاريخ الطبيعي الملحق بها بما يجمعونه من غريب النباتات والحيوانات.

بوجود النوايا السابقة لمحمد علي باشا، والقنصل الفرنسي تم الأمر فعليًا في نهاية عام 1825، باصطياد زرافتين جميلتين، وتم نقلهما إلى الإسكندرية في 1826.

وفور وصول الزرافتين إلى الإسكندرية أُجريت قرعة على الزرافتين حتى يتم تحديد أيًا منهما سيكون من نصيب فرنسا، والأخرى بطبيعة الحال لصالح بريطانيا، وكانت الأجمل من نصيب الفرنسيين، في حين كانت الضعيفة والنحيفة من نصيب بريطانيا، ويُذكر أنها توفت بعد شهور قليلة.

أما الزرافة الأجمل أصبحت مجهزة للسفر إلى باريس، وتروي الكاتبة أمل الجيار، في مقال بجريدة الأهرام بتاريخ 31 ديسمبر 2011: « كانت ابنة شهرين قصيرة القامة، تم ترويضها علي تناول اللبن, وباعتبارها من ممتلكات الوالي كانت حياتها تساوي حياة رعاتها حسن وعطير، ولكنها المسكينة كانت ضعيفة الشهية، وكانت تتناول 25 جالونًا من اللبن فقط يوميًا»، مع العلم أن المبلغ الذي دفعته فرنسا حينها لنقل الزرافة عندها هو 4 آلاف و500 فرنك، أي 750 دولارًا.

وأوضحت أمل أن الزرافة كانت منقولة من السودان ضمن حاشية مكونة من 3 أبقار حلائب مع راعيها، وجهز القنصل الفرنسي، برناردينو، رحلتها علي متن سفينة شراعية من «سردينيا» بقيادة القبطان الإيطالي «ستيفانو منارا»، والذي خصص فتحة في سطح السفينة تسمح للزرافة بالوقوف أسفلها لمد رقبتها، وبطن الفجوة بالقش لحمايتها من أي إصابة عند إضطراب البحر، وسترها بغطاء أشبه بـ«الكانفاه»، لحمايتها من الشمس والمطر.

وبدأت السفينة رحلتها في 29 سبتمبر 1826، مع الكثير من عبارات الوداع والمراسم العسكرية، ووصلت الهدية الثمينة بميناء مارسيليا في 31 أكتوبر من نفس السنة.

وكانت الأجواء في باريس حينها شتوية، ما دفع القائمون على نقلها بإبقائها في مارسيليا حتى يتحسن الطقس، وبالفعل تم استكمال عملية النقل في مايو 1827، ليستقبلها الملك شارل العاشر بحفاوة، وقدم لها تيجانًا من الزهور، قبل أن تذهب إلى حديقة النباتات.

الغريب في الأمر هو ما ذكره «غابرييل داردو» في كتابه «زرافة للملك»، الصادر في 1985، وروى: «أن أكثر من ثلاثين صاحب فندق صغير ومكتب بريد ومخزن اختاروا الزرافة شعارًا لهم في ذلك الحين، ولا يزال هذا الشعار موجودًا حتى اليوم في أماكن متعددة من فرنسا».

ومع دخول الزرافة حديقة النباتات في 1827 زارها 600 ألف شخص، وهو ما ساهم في تحقيق عائد اقتصادي ضخم، وأطلق عليها الملك شارل: «المصرية الجميلة».

وفي عام 1845 شاخت «المصرية الجميلة» وماتت عن 21 عامًا، وتم تحنيطها واحتلت مكانًا مرموقًا في قسم الطبيعيات من متحف الحديقة، وبين الحربين العالميتين نجح محافظ المتحف الطبيعي بـ«لاروشيل»، بغرب فرنسا، في الاستئثار بها لمتحفه.

المصري لايت