الصادق الرزيقي

زمن التحرك


> لا يمكن معرفة وقياس حجم التحولات والتطورات السياسية والأمنية في البلاد بدقة وتعمق مطلوبين إلا بزيارة ولايات مثل ولاية شمال دارفور التي زرناها أول أمس ومكثنا فيها يوماً وليلةً، وتلاحظ أن مدينة عريقة ذات تاريخ ضخم مثل الفاشر، قد استوعبت وبسرعة مذهلة بحكم تميز أهلها بوعي سياسي متقدم، كل ما تتطلبه المرحلة المقبلة من تغيير وتطوير ونتاجات الحوار الوطني في شقيه السياسي والمجتمعي. > ومهما كان بعد أية ولاية عن المركز وبؤرة النشاط العام وموطن القرار السياسي، فالولايات أكثر تهيؤاً لتقبل وتطبيق السياسات والبرامج والاتجاهات الجديدة في مسار السياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات، ونحن في الفاشر التي وصلنا إليها لحضور الجمعية العمومية لاتحاد صحافيي شمال دارفور، ومن خلال مشاركتنا في أنشطة عامة وندوة سياسية كبرى عن الحوار الوطني، فوجئنا بنوع ومدى التطور الكبير في وعي المواطن بالقضايا القومية ومتابعته لما يدور في البلاد، والقابلية للانتقال من مربع الماضي الكئيب بحروبه وصراعاته ونزاعاته المسلحة إلى مربع جديد يسمق فيه التفاؤل البناء والرغبة الجادة في صناعة واقع مختلف، ولن يكون غريباً إن قلنا إن دارفور ودعت ماضيها القريب وطوت صفحاته وهي تتهيأ لمستقبل زاهر، فلا وجود للتمرد وحركاته المسلحة ولا صراعات قبلية ولا قطاع طرق أو متفلتين، فالطرق التي كان لا يمكن السفر عبرها إلا بأطواف وأفواج من القوات النظامية مفتوحة الآن ليلاً ونهاراً، والمدن الكبرى مثل الفاشر وكتم وكبكابية ومبسط وأم كدادة باتت تنام آمنة مطمئنة لا قتل في الأسواق والطرقات ولا أصوات تشق ليل المدينة ونهاراتها حين يلعلع الرصاص . > كل شيء عاد آمناً، ويقطف الناس ثمار الأمن والاستقرار، وتبقى أن يبتدر الجميع في الحكومة ومؤسساتها وأجهزتها ومنظمات المجتمع المدني مبادرات حقيقية تسرع من خطوات السلام الشامل وتقرب المسافات وتبعد احتمالات عودة أشباح الظلام . > من بين المبادرات الجيدة والتي سيكون لها أثر كبير هي مبادرة الإعلاميين والصحافيين بالولاية الذين أطلقوا خلال الجلسة الافتتاحية لجمعيتهم العمومية مبادرة سلمت لوالي الولاية الأستاذ عبد الواحد يوسف تحت مسمى (صحافيون من أجل السلام ووقف الحرب وجمع السلاح)، وهي مبادرة فعالة ومؤثرة في المجتمع تتخذ من قوة تأثير الإعلام ودوره وتفاعل المجتمع به، منصة للانطلاق بقوة وسرعة لاحتواء ظاهرة حمل السلاح والتمرد على الدولة والتصارع والاحتراب القبلي ودعوة المواطنين كافة للتخلي طواعية عن فكرة اقتناء وحمل السلاح وحصره فقط في أيدي القوات النظامية وأجهزة الدولة، ولو تحقق لمواطني دارفور ذلك وعاشوا هذا الواقع من جديد، ستعود إلى دارفور روحها القديمة وسلامها المفقود. > ومن نافلة القول إنه بعد الحوار الوطني، لا بد لقطاعات كثيرة منها الاتحادات المهنية والمنظمات غير الحكومة أن تنهض بدورها سواسية مع الأحزاب والتنظيمات السياسية لجعل الحوار الوطني والمجتمعي ثقافة عامة للمجتمع، فأي عاقل لا بد له من المساهمة الفاعلة في تحقيق تطلعات مشروعة في التنمية والاستقرار والتوسع الخدمي والتبادل السلمي للسلطة واستقرار النظام السياسي المتفق عليه . > فإذا كانت بلادنا مقبلة على مرحلة جديدة وديمقراطية حقيقية، فمن واجبنا جميعاً أن نعمل بجدٍ واجتهادٍ لترسيخ مفاهيم الحرية ودولة القانون وتساوي الفرص والوصول للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وليت الأحزاب السياسة التي شاركت في الحوار والوطني وفي مقدمتها الحزب الحاكم، العمل بسرعة على تكثيف البناء الجديد للمرحلة القادمة، وشرح مخرجات الحوار لعامة الشعب وتبسيط شروحاته الوثيقة الوطنية حتى نجعل من كل شرائح المجتمع المدافع الأول والأخير عن هذا المكتسب، وحتى نجذر هذه المخرجات في التربة السياسية لتنمو زهراتها وتتفتح . > من الفاشر تنطلق مبادرات للصحافيين ومن المجتمع المحلي، وهي أنموذج يمكن أن يُعمم في كل البلاد لتقوم القوى الحية بدورها وتقود العمل لإصحاح الحياة العامة وإصلاح ما أصابه العطب والخلل.

الانتباهة